كورونا حين حول مشروع أماني من الهجرة إلى ريادة الأعمال

‏  6 دقائق للقراءة        1114    كلمة

كانت الهجرة إلى الخارج من وطن أثقلته الحرب وانعدمت فيه فرص العمل، هي الهدف الرئيسي الذي انطلقت من أجله، أماني السلطان، 42 عامًا، وأولادها الثمانية من صنعاء، في أغسطس 2020م، متجشمين عناء السفر لما يزيد عن 1300 كيلو متر، عبر أكثر من محافظة يمنية؛ حتى استقر بهم الحال في محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان، والواقعة أقصى شرق الجمهورية اليمنية.

 

لم يكن المكوث في محافظة المهرة، سوى استراحة مسافر للمرأة الريمية الحالمة بالهجرة للخارج برفقة أولادها (5 إناث و3 ذكور)، إذ ينوون خلالها استكمال اجراءات السفر، لكن ما حدث لم يتوقعوه، حيث صادفت فترة وجودهم هناك، فترة تشديد اجراءات السفر وإغلاق معظم المطارات والمنافذ والمؤسسات الحكومية اليمنية والأجنبية نتيجة جائحة كورونا “كوفيد19”.

 

التفكير في الحل

في إحدى الفنادق بالمهرة ظلت أماني، وهي امرأة من مديرية مزهر، وأسرتها بانتظار تخفيف قيود السفر غير أن طول الانتظار تسبب باستهلاك معظم ما كانت تحوز من المال الذي خبأته للسفر، الأمر الذي دفعها للبحث عن حلول لتجاوز تلك المعضلة.. “استهلكت الفلوس التي كانت بحوزتي، ورغم إن أولادي كانوا يعملوا ويساعدوني لكن المبالغ ليست كافية”. تقول أماني.

 

بعد مرور أشهر على بقائها في المهرة، طرأت فكرة لحل المشكلة لدى أماني، حيث قررت القيام بمشروع خاص يساعد في توفير احتياجات الأسرة بدلا من استهلاك بقية ما بحوزتها من المال، فبدأت حينها بالنزول إلى الأسواق ودراسة البيئة التي تحيط بها، لتستطيع من خلال ذلك اختيار فكرة المشروع التي من الممكن أن يلبي احتياجات الناس.

 

خلال دراسة السوق ومتطلباته، لاحظت أماني، أن أسواق الملابس النسائية شاغرة لا سيما فساتين الزفاف العصرية والحديثة، حيث يضطر بعض السكان لجلب الفساتين النسائية – حد قولها – من مدينة عدن، فيما تُجلبُ بعض الأزياء والفساتين المهرية من سلطنة عمان.. حينها وجدت “أماني” أن فتح محل لبيع الفساتين النسائية، فكرةً مناسبة لبدء مشروعها الخاص.

 

بداية “السلطانة” 

بالفعل لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى بدأت أماني وبمساندة أولادها بترجمة تلك الفكرة إلى مشروع على أرض الواقع، إذ استأجرت في بداية الأمر سكنًا لها وأولادها ومن ثم استأجرت في نفس المنطقة بمدينة المهرة، أحد المحلات وقامت بتأهيله من الداخل من خلال تركيب الديكورات وغيرها، استعدادًا لفتحه كمحل صغير لفساتين الزفاف والخطوبة، والسهرة.

 

“فكرت أعمل لي مشروع كمحل صغير أمشي حالي وفتحت مشروعي هذا، حيث أخذت مال سلفة كما هناك تجار تعاونوا معي وباعوا لي بالآجل. بعدها سافرت إلى تركيا وإلى مصر واشتريت بضاعة فساتين فخمة، وتعاملت مع تجار من هناك والحمد لله كانت الأمور طيبة، لذلك قررت أوسع المشروع أكثر” تردف أماني.

