ما زالت تنتظر الاعتماد الرسمي.. مبادرة مجتمعيه تبني مدرسة في ذي محفد بالجبين

طلاب مدرسة الإخلاص
‏  7 دقائق للقراءة        1289    كلمة

تقترب بداية العام الدراسي الجديد, وما تزال “هنود فؤاد” ذات الثمانية أعوام، تنتظر لحظة افتتاح مدرسة “الإخلاص” الأساسية، التي بناها الأهالي بجهود ذاتية مؤخرًا في منطقة بادية “ذي محفد” بالجبين؛ كي تلتحق بالتعليم الذي حُرمت منه، رغم مضي عامان على تجاوزها السن القانونية للالتحاق بالمدرسة.

 

لكن الحلم الذي انتظرته “هنود” وظنّته أقرب إلى نفسها من أي وقت مضى، لم يتحقق بعد! إذ ما يزال مؤجلاً إلى حين اعتماد المدرسة من قبل وزارة التربية والتعليم، وتوفير كادر تربوي ومناهج دراسية للطلاب. لتبقى “هنود” وشقيقها “هايل”، 6 أعوام، على قيد الانتظار للحصول على حقهم في التعليم والالتحاق بركب العلم، حد تعبير والدهم “فؤاد محمد حمادي”.

 

لا يختلف الأمر لدى “هند” و “هنادي” شقيقتا “هنود” غير أنهما درستا بشكل محدود في إحدى المدارس الأساسية الواقعة في عزلة “قعار”، وهي منطقة بعيدة عن منطقة “ذا محفد”، إذ يضيف والدهنّ “فؤاد” في حديثه لـ”ريمة بوست”، أن “هند”، 12 عامًا، في الصف الرابع، و “هنادي” 10 أعوام، في الصف الثاني، توقفتا عن مواصلة الدراسة العام الماضي، بسبب بعد المدرسة عن القرية التي يسكنون فيها.

 

أكثر من نصف ساعة مشيًا على الأقدام، هي المسافة التي كانتا “هند وهنادي” يقطعنها كل يوم للوصول إلى المدرسة في قعار، قبل أن يضطر والدهما لإيقافهما عن الدراسة، مشيرًا إلى أن خشيته عليهن من مخاطر المشي في مناطق جبلية وعرة ولمسافة بعيدة، إضافة إلى تدني مستوى التعليم في تلك المدرس؛ دفعه لوقفهن عن الدراسة رغم رغبته الكبيرة في تعليمهن.

 

“أجيال لا تقرأ ولا تكتب”

 

على مدى أكثر من 20 عامًا وحتى اليوم، ظل المجتمع في بادية “ذا محفد” التي تضم العديد من القرى التابعة لعزلة الحديدية، يفتقر إلى مدرسة واحدة يحصل فيها الأطفال على حقهم في التعليم، بعد أن كان هناك مدرسة وحيدة “البيضاء” بناها المواطنون على نفقتهم، لكنها أغلقت نهائيًا في 1999م، بسبب تدهور وتهدم فصولها وانعدام الكادر التدريسي، بحسب الأهالي.

 

منذ ذلك الوقت، حُرم المئات من أطفال قرى بادية “ذا محفد” من التعليم، عدا عن حصول القليل منهم على التعليم الأساسي في مدارس أخرى بعيدة، يتطلب أمر الذهاب إليها معاناة مختلفة، وهو ما أدى إلى انتشار الأميّة في أوساط المجتمع بشكل كبير، خصوصًا الفتيات، حيث يُبدي أهاليهن تخوفهم من دراستهن في مناطق بعيدة عن القرية، وفقًا للمواطن حسن علي سليمان، 40 عامًا، الذي يقول إنه لم يستطيع الحاق بناته بالدراسة بسبب عدم وجود مدرسة بالقرب منهم، في حين أن أولاده الذكور لم يحصلوا سوى على التعليم الأساسي.

