“فصول محو الأمّية”.. أبواب موصدة وإقبال نسوي متزايد

أحد أدلة تعليم الكبار
‏  8 دقائق للقراءة        1426    كلمة

أحرف وأرقام مكررة مرصوفة خلف بعضها بانتظام حتى نهاية الصفحة، وكلمات كتبت بشكل متعرج خارج مسار سطور الصفحات. يد منقوشة بالتجاعيد تمسك القلم بارتباك، وأخرى تقلّب أوراق الدفتر بحثًا عن ورقة فارغة للشروع بكتابة اسمها. وبينما لا تزال “منى” وغيرها الكثير من النساء يعانين من “الأمية” في ريمة، ولم يتعلمن الكتابة بعد، تحتفي الدول العربية باليوم العربي لمحو الأمية.

بلسان ثقيل تتهجّى الأحرف لتضبط مخارجها الصحيحة وتفهم رسمها الصحيح، كي تبدأ بكتابة اسمها على الدفتر.. حرفًا حرفًا حتى اكتمل اسمها الثلاثي “منى.ع.م” 48 عامًا، وهو الاسم الذي تعلّمت كتابته أثناء دراستها في أحد فصول محو الأمية، والذي أغلق فيما بعد، أي قبل أن تتقن “منى” مهارات الكتابة والقراءة بشكل جيد.

التحقت “منى” بأحد مراكز محو الأمية بمديرية الجعفرية عام 2012م، ودرست لما يقارب 6 أشهر وتوقفت بعد ذلك، إثر توقف عمل مركز تعليم الكبار التي تدرس فيه نتيجة توقف الحافز النقدي التي كانت تحصل عليه المعلمة المتطوعة من وزارة التربية والتعليم بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

منذ ذلك الحين لم تستطع “منى” مواصلة الدراسة، الأمر الذي حال دون تحقيق حلمها.. “كنت أتمنى أن أستطيع الكتابة والقراءة لأقرأ القرآن الكريم وأفهم معانيه، لكني الآن لا أستطيع الكتابة والقراءة، وإنما استطيع كتابة بعض الأسماء التي كنت أقوم بكتابتها باستمرار، خصوصا اسمي وأسماء أولادي وبناتي”.

بعد كل تلك السنين خفت الشغف التي كانت تحمله “منى” تجاه الدراسة في فصول محو الأمية، بسبب توقف رحلتها الدراسية آنذاك هي والمئات من النساء اللاتي لم يحصلن على التعليم بظروف مشابهة لها أو في ظروف أخرى، كـ عدم وجود مركز تعليم للكبار بالقرب في المنطقة التي تعيش فيها مريم يوسف، 32 عامًا، بمديرية كسمة، والتي كانت تطمع في الالتحاق بالتعليم.

تطور وانتكاسة

ما بين عامي 2005 و 2012م، شهد قطاع محو الأمية في محافظة ريمة واليمن عمومًا، نشاطًا ملحوظًا في مشاريع وبرامج تعليم الكبار الهادفة للقضاء على الأمية التي بلغت نسبتها في ريمة أكثر من 50% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم (394.448 نسمة) وفقًا لإحصائيات عام 2004م. حيث كان ينفذ تلك البرامج جهاز محو الأمية بوزارة التربية والتعليم بتمويل وإشراف من جهات عدّة كـ منظمة اليونيسف والصندوق الاجتماعي للتنمية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

منذ عام 2012م ظلّت مراكز محو الأمية وتعليم الكبار تعمل في ريمة لفترات متقطعة بحسب الامكانيات المادية التي تتلقاها المعلمات من وزارة التربية والتعليم والمتمثلة بـ 20 ألف ريال شهريًا، وفقًا لفترات تعاقد محدودة، ولكن اندلاع الحرب في 2015م، توقف عمل تلك المراكز نتيجة انقطاع الحوافز النقدية التي كانت تحصل عليها المعلمات المتطوعات، بحسب ناصر اسماعيل، مدير فرع جهاز محو الأمية وتعليم الكبار بريمة، ما انعكس على تعليم المرأة.

ويشير ناصر في حديثه لـ”ريمة بوست” إلى أن نسبة الأمية في ريمة مرتفعة بشكل أكبر في أوساط الإناث، وهو ما توضحه احصائيات رسمية عام 2009م، أن نسبة الأمية في أوساط النساء اليمنيات يصل إلى أكثر من 60% عام، مقارنة بـ 76% عام  1996م. حينها وضعت الحكومة اليمنية استراتيجية تقليص رقعة الأمية المنتشرة في أوساط الإناث في أرياف اليمن ورفع معدل التحاق الفتيات بالتعليم الأساسي إلى 90% بحلول عام 2020م.

وتُعرف الأمّية بحسب الأمم المتحدة على أنها عدم القدرة على قراءة وكتابة جُمل بسيطة في أي لغة. وبهدف القضاء على الأمّية أصدر اليمن في عام 1998، قانون محو الأمية وتعليم الكبار رقم (28)، قضى بموجبه بإنشاء جهاز محو الأمية وتعليم الكبار، ويعمل بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم وتحت إشراف الوزارة، بهدف القضاء على الأمية من بين صفوف المواطنين من الجنسين.

