هنود.. والموت في سبيل “دبة” ماء

خزان الماء الذي أنهئ حياة هنود
‏  4 دقائق للقراءة        658    كلمة

“لم تستطع الطفلة هنود انقاذ نفسها حين ماتت غرقًا في السد الذي تذهب إليه لجلب الماء” بهذه الجملة الحزينة يستهل ماجد الذيب 26 عاما، خال الطفلة هنود، حديثه لـ”ريمة بوست، ويسرد تفاصيل الفاجعة التي عاشتها الأسرة، إثر وفاة الطفلة هنود غرقًا في أحد السدود المائية بمنطقة الحديدية بمديرية الجبين.

كانت الساعة تشير إلى الرابعة من مساء يوم السبت 1 يونيو الحالي، حين أخذت هنود محمد يحيى ذات الحادية عشر ربيعًا وعاء فارغ يوضع فيه الماء (الدبة باللهجة المحلية)، وكعادتها ذهبت لورود الماء من سد مائي “السفلي” الذي يقع في منطقة مجاورة للقرية.

بجانب السد كان هناك مجموعة من الأطفال وهم الذين اعتادوا كل يوم على نقل الماء. نزلت هنود إلى داخل السد عبر “العقاب” (الدرج) الملساء نتيجة ترسب الطحالب على أسطحها. وبينما كانت تعبئ دبة الماء خاصتها، انزلقت قدمها وسقطت في الماء، حاولت الإمساك بأي شيء لتنقذ نفسها، لكنها لا تجيد السباحة، وهو ما جعل احتمالات نجاتها تبدو ضئيلة. الأطفال المتواجدون حول السد لا يجيدون السباحة أيضًا، ولم يكن بوسعهم سوى الصراخ بأصوات مرتفعة: هنود غرقت, هنود غرقت”.”

لم تُسمع أصواتهم، ففي ذلك الوقت كما يقول خالها ماجد_ لا أحد يمر من جانب السد. وقتها جرى بعض الأطفال إلى القرية المجاورة وأخبروا الأهالي أن هنود غرقت في السد، هرع عدة أشخاص لإنقاذها من بينهم عمها أخو والدها.. ولكن ما إن وصلوا حتى كانت جثتها تطفو على سطح الماء، فقد فارقت الحياة.

خرجت برجليها وعادت جثة هامدة

انتشل الأهالي جثمان” هنود” وحملوها إلى منزلها الواقع في القرية المجاورة. فاستقبلت الثلاثينية فاطمة حسن، جثمان ابنتها وكانت صدمتها مؤلمة إثر ذلك، خصوصًا أنه لم يمض سوى أيام منذ أن ولدت طفلها الرابع، وهو ما ضاعف من تعبها ومعاناتها حد قول شقيقها ماجد. أما والد هنود محمد يحيى (العمر)، فقد كان يعمل خارج المنزل بالأجر اليومي، ولم يدرِ بما حدث إلا حين عاد قُبيل المساء. إذ وجد زوجته تبكي بجانب جثة طفلتهما، فكانت الواقعة شديدة عليه، فهي طفلته البكر وأكبر أطفاله.

دُفن جثمان هنود، ولكن الحزن لم يُدفن أو يتبدد من قلب والدها ووالدتها. حتى أن الأم المكلومة عجزت عن الحديث معنا واكتفت بقولها: “حزني على بنتي كحزن أي أم خرجت طفلتها برجليها ولم تعد إلا جثة هامدة”. في المقابل يصف شقيقها ماجد حالتها: “هي حزينة جدا. لقد أنجبت طفلاً قبل أيام لكنها لا تعلم بأنها ولدت طفلا وفقدت آخر. ولم تكتمل فرحتها بطفلها الجديد.”

ظروف صعبة ومخاطر مُحتملة

يقول محمد يحيى 35 عاما، والد “هنود”، أن الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها الأسرة حالت دون قدرته على بناء خزان بالقرب من المنزل لحفظ مياه الأمطار واستخدامها وقت الحاجة، ولم يكن هناك سبيل سوى نقل الماء من سد السفلي، فهو المصدر الوحيد للمياه، مضيفا أنه كان يحاول أن يوفر لها حياة كريمة بقدر ما يستطيع خاصة أنه عامل بالأجر اليومي وليس له مصدر دخل يستطيع من خلاله توفير كل ما تحتاجه الأسرة.

وفي حديثه يُبدي خالها ماجد الذيب تخوفه، من أن تتكرر حادثة غرق ابنة شقيقته، كون غالبية الأطفال في المنطقة يذهبون كل يوم لورود الماء من السد وهو ما يشكّل خطراً على حياتهم، مشيرا إلى ضرورة وضع حلٍ للسد وإيجاد طريقة أخرى لشفط الماء منه، فهو مصدر أساسي للكثير من أبناء المجتمع.

آملاً ان لا تتكرر المأساة بحق المواطنين وذويهم من خطر السد على الأطفال، واصفًا أيضًا المشهد المأساوي لحظة سقوط “هنود” في الماء: “إذا لم يتم وضع حل، سيتكرر مشهد هنود التي كانت تصعد وتنزل في الماء لتحاول التقاط أنفاسها لكن لا جدوى من محاولتها فليس هناك منقذ سوى الأطفال الذين يصرخون خوفاً عليها”.