 

لم تكن الصعوبات والمشاكل في تلك القرى تكمن في عدم وجود مدرسة فحسب، بل في انعدام الطرقات وخدمات الصحة أيضًا، ولكن في 2017م، استطاع الأهالي شق طريق فرعي يربط قراهم بعزلة “قعار”، بتمويل بلغ مجتمعي (18 مليون يمني) من مغتربي تلك القرى، وذلك لتخفيف معاناة الأهالي وتسهيل انتقالهم إلى الطرق الرئيسية للسيارات، خصوصًا المرضى وكبار السن، إضافة إلى تسهيل توفير الاحتياجات اللازمة للحياة

 

في مواجهة الجهل

 

نجاح مبادرة شق الطريق، دفع الأهالي إلى التفاؤل بذلك التكاتف والتعاون المجتمعي، فقاموا مطلع العام المنصرم 2020م، بمبادرة مجتمعية أخرى، لوضع حد لتفشي الأمية في أوساط أطفالهم، بعد أن “تربّى هذا الجيل الجديد دون الحصول على التعليم”، بحسب فؤاد محمد حمادي، أحد المغتربين ووالد لأربعة أطفال يعانوا الحرمان من التعليم.

 

يضيف “حمادي”: “جُمعت التبرعات والمساهمات، وتبرع أحد المواطنين بأرضية لبناء المدرسة.. وبنينا مدرسة مكونة من ثلاثة فصول مبدئيًا على نفقة المغتربين من أبناء القرى، بتكلفة بلغت 4 ملايين ريال يمني”.

 

انتهت مرحلة بناء المدرسة وتأثيثها، لكن حتى الآن لم يتم افتتاحها، إذ ليست معتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم، كما أنها تفتقر إلى كادر تدريسي ومناهج دراسية للطلاب، إذ ليس بها سوى أستاذ متطوع يقوم بتعليم الأطفال القراءة والكتابة بدعم من الأهالي الذين يخشون على أطفالهم من الجهل، في ظل توقف تام للجهود الرسمية المهتمة بالتعليم، نتيجة الوضع الذي تعيشه اليمن بشكل عام.

 

أثناء العمل في بناء المدرسة

وتكمن أهمية مدرسة “الإخلاص” التي بناها الأهالي بدعم ذاتي، في أنها ستساعد في حصول أكثر من 118 طفلاً وطفلةً من أبناء قرى بادي “ذا محفد” على التعليم، وهي احصائيات الطلاب المسجلين في المدرسة ويتلقون دروس في القراءة الكتابة على يد المتطوع هناك، مشيرًا إلى أن هناك عشرات الطلاب أيضًا لم يتم تسجيلهم بعد في المدرسة.

 

هل يتحقق الحلم؟

 

بالرغم من الجهود التي بذلها الأهالي، إلا أن الأمر يحتاج إلى تفاعل من قبل الجهات المعنية بوزارة التربية والتعليم، لاعتماد المدرسة وتوسيعها وتوفير مدرسين ومناهج دراسية، من أجل حصول عشرات الأطفال على التعليم.. بحسب “حمادي” الذي يتساءل قائلاً: “نحن في زمان التقدم والتطور والثورة العلمية، فليس من المعقول أن نسمع بجيلٍ من الأطفال لا يعرف القراءة والكتابة؟ وهذا الحاصل في قرانا للأسف”.

 

إلى ذلك، لا يخفي “قاسم حسن حمود” عضو السلطة المحلية في منطقة الحديدية، أنه لم يكن على اطلاع بالخطوات الأخيرة والانتهاء من بناء وتجهيز المدرسة في بادية “ذا محفد”، لكنه يرى أن هذه الخطوة إنجازًا كبيرًا للأهالي، وتعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل حصول الطلاب على التعليم، في ظل ضعف الدور الحكومي وصعوبة الركون إليه.

 

ويضيف “حمود” أن من موقعه كسلطة محلية سيعمل على مطالبة مكتب التربية والتعليم باعتماد المدرسة، وتوفير مناهج دراسية، ومدرسين ولو من خلال التعاقد مع مدرسين في مناطق أخرى، مشيرًا، إلى أنه سيعمل بقدر ما يستطيع من أجل افتتاح المدرسة رسميًا، بالتنسيق ومع مكتب التربية والجهات المعنية.

 

بالمقابل، يُبدي أهالي قرى بادية “ذا محفد” استعدادهم للتعاون مع الجهات المعنية بمكتب التربية بما يساهم في حصول أبناءهم على التعليم، مشيرين إلى أنهم على استعداد لتوفير مساعدات نقدية للمدرسين الذين سيعملون في المدرسة بحسب امكاناتهم، في حين يتساءل مئات الأطفال ببراءة ما إذا كان حلم افتتاح المدرسة سيتحقق في العام القادم أم لا؟