لم يكن عُمر الشاعر أحمد المعرسي يتجاوز الرابعة عشر عامًا، حين قرر السفر إلى المملكة العربية السعودية بطريقة غير نظامية (تهريب)، للعمل من أجل جمع مصاريفه الدراسية وتوفير احتياجات أسرته المكونة من والدته وشقيقاته، تاركًا خلفه مدرسته وزملاءه في الصف السابع، وكتاب شعرٍ وحيد تركه والده “علي” الذي توفي قبل أن يتم الطفل “أحمد” عامه الرابع.
على مدى 13 عامًا، ظلَّ الفتى المعرسي يراوح بكل جدٍّ واجتهاد بين العمل في السعودية كخياط في إحدى محلات الخياطة، والعودة إلى اليمن من فترة لأخرى لاستكمال مراحله الدراسية، وبالفعل استطاع الفتى النبيه – رغم صغر سنّه تحمّل مسؤولية إعالة أسرته؛ واستكمال الدراسة الإعدادية والثانوية ومن ثم الجامعية، حتى حصل على درجة البكالوريوس من كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء.
“شاعر يكتب بدموع روحه قصائداً لا نظير لعذوبتها”
أحمد علي علي المعرسي، شاعر يمني ريمي متفرّد، وباحث في التراث الشعبي، تميّز شعره بالسلاسة والعذوبة وتنوع بين الحب والغزل والمدح، لا سيما مدح وحب النبي (ص) الذي كتب فيه بغزارة المحب المتصوف والعاشق المفتون، حتى أطلق عليه بعض الشعراء والأدباء “حسان بن ثابت اليمن”، لما تحمله القصائد من مشاعر صادقة تحلّق بسمو في مقام حب النبي بكل شوق وشغف.
لمع نجم أحمد المعرسي في سماء الشعر مبكرًا، وبرزت شخصيته كأحد أفضل الشعراء اليمنيين في الساحة الأدبية الوطنية؛ بل والعربية أيضًا، وذلك بالنظر إلى مشاركاته العربية والوطنية والجوائز التي حصل عليها بكل جدارة، أهمها، حصوله على المركز الأول على المستوى العربي في جائزة جامعة الناصر الأممية في ليبيا، 2006م، وجائزة رئيس الجمهورية للشعر عام 2006م.
أثرى المعرسي المكتبة الشعرية الوطنية والعربية بثمانية دواوين شعرية قل أن تجود بمثلها قرائح الشعراء وهي: “احتضار الغروب” صدر عن مركز عبادي للطباعة والنشر، 2005م. و”شهوة الكبريت” عن مركز عبادي، 2006م. و”تراب الظل” الذي حصل على جائزة رئيس الجمهورية للشعر عام 2006م، وديواني “من مذكرات أنثى الريح” و “سيف من لهب”، عن دار عبادي للطباعة والنشر عام 2014م.
فيما كانت الثلاثة الدواوين الأخرى، في حب ومدح النبي (عليه الصلاة والسلام)، ديوان “مقامات الروح”، القدس عاصمة الثقافة العربية، بطبعتين عامي 2009م و 2010م، وديوان “دموع ساجدة” وأصدرت عن الأمانة العامة لجائزة رئيس الجمهورية عام 2013م، وديوان “سطر من اللوح المحفوظ” صادر عن منتدى شعراء ريمة الثقافي، عام 2020م.
تميزت شخصية المعرسي كما تميّزت قصائده ولغته الشعرية، حيث يصفه الشاعر زين العابدين الضبيبي قائلاً: أحمد شاعر يكتب بدموع روحه قصائداً لا نظير لعذوبتها. شاعرٌ على الورق وشاعر في الحياة والسلوك، صديق الورد والعصافير والمقيم الأزلي في روضة الصفاء.
ويضيف الضبيبي لـ”ريمة بوست”: “المعرسي هو من صنع لريمة حضورها في المشهد الثقافي اليمني ومن أخذ بيدنا معه ومن كان لي الأخ والصديق والمعلم”. وبالفعل كان المعرسي أول من ألّف كتابًا حول الأدب الشعبي في ريمة، وهو كتاب “نسمات من ريمة” صدر في صنعاء عاصمة للثقافة العربية عام 2004م.
في السياق ذاته، يصفه الشاعر بديع الزمان السلطان “المعرسي هو ذلك الواعي، الفطن، العارف بحقائق الأمور، متصوف معتدل جمع كل الصفات الرائعة في شخصيته الهادئة، يمتاز برقي الفكر وبساطة الإنسان ونقاء الجوهر، وهو لُغوي عبقري فحل في مجاله”.
