“الحظور”.. من عامل بلا راتب إلى مالك مطعم شهير في الأردن

‏  7 دقائق للقراءة        1290    كلمة

بعد رحلة بحث عن عمل في المملكة الأردنية مطلع عام 2002م، وجد عبده حيدر الحظور، فرصة للعمل في أحد المطاعم اليمنية هناك، خلالها اكتسب خبرة في الطباخة بأنواعها، ولكن لم تمضِ سوى 6 أشهر فقط، حتى أفلس المطعم وأغلقت أبوابه آنذاك ، وترك “الحظور” بعدها يذرع الشوارع مشيًا في بلاد الغربة بحثًا عن عمل آخر يؤمن له ولعائلته مصدر دخل لعيش كريم.

لكن لسوء الحظ استمرت رحلة الشاب الريفي القادم من أعالي جبال مديرية الجبين بريمة، إلى عمّان في الأردن، وقتًا أطول، إذ استغرقت أكثر 3 أشهر، وفق التقويم الزمني، بينما كانت بالنسبة لعبده حيدر، كأنها سنوات طوال من شدّة ثقلها على نفسه وقساوة ظروفها، حتى غدت فيما بعد “أقسى فترات حياتي على الإطلاق” حد وصفه.

خيبة الاغتراب

لم يتوقع “الحظور”، 50 عامًا، أنه سيواجه تلك الظروف العصيبة في بلاد المهجر، وهو الذي سافر من محافظته ريمة، تاركًا أسرته وأنشطة الزراعة التي تربى على ممارستها، من أجل الاغتراب وتحسين وضعه ووضع أسرته المادي، لا سيما أنه وصل هناك، وليس في حوزته سوى دولارًا واحدًا، قبل أن يبدأ العمل في المطعم الذي تم اغلاقه فيما بعد.

بعد مرور تلك الأشهر الثلاثة دون عمل رغم بحثه المستمر، قرر “الحظور” الذهاب إلى أحد المطاعم، فعرض عليهم العمل لصالحهم بلا راتب شهري؛ بل نظير الحصول على الأكل والشراب والسكن، واستمر في العمل معهم لما يقارب شهرين، وخلالها ظل يبحث عن فرصة عمل أخرى، ومن هنا بدأت قصة حياته التي كتب فصولها بكل جد ومغامرة.

الإيمان بالفكرة

خلال عمله بالمجان في المطعم رأى “الحظور” إعلانًا مُلصقًا على باب أحد المطاعم المغلقة، يتضمن عرضًا  لبيع المطعم أو تأجيره.. وقتها “حفظت الرقم في هاتفي ووضعت هدف في رأسي أن أكون أنا صاحب المطعم وعزمت على تحقيقه”. غير أن الغرابة في الأمر كان حد تعبيره: “لكن لم أكن حتى أمتلك رصيدًا في هاتفي كي أتصل بمالك المطعم”. يقول في حديثه لـ”ريمة بوست”.

لم يتوقف “الحظور” عن الطموح والسعي أبدًا بل حاول البدء من الصفر بكل عزيمة وإصرار ومجازفة في آن واحد، إذ بدأ خطوته الأولى بعمل رنّة إلى رقم مالك المطعم المعروض للبيع، وبالفعل، بعد مرور ساعات تلقّى اتصالاً من ذات الرقم.. “بعد ساعات من الانتظار بالفعل اتصل بي وتحدثنا وحددنا مكان ووقت اللقاء”.

“في طريقك إلى النجاح ستواجهك العديد من الصعاب والعراقيل ولكن الفشل والاستسلام هو قرارك أنت”

كان الطريق صعبًا على “الحظور”، لكن حلمه وطموحه في تحقيق مشروعه الخاص بدا أكبر من مخاوفه تجاه انعدام التمويل الذي يمكنه من البدء. فشكّل ذلك الطموح دافعًا له، والتقى بمالك المطعم، وعرّفه بمهارته وخبراته بالطباخة، وأنه على استعداد لاستئجار المطعم وتشغيله، لكنه لا يملك المال، ويحتاج لمبلغ يستطيع من خلاله بدء العمل، ومن ثم سيردّه إلى جانب إيجار المطعم.

“قابلني الرجل بالغضب والاستهتار وأني أخذت من وقته بدون فائدة، إذ كيف لي أن أطلب مقابلته وأنا لا أملك المال. حينها كان الجميع يسخرون مني ومما فعلت، مبررين أن تصرفي هذا كان غباء، وأنه لا يمكن نجاحي. وتعرضت للعديد من السخرية والتثبيط، ولكن لم أعطِ أي اهتمام بهم ووكلت أمري لله”، يتابع “الحظور”.

ويشير في حديثه إلى كيفية التغلب على الصعوبات التي واجهته: في طريقك إلى النجاح ستواجهك العديد من الصعاب والعراقيل ولكن الفشل والاستسلام هو قرارك أنت يأتي في التوقف عن النجاح والتخلي عن حلمك، كون الفشل الخطوة الأولى إلى النجاح، ومن أسرار النجاح هو تحديد الهدف والثبات عليه.

صدفة وفرصة

يردف: وضعت فكرتي لصاحب المطعم على أمل أن يفكر في الموضوع مرة أخرى ولكن من محاسن الصدف، أن كان هناك شخص من معارفي اليمنيين على معرفة بمالك المطعم، فتحدثا مع بعض عن موقفي دون علمي، فـأشاد بي ذلك الشخص كثيرًا أمام صاحب المطعم، ما شجّعه لاستساغة الفكرة، وبتوفيق الله وافق المالك على الفكرة والتمويل أيضًا.

