“سميرة” مشقة جلب المياه لمواجهة أعباء الحياة

‏  5 دقائق للقراءة        986    كلمة

صباح كل يوم تصحو سميرة، 44 عامًا، لتقوم بذات الروتين المرهق، تبدأ مبكرًا بإعداد الفطور لأسرتها، ثم تقوم بتجهيز الحمار استعدادًا لرحلة جلب ماء الشرب على ظهره من بئر بعيدة؛ وبيعه على الأهالي في بعض القرى المجاورة، فجلب الماء وبيعه مصدر رزقها الوحيد الذي يقتاتون منه، بعد أن عجز زوجها عن القيام بواجبه في توفير متطلبات الحياة نتيجة إصابته باضطرابات نفسية.

في كل مرة تذهب فيها سميرة إلى بئر العشة في منطقة الجدهنه بالجبين، تضطرّ لانتظار دورها في التعبئة (تسارب) لتعود بدبتين أي ما يعادل (40 لتر) من مياه الشرب، فتقوم ببيعها على أحد المواطنين بسعر لا يتجاوز 500 ريال يمني، أقل من دولار واحد. ولضآلة ما تحصل عليه من مال، تقوم سميرة يوميًا بتكرار نقل المياه من البئر وبيعه ثلاث مرات (ثلاث نقلات) لتحصل من ذلك على 1500 ريال يمني، (2.5 دولار).

لأكثر من ثلاثة أعوام ظلّت سميرة تقوم بجلب دبّات الماء حملاً على رأسها، ولكن قبل حوالي ثلاثة أعوام قام أحد فاعلي الخير، بمساعدتها من خلال شراء حمارًا تقوم بنقل الماء على ظهره، الأمر الذي خفف عنها الكثير من المشقة والمتاعب التي تركت آثارًا واضحة على جسد ونفسية سميرة، منذ أن بدأت في العمل لنقل الماء قبل ستة أعوام.

“مسؤولية وأوجاع”

 

لم يأتِ قرار سميرة، بالعمل في بيع الماء من فراغ؛ بل إثر معاناة عاشتها نتيجة تزايد احتياجات أسرتها المكونة من أربعة بنات أكبرهن لا يتجاوز عمرها 9 أعوام وأصغرهن عامين، في ظل وجود زوج متعب نفسيًا، أضحى وجوده يشبه غيابه – حد تعبيرها – غير أن وجوده يفاقم الهدوء الأسري أكثر، بسبب قيامه بتعنيفها وتعنيف بناتها بشكل مستمر وتحديدًا منذ إصابته باضطراب نفسي عام 2015م.

تقول سميرة والحزن ينتابها على ما آلت إليه حالة زوجها فجأةً، بعد أن عاشا سويًا لما يقارب خمسة أعوام في ظل استقرار أسري “لم يكن زوجي هكذا سابقًا، فقد كان يعمل ويقوم بواجبه في النفقة علينا. ولكن ذات مرة اختفى لعدة أشهر، وبعد ذلك، وجدوه بعض الناس وأحضروه إلينا، غير أنه كان شخصًا آخرًا، ولم يتعرّف علينا إلا بصعوبة”.

تضيف، أنهم قاموا حينها بأخذ الزوج إلى أحد الأطباء المختصين للكشف عن حالته الصحية والعقلية، فأوضح أنه يعاني من حالة نفسية غير مستقرة، وأعطاه بعض الأدوية التي تناسب وضعه النفسي آنذاك. ومنذ ذلك الحين، بدأ الزوج في تعنيف زوجته وبناته والتوقف عن العمل والانفاق على الأسرة، وعجزت الأسرة أيضًا عن الاستمرار في علاجه وشراء أدويته، نتيجة عدم وجود المال اللازم لذلك، ما انعكس سلبًا على حالته النفسية.

 

حين ساء الوضع المعيشي أكثر، رأت سميرة أن عليها العمل لتوفير احتياجات الحياة، فكانت فكرة جلب مياه الشرب وبيعه على الأهالي، النتيجة الحتمية التي وصلت إليها. وبالرغم من الجهد والمشقة التي تكابدها خلال عملها إلا أن من العائد المادي الذي تحصل عليه لا يغطي كافة المتطلبات لا سيما حين كبرت البنات وتزايدت احتياجاتهن المعيشية والدراسية.


عيش بلا أمان

 

مشقة جلب الماء ومتاعب توفير احتياجات المعيشة ليست المشكلة الوحيدة التي تعيشها سميرة، إذ أن استمرار تعرضها وتعرض بناتها للعنف والترهيب من قبل زوجها مشكلة أكثر إيلامًا، حد تعبيرها، حيث تخشى أن ينعكس ذلك العنف على نفسية بناتها على المدى البعيد، ما يؤثر في سلبًا على حياتهن المستقبلية.

 

بكل صبر تحاول سميرة اخفاء آثار العنف الجسدي الذي تتعرض له عن بناتها، كي لا يؤثر ذلك عليهنّ “حتى حين يتعرضن بناتي للعنف الجسدي كنت أشعر بالحزن يعتصر قلبي ولكني في ذات الوقت، كنت أبرر لهن ذلك التصرف كي لا يحملن أي شعور سيء أو حقد تجاه والدهن. كما أسعى للترفيه عنهنّ من خلال أخذهن رفقتها لبعض الأفراح والمناسبات النسائية”.

 

تروي سميرة، أنها تعرضت ذات مرة لضرب مبرح من قبل زوجها، فاضطرّت إثر ذلك، للجوء برفقة بناتها إلى منزل والدها المسن، فلم يستطع تحمّل مسؤولية معيشتهنّ بسبب ضعف قوته ووهن عظمه، فما كان لها إلا أن طلبت من شقيق زوجها أخذ الفتيات لتربيتهن وتحمل مسؤوليتهن، لكنه أبدى عدم استعداده، حد قولها، ما دفعها للعودة لمنزل الزوج بقلب أمٍ تستحمل كل أوجاع الأرض من أجل أولادها.

 

تجربة مريرة

 

لا يختلف العنف الأسري الذي تعيشه سميرة مع زوجها الحالي، عن العنف الذي عاشته مع زوجها السابق الذي أذاقها كل صنوف العنف، فانتهى بها الأمر طالبةً منه الطلاق، وهو ما تم بالفعل، مقابل أخذ الزوج لأطفالها الأربعة وحرمانها منهم، لتظل بعدها لأربع سنوات تصارع أشواقها إليهم، قبل أن تتزوج مرة أخرى وتنجب أربع بنات.

 

تلك التجربة المريرة التي عاشتها سميرة خلال زيجتها الأولى، تدفعها اليوم دائمًا على الصبر والتحمّل لما تعيشه من أيام مليئة بالمعاناة الأسرية بسبب مرض الزوج والعجز عن علاجه، والكفاح من أجل توفير احتياجات العيش لها ولبناتها الأربع، فليست على استعداد للحرمان منهنّ مرة أخرى كما تم حرمانها من أطفالها في الزيجة الأولى. حد قولها.

 

ولا تخفي سميرة في ختام حديثها، أن ما يثير مخاوفها في ظل تصرفات زوجها العنيفة هو أن “أنام يومًا ولا أصحو، أخاف أن أذهب للعمل وطلب الرزق وأعود وقد فقدت أحد أطفالي، وللأسف أخاف حتى أن أتحدث عن أي موضوع وأفكر ألف مرة قبلها خشية من ردة فعله. وأتمنى أن أستطيع علاجه لنحظى بالاستقرار الأسري كباقي الأسر”.