آلاف النساء في ريمة بلا وثائق شخصية.. كيف تبدو معانتهن؟

صورة تعبيرية
‏  10 دقائق للقراءة        1804    كلمة

شهريًا تذهب فاطمة محمد، 50 عامًا، لاستلام المعونة الغذائية التي تقدمها منظمة الإغاثة الدولية، فتعود والقلق ينتابها بعد تلقيها انذارات متكررة من لجان الصرف، بشأن ضرورة إحضار البطاقة الشخصية عند استلام المساعدات الغذائية (سلة غذائية) في الشهر القادم، وهو ما لا تمتلكه فاطمة التي تعتمد كل مرة على بطاقتها الانتخابية وصورة البطاقة الشخصية لزوجها.

لم تكن مسألة استخراج وثيقة شخصية أمرًا مهمًا بالنسبة لامرأة ريفية تعيش في أعالي جبال ريمة، وتقضي جل حياتها بين الاهتمام بأعمال الزراعة وتربية الأطفال وشؤون المنزل وغيرها من المهام التي لا يحتاج المرء فيها لوثيقة شخصية تثبت هويته. كما لم يكن حصولها على بطاقة انتخابية سوى جزء من اجراءات السلطة سابقًا، كانت تتخذ قبيل إجراء الانتخابات، بهدف تحشيد أصوات الناخبين لا أكثر.

تبرر فاطمة عدم امتلاكها بطاقة هوية: “أنا امرأة ريفية لا تهتم بوجود بطاقة شخصية ولا نستخدمها أبدًا لأننا في منطقة ريفية إضافة إلى عدم وجود مصلحة أحوال مدنية قريبة منّا. لكن اهتمامنا بها بدأ حين تم تسجيلنا ضمن المستفيدين من المساعدات الغذائية، حيث طلب مني وثيقة شخصية”.

وتوضح لـ”ريمة بوست”: “بالرغم أني أستلم المساعدة شهريًا ببطاقتي الانتخابية وصورة بطاقة زوجي، لكنهم أنذروني بشكل متكرر بشأن إحضار بطاقة شخصية في دورة الصرف القادمة. وحين حاولت الحصول على بطاقة شخصية واجهتني صعوبات عديدة وحتى الآن لم أحصل عليها، لذلك أخشى استبعاد اسمي من كشوفات المستفيدين”.

آمنة محمد، 47 عامًا، هي الأخرى، لا تمتلك بطاقة هوية، ما جعلها تواجه صعوبات متعددة، حيث تقول: “عدم امتلاكي لبطاقة شخصية كان يسبب لي عدة صعوبات في حياتي، أبرزها عدم قدرتي على استلام الحوالات المالية التي يرسلها لي زوجي من السعودية، خصوصًا حين أسافر مع ابني الصغير – الذي لا يمتلك بطاقة شخصية كذلك – إلى الحديدة لتلقي العلاج”.

نساء بلا بطاقات هوية

وتعاني آلاف النساء في ريمة من عدم امتلاكهن بطاقات هوية، رغم أنها من أبسط الحقوق، بحسب الناشط الاجتماعي أحمد السعيدي، الذي يشير إلى أن معظم النساء خصوصًا من الأجيال السابقة يمتلكن فقط بطائق انتخابية، في حين أن آلاف النساء منذ التسعينات وحتى اليوم لم يحصلن على بطاقات هوية، عدا عن حصول من التحقن بالتعليم على الشهادة الأساسية أو الثانوية والتي يعتبرها البعض وثيقة إثبات.

ويضيف السعيدي لـ”ريمة بوست” أن نسبة قليلة فقط من نساء ريمة حصلن على بطاقة الهوية، وهنّ اللاتي انخرطن في سوق العمل سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، بينما العديد منهن استخرجن بطاقة هوية من الحديدة أو صنعاء نظرًا لسهولة التنقل وتوفر الخدمات مقارنة بمديرية الجبين، حيث يقع مركز الأحوال المدنية والسجل المدني.

وبلغ عدد بطاقات الهوية التي أصدرها فرع مصلحة الأحوال المدنية بريمة منذ عام 2007م وحتى أكتوبر 2019م، 2224 وثيقة، غير أنها تضاعفت خلال العامين الأخيرين، بحسب الرائد عمار الجعدي، مدير فرع مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني في المحافظة.

ويبيّن الجعدي لـ”ريمة بوست” أن إجمالي عدد بطاقات الهوية التي أصدرها الفرع للنساء، بلغ أكثر من 4850 وثيقة، منذ 2007م وحتى نهاية النصف الأول من هذا العام، وهي نسبة – رغم تحسنها – ضئيلة مقارنة بأعداد النساء في ريمة، بالمقابل بلغ عدد الرجال الحاصلين على وثائق هوية من الفرع خلال الفترة ذاتها 15149 وثيقة.