يُتم الطفولة
ولد الشاعر أحمد المعرسي في أكتوبر 1983م، بقرية الأكمة في بني الضبيبي بمديرية الجبين، وبعد وفاة والده، قام أحد أخواله باصطحابه معه إلى مدينة تعز، حيث كان يعيش الخال، وهناك بدأ المعرسي مسيرته الدراسية الطويلة، والتحق بنموذجية ناصر الابتدائية، واستمر فيها بالدراسة فيها حتى الصف الثالث الابتدائي، قبل أن تصرّ والدته على عودته إلى قريته بريمة.
بعد عودته للقرية، استمر المعرسي في مواصلة الدراسة، والتحق بمدرسة الحسين بن علي الأساسية، وما إن انتقل إلى الصف الرابع حتى شرع في اكتساب مهنة تساعده في توفير مصدر دخل له وأسرته، فكانت مهنة الخياطة، هي أول مهنة يتعلّمها ويتقنها، لتكون سلاحه لمواجهة ظروف الحياة، حتى ظلّ يمارسها منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
تتلمذ المعرسي على أيدي الكثير من المعلمين، ولا سبيل لحصرهم – حد تعبيره – لكن هناك أسماء عديدة لا تزال تسكن ذاكرته، لعل أبرزها، “الأستاذة فائزة اليوسفي التي كانت أمّاً لي في نموذجية ناصر بتعز، وفي القرية كان هناك العديد من المدرّسين الذي كان لهم الفضل عليّ كـ الأستاذ محفوظ الدوكري – رحمة الله تغشاه – والأستاذ عبدالعزيز عبدالغني الجباري – رحمة الله تغشاه – والأستاذ حافظ الجباري، والأستاذ طه الجباري، والأستاذ قاسم صالح المغربة”.
يقول المعرسي في حديثه لـ”ريمة بوست”: قضيت طفولتي يتيمًا في كنف أمي (أطال الله في عمرها ورزقني رضاها وطاعتها)، ثم في كنف خالي إبراهيم في مدينة تعز. وفي الواقع لا أتذكر أي موقف من حياة والدي، فقد مات وأنا في الرابعة من عمري، ولعل أهم موقف يمكن الحديث عنه أن فقده المبكر جعلني أعرف حقيقة هذا العالم المتوحش.
مواجهة الظروف
قسوة الحياة بعد وفاة والده، كان الدافع الأول للطفل أحمد المعرسي الذي اختار الغربة بكل مخاطرها – على من هو بمثل عمره – على البقاء في قريته إلى جوار والدته وشقيقاته دون عمل يضمن لهم الاحتياجات الضرورية، فكان سفره إلى المملكة العربية السعودية مغامرة تتجاوز مرحلته العمرية حينها، حيث الدخول إلى السعودية بطريقة غير نظامية (تهريب) عملية انتحار، لولا “توفيق الله ودعوات والدتي”، حد تعبير المعرسي.
يضيف المعرسي: عملتُ هناك خياطًا لأني كنت قد عملت بالخياطة منذ كنت في الصف الرابع الابتدائي بالقرية. وفي السعودية كان لي ابن عمٍّ يعمل خياطًا هناك؛ فبقيتُ بجواره، وتعرّفتُ على أصدقاء؛ بل هم آباء حقيقيون؛ فعملت معهم، وعلّموني المهنة، وما زلت على تواصل دائم بهم حتى اللحظة.
وبالتزامن مع عمله وغربته في المملكة العربية السعودية، ظلّ المعرسي ماضٍ في مسيرته العلمية دون توقف كمحارب جبلي لا يملّ من حمل سيفه، فاستكمل دراسته الثانوية في مدرسة الحمزة بن عبدالمطلب في قرية (عُولة) ببني الضبيبي، ومن ثم انتقل إلى صنعاء لدراسة الجامعة، والتحق بقسم المحاسبة بكلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء ويحصل منها على درجة البكالوريوس.
انكسار المحاولات الأولى
بملامح شاب قروي لا يتنازل عن طموحاته بسهولة، ذهب الشاب المعرسي إلى مبنى التلفزيون بشارع التلفزيون بصنعاء، على أمل مقابلة أحد الإعلاميين المشهورين آنذاك، بعد أن أشار عليه بعض الأصدقاء بأهمية عرض محاولاته الشعرية الأولى على ذلك الإعلامي الذي كان حينها – عام 1998 – مديرًا للبرامج في الفضائية اليمنية الأولى.