كانت تلك فرصة ذهبية استغلها “الحظور” بذكاء للانطلاق واثبات جدارته، حيث قدم له مالك المطعم تمويلًا (3 آلاف دولار) كرأس مال يبدأ العمل به، على أن يرد إليه، إلى جانب الإيجار الشهري للمحل، بعد شهور قليلة من بدء العمل. شعر “الحظور” بسعادة بالغة بالفرصة التي أتيحت له بعد المعاناة التي عايشها.

استلم الشاب المتحمس للعمل مفتاح المحل، وبدأ بتجهيز المطعم وتنظيفه من الداخل برفقة 3 شباب آخرين من محافظة ريمة، كانوا أيضًا عاطلين عن العمل هناك، وبدأوا العمل معه بلا مقابل مادي، بكل جد وإصرار من أجل تحقيق النجاح، واستغرقت الاستعدادات منهم ما يزيد عن نصف شهر من الجهود المتواصلة، قبل الافتتاح.

“لن تبلغ النجاح حتى تلعق الصبرَ”

كل الخطوات تمضي بسلاسة وكل شيء يبدو على يرام، هكذا كان يفكر “الحظور” بعد تجهيز المطعم للافتتاح، لكن حدث ما لم يكن يتوقع، فبعد استلامه أول دفعة (600 دولار) من المال المخصص لتشغيل المطعم، ذهب للسوق لشراء بعض الأدوات الخاصة بالطباخة، وهناك تعرض للسرقة، وسلب منه المبلغ الذي بحوزته كاملاً، فكان ذلك الموقف صعبًا وباعثًا للإحباط والانكسار، لا سيما خشيته من أن يساء فهمه.

ظل السؤال الأكثر ترددًا في باله وقتها “ماذا سأخبر مالك المطعم؟ ولا أريد أن يفقد ثقته بي وأنا ما زلت في بداية المشوار”. اتخذ بالفعل قرار السير إلى الأمام، ولم يخبر مالك المطعم بما حدث، فأستلم الدفعة الثانية من التمويل، وذهب لشراء بعض الأدوات اللازمة، في حين اشترى بقية الأدوات بالتقسيط، إذ يحدوه الأمل الكبير بنجاح المشروع وسيقوم بسداد الديون لاحقًا.

افتتح “الحظور” المطعم تحت اسم “مطعم بلقيس اليمن” ويقدم وجبات يمنية (لحم مندي، مظبي ،كبسة، زربيان، مضغوط، لحوم، دجاج، وغيرها من الوجبات)، وبدأ رحلته في تنمية مشروعه الخاص، رغم صعوبات البداية حد قوله: “بدأت بأغراض قليلة جدًا كأنها أغراض منزل وليست مطعم”.

مع مرور الأيام وخطوة بخطوة، قام “الحظور”، بشراء الأغراض الأساسية بشكل أوفر، كما بسبب ضآلة التمويل، كان يعمد إلى عمل إعلانات ترويجية للمطعم، يكتبها يدويًا ويقوم بتوزيعها في الشوارع، حينها بدأ العمل يتطور بشكل بسيط، لم يغطي حتى رواتب العاملين في المطعم، لكن إيمانه بفكرته وحلمه لم يثنيه من العمل والاستمرار بشغف وصبر.

بالجد والعمل يتحقق الحلم

ثلاثة أشهر كانت فترة كفيلة بتحسّن العمل في مطعم بلقيس، وزيادة إقبال الزبائن عليه بشكل مكّن “الحظور” من البدء في دفع ايجارات المطعم، وتسديد المبالغ التي استدانها من مالك المطعم وآخرين. ومع حسن جودة الطعام الذي يقدمه وإشادة الزبائن به، تطور العمل أكثر واستطاع حينها الشاب الطموح شراء المطعم وتحقيق حلمه بجدارة.

مرّت ما يقارب عشرين عامًا، على افتتاح “مطعم بلقيس اليمن” في العاصمة عمّان في الأردن، ولا يزال يعمل حتى اليوم، ويوفر 15 فرصة عمل لأشخاص من ريمة ومحافظات يمنية أخرى، إذ تطور على يد صاحبه بشكل مستمر وأصبح حاليًا يقدم وجبات يمنية مختلفة، ويقدم الذبائح والمأكولات للمناسبات الكبيرة.

بالرغم مما حققه “الحظور” ومطعم بلقيس اليمن، إلا أن الطموح بداخله ما يزال نابضًا بالحياة، حيث يطمح مستقبلًا في افتتاح سلسلة مطاعم في اليمن والاستثمار فيها، متمنيًا أن تصلح الأوضاع في اليمن ويتطور الوطن، ليعود الجميع للاستقرار فيها، فهي الأم، حد وصفه.

وفي ختام حديثه أبى “الحظور” إلا أن يشاركنا عبارةً قيّمة استلهمها خلال حياته العملية التي تتجاوز عشرين عامًا: عندما تقرر أن تبدأ الرحلة سيظهر أمامك الطريق، ومن يتجه لأي عمل أو مشروع لا يستعجل فالرزق يأتي بالصبر والثبات على الهدف دون الاستسلام، فلا تيأس حتى وإن فشلت فالفشل حتمًا بداية النجاح.