في السياق ذاته، قال صندوق الأمم المتحدة للسكان في نوفمبر 2020م، إن “هناك في محافظة ريمة ما يزيد عن 100 ألف امرأة بدون أوراق ثبوتية، منهنّ فقط 4000 امرأة من يمتلكن البطاقة الشخصية”.

النساء الأقل حصول على الوثائق الشخصيه

صعوبات متداخلة

صعوبات عديدة تحول دون حصول النساء في ريمة على وثائق شخصية، غير أن أبرزها بحسب “فاطمة” التي لم تستطيع استخراج بطاقة هوية حتى الآن؛ ارتفاع تكاليف الانتقال إلى مديرية الجبين، حيث فرع مصلحة الأحوال المدنية، إذ تشير إلى أنها لم تستطع تحمل ما يقارب خمسين ألف ريال يمني (80$)، كونها تتجاوز القدرة المادية للأسرة.

بالمقابل يرى أحمد السعيدي، ناشط اجتماعي، أن تكاليف البطاقة قد تصل 4 آلاف ريال يمني، في حين تكاليف الانتقال من بعض مديريات ريمة إلى الجبين عاصمة المحافظة، قد تتجاوز 60 ألف ريال (100$) الأمر الذي يدفع الأهالي للعزوف عن استخراج وثائق شخصية للنساء، إضافة إلى قلة الوعي لدى المواطنين بأهمية البطاقة الشخصية للمرأة، حيث يرون أنها ليست بحاجة للحصول على وثيقة.

وهو ما يؤكده الرائد عمار الجعدي، مدير فرع مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني بريمة، قائلًا “الفقر يحول دون قدرة المواطن على تحمّل تكاليف الحصول على بطاقة هوية للمرأة، إلى جانب المعاناة التي يتلقونها من أجل الوصول إلى الفرع بالجبين، نتيجة صعوبة التضاريس الجبلية وارتفاع تكاليف التنقل”.

ويضيف الجعدي لـ”ريمة بوست”، أن من أسباب ضعف إقبال النساء المتقدمات للحصول على بطاقات هوية، عدم وجود قسم خاص بالنساء في الفرع بالجبين ونقص مختصات النساء في فروع الإدارة العامة للمصلحة، إضافة إلى عدم وجود جهات ومنظمات تقوم بتبني رسوم إصدار الوثائق للنساء.

وبالرغم من زيادة نسبة النساء المتقدمات للحصول على وثائق ثبوتية خلال الفترة الأخيرة، إلا أن المجتمع ما يزال بحاجة إلى توعية أكبر بأهمية وضرورة حصول المرأة على الهوية، حيث يشير الجعدي إلى أن “نسبة الموظفات اللاتي يتقدمن للحصول على وثائق ثبوتية مرتفعة مقارنة ببقية النساء”.

ويتكوّن فرع مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني في ريمة من خمس “كنتينات” خارجية تقع في العراء بمديرية الجبين، حيث يفتقر الفرع إلى مبنى خاص، إضافة إلى عدم توفر مولد كهربائي، حيث يشير الجعدي “قبل الحرب والعدوان كانت الإمكانيات متوفرة والإقبال ضئيل أما بعد الحرب والعدوان زادت نسبة الإقبال وانخفضت الامكانيات”.

ويلفت الجعدي، إلى أن الفرع توقف العام الماضي لستة أشهر بسبب تعطل بعض الأجهزة وخروجها عن الخدمة، مؤكدًا، أن الفرع يحتاج لإمكانيات متعددة وتأهيل للكادر البشري إضافة إلى إنشاء محطات متنقلة تصل إلى قرى ومناطق المحافظة لإصدار بطاقات هوية للمواطنين من الجنسين، معبرًا عن ترحيبه بأي جهة ستقوم بدعم وتسهيل حصول المواطنين على الوثائق الشخصية.

اجراءات معقّدة

في السياق ذاته، كان نزول فريق ميداني من فرع مصلحة الأحوال المدنية إلى مديرية الجعفرية، فرصةً لفاطمة، حيث ذهبت برفقة نجلها لاستخراج بطاقة هوية، وما إن أتمّت الاجراءات حتى قوبل طلبها بالرفض من قبل المختصين، حيث طُلب منها إحضار وثيقة عقد الزواج الذي مر عليه أكثر من 30 عامًا.

يوضح نجلها حميد علي، 25عامًا: “طلبوا مننا إحضار عقد الزواج وقد كان لدى الفقيه الذي عقد القران وقد سافر صنعاء منذ زمن وتوفي قبل أن نأخذ منه العقد”. تلك الاجراءات المعقّدة التي اتخذتها الفرق الميدانية التابعة لمصلحة الأحوال الشخصية والسجل المدني، حين نزلت إلى بعض المديريات لإصدار بطاقات هوية؛ تسببت بحرمان عشرات النساء من الحصول على بطاقات الهوية، بحسب علي الخمري، شخصية اجتماعية، مديرية كسمة.