لم يفلح المعرسي في مقابلة الإعلامي في اليوم الأول، بسبب عدم سماح حراسة المبنى له بالدخول، لكنه لم يستسلم، بل عاد لأكثر من مرة، إذ يسرد ذلك الموقف قائلاً: ” فظللت لثلاثة أيام متتالية، أذهب وانتظر هناك جوار البوابة على أمل أن ألتقي به ولكن بدون فائدة”.
يواصل حديثه “بعدها قامت حراسة البوابة بالتواصل مع الإعلامي؛ فسُمحَ لي بمقابلته، وحين قابلته شكّلت ملابسي القروية وخوفي حاجزًا بيني وبينه. شاهد يومها قصيدة طويلة كتبتها؛ فقام بنقدها وكان قاسيًا، نعم كان قاسيًا جدًا. ولعلّه تضايق من إصراري على مقابلته، خرجت يومها من مبنى التلفزيون مكسور الخاطر، ولكنني لم أستسلم”.
“القصائد كالأبناء”
تفتق الحس الفني والأدبي لأحمد المعرسي مُذ كان طفلاً في القرية، فكان أول كتاب شعر يقع في يده، كتابٌ مليء بالقصائد الشعبية التي كتبها والده الشاعر “علي المعرسي”، كانت قد جُمعت وكُتبت بخط العلامة علي أحمد الجباري، رحمه الله. فبدأ المعرسي التمرس حينها على قراءة تلك القصائد الشعبية بتشجيع من الأستاذ محفوظ الدكري، رحمه الله.
لم تتجلى بدايات المعرسي مع القصيدة دفعة واحدة، بل تطورت في مخيلته كجنين ينمو كل يوم ليصبح قابلا للحياة، إذ يستطرد قائلاً: “لم أكتشف موهبتي في الشعر في فترة زمنية محددة، فأنا وكل من يحاول الكتابة يكتشف ذاته كل يوم، ومع كل قصيدة جديدة، فالإبداع ليس له بداية قابلة للقياس وليس له نهاية”.
وعن علاقته الفلسفية بالشعر والقصيد يقول المعرسي “القصائد كالأبناء تمامًا لا يستطيع الإنسان أن يفضّل بعضهم على بعض، ولكن قصيدة مقام الذهول في مدح الرسول صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، هي الأقرب إلى قلبي؛ لأني كتبتها في الروضة الشريفة بجوار قبر الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه”.
“المعرسي ربيع شعر أزلي، مدار مكتمل للدهشة، شاعر ذو خصوصية أسلوبية ومعجم لغوي خاص وكون مستقل تدور حوله الأقمار وتقتبس من وهجه”
تميّزت قريحة الشاعر المعرسي عن غيره من الشعراء اليمنيين، حيث يصفه الشاعر الشاب بديع الزمان السلطان: أحمد المعرسي الشاعر الناسك في محراب القصيدة ما يميّز أحمد المعرسي ليس جمال قصائده ولا روعة شعره ولا جودة نظمه وسبكه؛ بل تصوّفه الماكر في شعره، فأغلب قصائده صوفية بلغة أنيقة قد لا يفهمها إلا أربابها، فهو شاعر فريد وجميل وشعره سلس، عذب، متفرّد.
ويضيف السلطان: المعرسي شاعر مراوغ وصريح، جمع بين الحقيقة والخيال والبُعد والقرب، غموضه شفاف وظاهره مبطن، كلاسيكي بزي العصر، باختصار المعرسي شاعر وكفى. وهو ما يتناوله كذلك الشاعر زين العابدين الضبيبي قائلاً: “أحمد المعرسي ربيع شعر أزلي، مدار مكتمل للدهشة، شاعر ذو خصوصية أسلوبية ومعجم لغوي خاص وكون مستقل تدور حوله الأقمار وتقتبس من وهجه”.
إلى ذلك، يكشف الشاعر أحمد المعرسي لأول مرة، أن لديه العديد من الأعمال الشعرية التي في طريقها للظهور خلال المرحلة القادمة، وهي ديوان شعري خاص بالأطفال، وديوان شعري في المديح النبوي، وديوان أسماه “أغنية بيضاء” وهو من الشعر الشعبي.
