مركز الجباري الطبي.. قصة نجاح شاب في زمن الحرب

‏  5 دقائق للقراءة        830    كلمة

اجتاحت البطالة العديد من مناطق اليمن بعد انقطاع الرواتب، وحصار ميناء الحديدة إثر النزاع المسلح في البلاد، الأمر الذي فاقم الوضع الاقتصادي، ودفع العديد من الشباب إلى اتخاذ بدائل أخرى لمواجهة ظروف المعيشة، أبرزها بناء مشاريعهم الخاصة، سيما تلك الطبية التي تلبي احتياجات المواطن في المناطق الريفية النائية. ففي أعالي جبال اليمن الغربية وتحديدًا بمديرية الجبين بريمة، شكّلت قصة بلال الجباري، 35 عامًا، وهو صاحب مشروع طبي، نموذجًا ناجحًا لمشاريع في زمن الحرب. يقول: “لا أطمح لأكون قصة نجاح يعرفها الكثير بقدر طموحي لخدمة محافظتي ريمة التي عانت لسنين من نقص الخدمات الطبية”.

حصل “بلال” على دبلوم عالي في المختبرات، وبكالوريوس في إدارة المستشفيات عام 2004م. بعدها ظل يسعى لتنفيذ مشروع مركز طبي يلبي حاجة الناس في مناطق ريمة النائية، حتى تحقق ذلك. بابتسامة رضا يقول: “منذ بداية تخرجي وأنا أطمح في فتح مركز بريمة بحيث يضم العديد من الخدمات خصوصاً أني من أبناء المحافظة وأكثرهم دراية بحاجة المجتمع لمستوصف صحي يضم العديد من العيادات التخصصية ولكن شاءت الأقدار أن أستقر في العاصمة صنعاء وافتتاح مركز خاص بي في أحد المراكز الطبية”.

ويواصل، أن ذلك لم يمنعه من تحقيق الحلم الذي يريده، وهو بناء مركز طبي في بلاده في شهر مايو من العام المنصرم 2019م، عاد الجباري إلى تنفيذ المشروع الذي كبر معه بمرور الأيام،في المحافظة والتي تجبر المواطنين للسفر إلى مُدن يمنية أخرى للحصول على الخدمات الطبية.

بدأ الجباري باختيار المكان المناسب الذي يغطي مناطق سكانية عديدة ويتيح للمرضى الوصول إليه بسهولة، ليقوم بعدها بأول خطوة وهي فتح مختبر وصيدلة داخلية وكانت تلك الخطوة بمثابة مقياس لمدى الإقبال وكان جيد إلى حد ما، حسب ما يقول مالك ومؤسس المشروع.

إنجاز قوي وطموح أقوى

بعد خطواته الأولى قام بالبحث عن أخصائية نساء وولادة، كونها إحدى الاحتياجات المهمة، وسعيا منه لإيجاد خدمة غير موجودة في المحافظة والتي بدورها ستوفر عن المرضى عناء السفر للمدينة لأجل العلاج أو حتى لعمل فحوصات غير متوفرة وهذي من أهم الاهداف التي يعمل على تحقيقها.

وفي السياق ذاته، يشاركنا الحديث علي علي المخلافي، أحد المترددين على المركز، إذ يقول بإمتنان، أنه كان دائماً يضطر للسفر إلى مدينة الحديدة_غربي اليمن_ لعمل بعض فحوصات الهرمونات الدورية لزوجته، لأن هذه الفحوصات غير متوفرة في ريمة، ولكن مركز الجباري وفر عنه عناء السفر إلى الحديدة والتكاليف المالية الباهضة التي يستهلكها هناك. ويضم المركز العديد من الخدمات منها عيادة نساء وولادة وعيادة أطفال، إضافة إلى قسم الطوارئ والمختبر والصيدليه الداخلية، ويتم حاليا بحسب الجباري تجهيز عيادتي الأسنان والجلدية.

لم يكن هدف الجباري مجرد إنشاء مركز طبي فقط، بل تفوق في عمله الإداري والطبي وقدم خدمات ذات جودة عالية وحصل على نسبة تقييم أعلى مقارنة ببقية المراكز الصحية والمستشفيات بالمحافظة، وذلك وفقا للجنة تقييم المراكز الصحية والمستشفيات. هذا الأمر حفزه للمضي بخطوات أكبر لاستكمال ما بدأ به، فقام بتوسعة المركز، ليجعله مكونًا من أربعة طوابق.

يضيف الجباري في حديثه لـ”ريمة بوست”: “لم أحقق إلا القليل فما زالت أهدافي كثيرة، وأسعى لافتتاح العديد من العيادات وتوفير جميع الفحوصات والأجهزة الطبية اللازمة، ليكون المختبر هو المركزي والمرجعي للمحافظة. وأنوي استضافة أطباء أخصائيين في مجالات لفتره زمنيه”.

إرادة وإدارة

بقناعة وإيمان بقدرته في إدارة المركز، يعتقد الجباري، أن المسألة في الإدارة لا تقتصر على تجويد الخدمة الطبية فحسب، بل تشمل طريقة التعامل مع المرضى، والحرص على أن التعامل أي خطأ قد يحدث سواء كان في العمل، أو في أي تصرف قد يجعل المريض يفقد ثقته بالمركز.

ويستطرد، أن هناك صعوبات عديدة تواجهه ولا يزال يعمل على تجاوزها، خصوصًا فيما يتعلق بتوفير دكاترة أخصائيين من محافظات أخرى للعمل بريمة بينما هم يفضلون العمل في المدينة، ويرى أن الكثير من الكوادر الطبية المحلية سواء أخصائيين أو صحيين من أبناء ريمة، يعملون في مدن أخرى أو لدى منظمات صحية، في حين القطاع الصحي في المحافظة بحاجة ماسة إليهم.

عن معاناته في ظل جائحة كورونا يرى”بلال”، أنها خلقت حالة من الهلع لدى الناس أثناء زيارتهم للمستشفيات، حيث يقول أنه حاول جاهداً التعامل مع الوضع بجدية وحذر، وقام بعمل “كابينة تعقيم” عند بوابة المركز لتعقيم المرضى عند الدخول والخروج، مشيرًا أن جميع ماعمله مجهود شخصي دون أدنى مساعدة من أي قطاع.

فُسحةً للزائرين

تعليقًا على موقع المركز، يقول الزائرون أنه يقع بين الغيوم ويبرز جمال الريف وما يبعثه في النفس من شعور بالارتياح، واصفين ذلك بأنه أشبه بـ”لعلاج النفسي الطبيعي”. بينما يقول بلال، أن من ضمن الأفكار التي يسعى لتنفيذها، عمل استراحة خارجية للكبار والأطفال وتزوديها بالأدوات الرياضية والألعاب المناسبة لذلك.

ويختم حديثه، بتوجيه رسالة أو نصيحة حد وصفه لها: “قصص النجاح لها قواعد متشابهه مهما اختلفت الأهداف فعلى الإنسان أولاً تحديد أهدافه وعمل دراسة موضوعية ثم وضع خطة للوصول لها وعدم الاستسلام وتحمل الصعاب بعزيمه لا تكل ولا تلين”.