مشروع السلطانة المملوك لاماني السلطان
مشروع السلطانة المملوك لاماني السلطان

ما إن افتتحت أماني متجرها الخاص “سلطانة للفساتين” في شهر سبتمبر من العام الماضي 2021م، حتى بدأت عملية البيع تتطور في المتجر، ولاقى المتجر عملاء أكبر. حينها قررت أماني تطوير متجرها شيئًا فشيئًا، فقامت بتوسيع دائرة المنتجات النسائية التي تبيعها، ووفرت بالطوهات نسائية، وعطور وأدوات تجميل وملابس أطفال.

 

تفاؤل

بالرغم من سعيها الدؤوب في محافظة حديثة الاستقرار فيها، إلا أنها مضت في إقامة مشروعها الخاص دونما أن تلاقي أية صعوبات، إذ تشير إلى أنها لم تلاقي صعوبات وأن الله وفقها بمضي كل الخطوات بكل هدوء وسهولة، وهو ما أمر ترجعه إلى الثقة بالله وخبرتها الحياتية والروح الإيجابية التي تتحلى بها تجاه كل تفاصيل الحياة.

 

عن كونها امرأة تعمل في متجر خاص لبيع الملابس في تلك المنطقة بالمهرة، توضح أماني: رغم إني أول امرأة في المنطقة تفتح متجر لكن للأمانة، وجدت أهل المهرة رجالاً ونساءً من أكثر الناس تعايشًا مع الآخرين، فلم نشعر بأي تنمر أو عنصرية ولم أواجه ذلك. كل شيء مسخر لي وعلاقتي طيبة مع الكل”.

 

صنعتها التجارب

القوة والعزيمة التي تتمتع بها أماني في حياتها العملية لم تأتِ من فراغ؛ بل صنعتها ظروف الحياة وكانت نتاجًا لتجارب عملية مختلفة، خاضتها في صنعاء بعد انفصال زواجها قبل أكثر من عشرة أعوام، وتحملها مسؤولية تربية وإعالة ثمانية أولاد أكبرهم طفلة كان عمرها آنذاك ما يقارب 14 عامًا.

 

تسرد تجربتها الماضية: “بعد انفصالنا تأزمت جدًا وتعبت وعانيت كثيرًا وكنت يائسة من الحياة، ولكن المهم أن لم نيأس من رحمة الله وكل المواقف التي واجهتنا كانت اختبار من الله. حيث عشت في أزمة وضائقة معيشية حوالي أربع سنين”.

 

صعوبة الوضع الذي عاشته دفعها لخوض تجارب عملية كثيرة صقلتها وأكسبتها خبرة متنوعة، حيث عملت كمربية أطفال، وموظفة تحصيل لدى صحيفة الثورة، ومن ثم في مكتب للدعاية والإعلان، أستاذة في مدرسة خاصة، مندوبة مبيعات، صناعة البخور، حتى عملت مؤخرًا كمسوقة عقارية، وهي مهنة أفضل من سابقاتها، وقد ساعدتها في توفير بعض المال.

 

لم يكن أولادها وبناتها بمنأى عنها، بل عاشوا المعاناة معًا وتجاوزوها معًا في ظل علاقة أسرية قوية، لم تؤثر فيها الظروف المعيشية، حيث تواصل أماني حديثها ” كان أولادي يساعدوني وكانت بناتي يساعدنني وكن يدرّسن لغة إنجليزية للطلاب الصغار في البيت والحمد لله ربي فرّجها علينا”.

 

تختم أماني حديثها: أي امرأة تتوكل على الله وتمشي في الطريق الصحيح، فمهما ضاقت عليها فربي بيوفقها وستصل إلى ما تريد، لأنه لا يأس مع الحياة طالما نحن نتنفس، وهذه أقرب عبارة إلى قلبي، كما إن للإنسان ثلث ما نطق وأنا أؤمن بذلك وتحققت كل الأشياء التي كنت أنطقها وهذا بتوفيق الله.