استئناف وتحديات

بعد توقف دام ما يقارب خمسة أعوام، يقول ناصر اسماعيل، إن مراكز محو الأمية وتعليم الكبار بريمة استأنفت نشاطها في نهاية عام 2019م، وهي الفترة التي تم تعيينه فيها مديرًا للفرع، وقد بلغ عدد الدارسات فيها 3700 امرأة خلال العام الماضي 2020م، في مختلف مديريات المحافظة، في حين لم يلتحق فيها أحد من الرجال.

ويستدرك ناصر، أن بالرغم من عودة مراكز محو الأمية للعمل جزئيًا إلا أنها تواجه العديد من التحديات والصعوبات، أبرزها عدم حصول المعلمات المتطوعات – البالغ عددهن 157 معلمة للعام الماضي والحالي – في التدريس على حافز شهري أو معونات عينية، الأمر الذي يجعل من الصعب استمرارهنّ بشكل دائم في ظل أوضاع وظروف معيشية صعبة.

ولا يخفي ناصر، أن الكثير من تلك المراكز لا تعمل باستمرار لأنه من غير الممكن إلزام المعلمات المتطوعات بالتدريس، وهنّ لا يحصلنّ على أية حوافز مادية، بعد أن كنّ يعملن في السابق لفترات تعاقد محدودة (ستة أشهر – عام) يحصلن فيها على عشرين ألف ريال شهريًا من وزارة التربية والتعليم، والتي توقفت منذ أكثر من ستة أعوام بسبب الحرب.

ويوضح أن الإدارة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار بريمة، تفتقر إلى أبسط الإمكانيات الإدارية المتمثلة في أثاث مكتبي وجهاز كمبيوتر وطابعة ومنظومة للطاقة الشمسية، مشيرًا إلى أن الفرع لا يحصل إلى ميزانية تشغيلية تساعد في تسيير العمل ومتابعته من خلال النزول الميداني إلى مراكز محو الأمية في المديريات.

وتبلغ مراكز محو الأمية وتعليم الكبار في محافظة ريمة، 117 مركزًا، تتوزع على كل المديريات، 42 مركزًا بمديرية الجبين، 51 مركزًا بمديرية بلاد الطعام، 10 مراكز بمديرية السلفية، 5 مراكز بمديرية كسمة، 6 مراكز بمديرية الجعفرية، 3 مراكز بمديرية مزهر، وفقًا ناصر اسماعيل، مدير جهاز محو الأمية وتعليم الكبار بريمة.

احصائيات حول محو الأمية بريمة

لماذا المرأة؟

يُرجع ناصر، تأثر النساء في ريمة بتوقف مراكز محو الأمية بشكل كبير، إلى أنهنّ أي الإناث الأكثر التحاقًا بمراكز محو الأمية في مختلف مناطق ريمة بسبب ارتفاع نسبة الأمية في أوساطهنّ، مشيرًا إلى أن عدد الملتحقات بالدراسة العام الماضي بلغ 3700 امرأة، في حين لم يلتحق الرجال بفصول الدراسة لأسباب عديدة أبرزها انشغالهم بتوفير لقمة العيش واحتياجات الأسرة.

إلى ذلك يرى الباحث فايز الضبيبي، أن ارتفاع نسبة الأمية في أوساط الإناث بريمة؛ يعود إلى مجموعة من الأسباب والتحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، إذ أن النظرة السائدة في المجتمع الريفي تقتصر على أن الفتاة ليست بحاجة للاستمرار في التعليم، الأمر الذي يجعل نسبة كبيرة منهن يلتحقن بفصول محو الأمية بعد بلوغهن فوق الثلاثين من العمر.

ويضيف في حديث لـ”ريمة بوست” أن الفقر والظروف المادية للأسرة وانقطاع رواتب المعلمين وقلة عدد مدارس الفتيات وانعدامها غالبًا في ريف المحافظة، إضافة إلى ضعف الجهود الرسمية المهتمة بالقضاء على الأمية – بل وانعدامها حاليًا – كلها أسباب أدت إلى ارتفاع نسبة الأمية في أوساط الإناث والرجال على حد سواء مؤخرًا.

في السياق ذاته، تسببت الحرب المندلعة منذ ما يقارب سبعة أعوام إلى مفاقمة نسبة الأمية بين الإناث في اليمن بشكل عام، حيث تقول إحصائية نشرتها منظمة اليونيسف في أكتوبر/تشرين الأول 2017 إلى أن نحو 31% من فتيات اليمن خارج التعليم. كما تشير منظمة اليونيسف أيضًا في تقرير حديث: إن الحرب في اليمن تسببت بحرمان ما يقارب مليونا طفل من التعليم.

 

وبالرغم من إعلان الحكومة اليمنية عام 2004م، انجاز العديد من الاستراتيجيات التي تهدف القضاء على الأمية وتأسيس نظام تعليم الكبار خلال الفترة من 1996-2020م، إلا أن الأمّية ما زالت منتشرة – وتزداد انتشارًا – في معظم مناطق ريمة واليمن عمومًا، وما تزال منى وغيرها من النساء والفتيات لم يحصلن على حقهن في التعليم الأساسي أو تعليم الكبار.