ويشير الخمري في حديثه لـ”ريمة بوست”، إلى أن من ضمن تلك الحالات التي رفضت طلباتها، الأرملة حسناء علي، حيث ذهبت لاستخراج بطاقة هوية أثناء وجود الفريق الميداني في كسمة، وأرفقت طلب الحصول على الهوية ببطاقة انتخابية وبطاقة ضمان اجتماعي وشاهدين، لكن طلبها هو الآخر قوبل بالرفض لعدم استكمال الوثائق، حد قول اللجنة.

وبالرغم من استكمال الوثائق المطلوبة لاستخراج بطاقة هوية والتي نصت عليها المادة (53) من قانون الأحوال المدنية والسجل المدني ولائحته التنفيذية لعام 1999م، إلا أن الاجراءات والوثائق التي فرضتها الفرق الميدانية حالت دون حصول الكثير من النساء والرجال على بطاقات الهوية، وفقًا للخمري.

مخاوف رسمية

من جهة أخرى يُرجع النقيب اسماعيل العوارض، مدير التخطيط والإحصاء بفرع مصلحة الأحوال بريمة، رفض اعتماد الفرق الميدانية للبطاقة الانتخابية؛ إلى تعميم صادر عن رئاسة مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني بصنعاء، يقضي بإلغاء التعامل بها كوثيقة رسمية، لاحتمالية تزوير بياناتها.

ويضيف لـ”ريمة بوست” : “البطاقة الانتخابية ملغية بسبب تزوير الأعمار فيها والبيانات. كذلك بطاقة الضمان الاجتماعي ملغية لأنه تتعرض للتزوير من أجل استمرار معاش الضمان الاجتماعي، حيث تجد أحيانًا أن الابن ينتحل شخصية الأب رغم وفاته، وقد وقعت العديد حالات التزوير والمشاكل بهذا الخصوص”.

ولا يخفي النقيب العوارض، أنه تم كشف العديد من حالات التزوير في البطائق الانتخابية والضمان الاجتماعي، الأمر الذي يجعل من الصعب تعديل بيانات المواطن لدى الأحوال المدنية، لافتًا إلى قيام البعض كذلك بتزوير عقود الزواج بتساهل من بعض الأمناء الشرعيين المفتقرين إلى فهم اجراءات العمل وأهمية البيانات الشخصية للمواطنين.

ويشير العوارض، إلى أن من الحلول التي وضعت لتلافي هذه المشكلة، أنه في حال عدم امتلاك المتقدم لطلب الهوية – شهادة عائلية أو شهادة ميلاد أو عقد زواج معمّد من المحكمة، فيمكنه تقديم تعريف من العاقل أو الأمين الشرعي، يتضمن (الاسم مع اللقب، اسم الأم رباعيًا، تاريخ الميلاد، محل الميلاد، الديانة، الحالة الاجتماعية، المهنة، الحالة الاجتماعية، محل الإقامة) بحيث يرفق التعريف مع بطائق الشاهدين.

ويردف، أن من أسباب رفض بعض الطلبات المقدمة للحصول على هوية، هو صعوبة أخذ بصمات المتقدم كونها شبه ممحوّة نتيجة العمل الشاق في المزارع وغيرها من الأعمال الريفية، ما يتطلب تنظيف وترطيب البصمات قبل الحضور لاستخراج بطاقة الهوية.

مؤكدًا أن مصلحة الأحوال المدنية تعمل لتذليل كل الصعوبات، وأنها على استعداد لتلقي الشكاوى من المواطنين الذين رُفضت طلباتهم لمعالجتها وتلافي أي قصور في العمل.

خيبة العودة

من جهة أخرى، لم تحصل “فاطمة محمد” حتى اليوم على بطاقة هوية، فبعد أن رفض الفريق الميداني الذي نزل إلى الجعفرية، طلبها في الحصول على بطاقة هوية، اضطرت للسفر مع نجلها إلى مديرية بيت الفقيه (شرقي الحديدة)، وهناك تفاجأت بنفاد استمارات طلب الحصول على البطاقة، لتعود خائبة مرة أخرى، بعد أن كلّفها التنقل ما يقارب 20 ألف ريال (40$)، بحسب نجلها حميد.

 

ومنذ أشهر ما تزال فاطمة ونجلها حميد يتساءلون عمّا إذا كانوا سيضطرون للسفر إلى مديرية الجبين من أجل الحصول على بطاقة هوية، وعن إمكانية الحصول عليها هناك؟ إذ تساورهم مخاوف السفر والعودة مرة ثالثة دون بطاقة هوية، خصوصًا أن الانتقال إلى الجبين يتطلب تكاليف أعلى ومعاناة أكبر.