التصوف بالفطرة
تأثر الشاعر المعرسي، بالأربطة الصوفية في محافظة ريمة، وهو ما انعكس على شاعريته التي كتبت في مدح النبي (ص) أبلغ القصائد وأجزلها، يقول المعرسي عن ذلك: “عدد الأربطة الصوفية التي كانت في محافظة ريمة تتجاوز 360 رباطًا صوفيًا، فالإنسان في ريمة متصوف بالفطرة، وأنا ابن بيئتي، كما أن محبة رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله ليست حكرا على التصوف؛ فكلنا نحب رسول الله، ومدح رسول الله عبادة وقربة لله عز وجل”.
ويضيف المعرسي “أكاد أجزم أن الصوفية أجمل من كتب في هذا المجال، وهنا أعني التصوف النقي لا تصوف الدراويش، التصوف القائم على الفكر، التصوف الذي يتسق مع الشريعة لا مع الدروشة؛ فالتصوف هو التحقق بمقاصد الشريعة، وهو ما كان عليه آباؤنا وهم شافعية يدركون أبعاد الشريعة ومقاصد التصوف بمعناه السامي”.
أنشطة شعرية وغنائية
شارك الشاعر أحمد المعرسي في العديد من الأنشطة والفعاليات على المستوى العربي، أبرزها مشاركته في الأسبوع الثقافي اليمني، مسقط 2006م، والأسبوع الثقافي اليمني، الرياض 2008م، ومهرجان المحبة، أبو ظبي، 2008م، وعكاظية الشعر العربي في الجزائر، 2009م، إضافة إلى مشاركته في مهرجان فك الحصار (القدس) 2012م، لكنه علق في الأردن بعد رفض السلطات الدخول إلى الأراضي المحتلة.
وعلى المستوى الوطني شارك المعرسي في الكثير من الأنشطة الثقافية والأدبية أبرزها، ملتقى الشعراء العرب الأول المنعقد في صنعاء عام 2004م والملتقى الثاني عام 2006م، وملتقى المبدعين الشباب الفائزين بجائزة رئيس الجمهورية 2007/2008م، ومهرجان الشعر الشعبي الذي نظمته وزارة الثقافة عام 2009م، كما نسّق وشارك في ملتقى الشعر النبوي الأول في عدن 2009م.
تعددت الأعمال الفنية للمعرسي، فقد كتب أكثر من أربعين أغنية للأطفال، أنتجتها الفضائية اليمنية، إضافة إلى العديد من الأغاني الوطنية، والإعلانات التجارية المغناة، أشهرها (رمضان روحي روحي) الذي انتجته شركة يمن موبايل، و (يا مرحبا بالعيد) لشركة تليمن، كما كتب العديد من الأناشيد الدينية، أبرزها (فاتحا للحب بابي) للمنشدين العزي المسوري وخالد الضبيبي، وأنشودة لبيك للمبدع يحيى الغرسي ، وأنشودة العيد جنة قلبي للمنشد يحيى الغرسي وأنشودة شهر الصفا للمنشد يحيى الغرسي، وأنشودة كتاب الله من إنتاج البيت اليمني للموسيقى، أنشودة هل الهلال للمنشدين علي المهتدي وأنس الدروبي.
وفي فعاليات تريم عاصمة الثقافة الإسلامية، كتب المعرسي أوبرت “تريم عاصمة الثقافة الإسلامية”، في حين قام بجمع الأعمال الكاملة للشاعر اليمني الكبير، محمود حسن الجباري (رحمه الله)، وعمل على إعداد كتاب مرافئ النور (مختارات من الشعر النبوي لمجموعة من الشعراء اليمنين) وزارة الثقافة تريم عاصمة الثقافة الإسلامية 2009م.
جوائز محلية وعربية
خاض الشاب المعرسي الطموح، العديد من المسابقات الشعرية الوطنية والعربية، كـ مسابقة الشعراء العرب في طرابلس، 2006م، ومسابقة التحدي، قناة فواصل 2007م، ومسابقة صدى القوافي، قناة اليمن الفضائية، 2008م. وفي غمرة السباق توّج المعرسي بالعديد من الجوائز، أهمها جائزة رئيس الجمهورية في مجال الشعر عام 2006م، بحصوله على المركز الأول.
كما حاز على المركز الأول على مستوى الوطن العربي في جائزة جامعة الناصر الأممية في طرابلس 2006م، وجائزة الشيخ العيسي للأيتام عام 2007م بحصوله على المركز الأول على مستوى الجمهورية، إضافة إلى حصوله على المركز الثالث في جائزة صدى القوافي عام 2008م، والمركز الثاني على مستوى الجمهورية في جائزة الأناشيد الوطنية التي نفذتها وزارة الإعلام 2008م، وحاز على المركز الأول في اليمن في جائزة مؤسسة لينا للقصيدة الغنائية (فرع أدب الطفل) في دورتها الأولى 2009م.
خلال مسيرته الأدبية والثقافية الحافلة، حصل الشاعر المعرسي، على الكثير من العضويات النقابية المحلية والدولية، أبرزها، عضوية اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وعضوية رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ورئاسة الهيئة الاستشارية لجمعية الشعراء الشعبيين اليمنين، وعضوية مؤسسة الإبداع للثقافة والفنون، وعضو مؤسس لمنتدى مجاز الأدبي الثقافي، وعضوية مجلس الأمناء لبيت الشعر اليمني.
الشاعر العصامي
رغم نشاطه وغزارة انتاجه الثقافي لم ينشغل المعرسي عن حياته العملية الأخرى، بل عمل في العديد من الوظائف في القطاعين الحكومي والخاص، حيث عمل كمختص للوارد في سكرتارية وزير المالية، ثم مديرًا لإدارة المراجعة في سكرتارية وزير المالية، منذ 2013 حتى 2018م، ويشغل حاليًا وظيفة مستشار لوزارة المالية.
تزوج المعرسي عام 2008م، وله حتى الآن خمسة أطفال (أربع بنات وولد)، وحين ساءت الظروف خلال السنوات الأخيرة الماضية نتيجة توقف رواتب الموظفين الحكوميين، اتجه الشاب العصامي لمواصلة حياته العملية، فعمل كمحاسب في القطاع الخاص، وعمل كمدرب وكمراجع لغوي لدى بعض المؤسسات الخاصة، إضافة إلى عمله في الخياطة، المهنة التي احتوت أحلامه منذ البداية.
رفقة أسرته يعيش المعرسي في صنعاء، ويكافح ظروف الحياة “أنا موظف حكومي كملايين الموظفين التائهين في هذا الوطن السجن، وأعمل خياطًا كي أوفر قوت أطفالي، وما زالت أواصل تعليمي ببطء شديد، وأنا الآن أنتظر متى سيتم تحديد موعد مناقشتي لرسالة الماجستير، أفرّ إلى القراءة والكتابة، وأحلم بوطن لا يحكمه تجار الحروب” يقول المعرسي.
العقلية الثقافية النيّرة التي يحملها المعرسي، انعكست على أطفاله، فبناته متعلقات بكتب اللغة والأدب بشكل لافت، غير أن الأكثر دهشةً أن ابنته الزهراء التي ما تزال في الصف الثالث الابتدائي، ورثت عنه حب الشعر وكتابته، وحصلت العام الماضي على المركز الثاني في المسابقة الشعرية التي نظمتها مدارس بني الحارث بصنعاء لطلاب الأساسية والثانوية.
شعراء في الهامش
انعكست آثار الحرب في اليمن على المشهد الثقافي اليمني وعلى المبدعين بشكل عام، وفاقمت العديد من الصعوبات، حيث يؤكد المعرسي قائلاً “لصعوبات التي تواجهني وتواجه كل المبدعين اليمنيين عدم وجود رافعة ثقافية تقدم المبدع للآخر، أضف إلى ذلك صعوبة الحياة في وطن لا يحتفي سوى بالموت”.
ويوضح حال الشعراء في اليمن مقارنة بغيرهم “نحن نكتب ولكننا في الهامش والشعراء العرب في المتن، رغم أن اليمن فيها أجمل الكتاب والشعراء على الإطلاق، لكن ثقافة الموت و الحرب هي العائق الأكبر الذي جعلنا نخلق أمواتا منذ اللحظة الأولى”.
ويرى المعرسي في ختام حديثه، أن للشعر ارتباط وثيق بالمجتمع، وأنه قد يوجّه المجتمع نحو مواقف محددة، لكنه في الحقيقة يصنع الحياة أيضًا، مؤكدًا أن الشاعر ينطبق عليه وصف الشاعر/ عبد الله البردوني بقوله: “هو باكٍ يحنو على كل باكٍ ** هو قلبٌ على القلوب مقسمْ” ويزد المعرسي على وصف البردوني أن الشاعر “صوت الحق، ومشعل الحب، ورسالة الخلود التي لا تموت”.
وفي 2018م، عمل المعرسي كمدرب للورشة الكتابية لدى مؤسسة القيادات الشابة في برنامج الإبداع من أجل العدالة الاجتماعية، الذي كان من أهم مخرجاته (أوبريت نازحة) أغنية (عينك أمانة) أغنية (يالعبتي) وكتاب (لست مجنونة تماما).