البن في ريمة: رشفة من عبق التاريخ

‏  8 دقائق للقراءة        1448    كلمة

من حسن الحظ أن تحظى بشرب فنجان من القهوة وأنت جالس على جبال ريمة، تعانق السحاب، وتستعذب جمال الطبيعة وطعم بُنّها الأصيل، وتتساءل عن سبب تأخرك عن معرفة تاريخ وأهمية شجرة البن بريمة وما لعبته من دور قديم وحديث في مسيرة شجرة البن في اليمن بشكل عام، فمحافظة ريمة من أكثر المناطق اليمنية زراعة لشجرة البن التي تنتشر في معظم المناطق الجبلية ذات الطقس البارد شتاء والمعتدل صيفا، وتتعدد أنواعه وتختلف ألوانه ورائحته تبعًا لتضاريس ومكان زراعته.

رحلة شجرة البن في ريمة

اشتهرت ريمة بزراعة البن منذ سنوات قديمة، ويرى بعض الباحثين أن ريمة أول موطن لزراعة البن في اليمن، وهو ما تعززه العديد من الكتب والمراجع، فقد ورد في كتاب (تاريخ النباتات العالمية) الذي أصدر عام 1686م للمؤلف والرحالة الفرنسي جان داي “أن السيد دونابه – وهو رحال فرنسي أيضا – شاهد عددا من أشجار البن في رحلته إلى الحدية، ويصف الحدية بأنها مدينة جبلية صغيرة تقع على بعد 12 ميل من مدينة بيت الفقيه”.

وتقع مدينة الحدية في مديرية الجعفرية بمحافظة ريمة، كما أنه في العقد السابع من القرن الثامن عشر 1763م زارت البعثة الدنماركية اليمن، وحطت رحالها في مدينة بيت الفقيه شرق الحديدة، وقد تمخض عن تلك البعثة كتابان، أحدهما بعنوان (من كوبنهاجن إلى صنعاء) للمؤلف توريل هانسن، والآخر ألفه الدكتور أحمد قائد الصايدي بعنوان (المادة التاريخية في كتابات نيبور عن اليمن).

وقد ورد في الكتاب الأول نصوصا صريحة عن أهمية ريمة في زراعة البن، يقول هانسن “بينما كان نيبور يقوم بجولاته الدراسية في تهامة كان فورسكال قد قطع الطريق إلى تلال شجرة البن التي تقع على بعد يوم كامل إلى الشرق من بيت الفقيه، والشهر الذي قضاه في هذه المناطق كان بالنسبة إليه أسعد أوقات الرحلة…”. حيث وصلت البعثة يومها إلى مناطق عديدة أبرزها الحدية وبني الغزي وكسمة، وذكر الصايدي في كتابه أهمية “سوق الحدية وسوق علوجه” اللذان فيهما يتم بيع البن وجمعه ومن ثم نقله إلى ميناء المخاء لتصديره للخارج.

ويشير الأستاذ منصور أحمد زيد القليصي – رئيس جمعية العقيق لإنتاج وتسويق البن بعزلة بني الحرازي بمديرية الجعفرية – أن زراعة شجرة البن دخلت إلى ريمة في القرنيين الهجريين السابع والثامن، وازدهرت في القرن العاشر الهجري، وقد كانت فترة دخول العثمانيين إلى اليمن فترة ذهبية بالنسبة لانتشار محصول البن في ريمة وفي اليمن بشكل عام، وقد ساهم العثمانيون حينها في تصدير البن إلى أوروبا عبر ميناء المخا، وأشهر الأسواق المحلية التي كان يجمع إليها محصول البن هما سوق علوجة وسوق الحدية، ومنهما يتم ارسال البن إلى بيت الفقيه، ثم إلى مينا المخا.

وتتعدد أنواع شجرة البن في محافظة ريمة تبعا للمناطق الجغرافية التي تزرع فيها، حيث توجد ثلاثة أنواع رئيسية هي: العديني ويكثر زراعته في الأودية والمناطق القريبة من الغيول والعيون المائية. والتفاحي الذي يعتبر من أكثر الأنواع انتاجا للبن وينتشر في المناطق غزيرة الأمطار أو المزارع التي تعتمد على التروية الدائمة، كون هذا النوع يحتاج إلى مياه أكثر.

والنوع الثالث الذي يسمى بالدوائري وتنتشر زراعته في المناطق قليلة المياه كونه من أكثر الأنواع تحملا للجفاف. كما يوجد أيضا أنواع أخرى لشجرة البن غير أن انتشارها يقتصر على مناطق محدودة في ريمة.

ريمة تتصدر المناطق الأكثر انتاجا للبن

ظلت محافظة ريمة – لعشرات العقود – متصدرة لمستوى انتاج وزراعة البن في اليمن، فوفقا لبيانات الإحصاء الزراعي فإن ريمة جاءت في المرتبة الثانية بعد صنعاء في قائمة المحافظات المنتجة للبن خلال العام 2013 بـ 4 آلاف و139 طنا من مساحة بلغت 7 آلاف و715 هكتارا.

ورغم احتفاظ ريمة بمكانتها كثاني محافظة يمنية انتاجا للبن – حتى الأن – بعد محافظة صنعاء، إلا أن مستوى انتاج البن خلال الأعوام الخمسة الأخيرة قد شهد انخفاضا كبيرا، فقد بلغ بحسب مركز الإحصاء الزراعي للعام 2018م، 3 آلاف 313 طنا من مساحة تقدر بـ 7 آلاف و 495 هكتار، مقارنة بـ 4 آلاف و139 طنا من مساحة بلغت 7 آلاف و715 هكتارا في العام 2013م.

ويعلل الأستاذ منصور أحمد القليصي – رئيس جمعية العقيق لإنتاج وتسويق البن – تدني مستوى انتاج البن إلى ظروف الحرب وآثارها التي أدت إلى تراجع الاهتمام والدور التي كانت تقوم به الجهات الحكومية والخاصة ذات الصلة في سبيل دعم وتشجيع زراعة البن بريمة، وهو الأمر الذي ساهم في تقلص المساحات الزراعية لشجرة البن وتوسع زراعة شجرة القات لأهميتها الاقتصادية في الوقت الحالي.

مضيفا أن انتشار البن المستورد وانعدام السياسة التسويقية الجيدة لدى الجهات المعنية في ريمة، أدى إلى تراجع سعر البن المحلي وهو ما دفع الكثير من المزارعين إلى العزوف عن زراعة البن والاهتمام به.

ويضيف القليصي أن هناك أيضا العديد من الأسباب الأخرى تتلخص في الجفاف وقلة الأمطار وانعدام مصادر المياه الأخرى، وقلة اهتمام المزارعين بشجرة البن، إضافة إلى انتشار الكثير من الآفات الزراعية التي تصيب شجرة البن وتتسبب في تساقط المحصول قبل نضوجه.

صعوبات تهدد مصدر الدخل الأساسي للكثير من الأسر

ويعتبر البن مصدرا مهما من مصادر الدخل في محافظة ريمة وقد كانت الآلاف من الأسر تصب كل جهودها في زراعة شجرة البن والاهتمام بها، كونها تعتمد على محصول البن كمصدر دخل أساسي لها إلا أنه ومع تراجع الإنتاج في السنوات الأخيرة، اضطر الكثير من المزارعين أو أبنائهم إلى التخلي عن زراعة البن والسفر إلى مناطق أخرى للبحث عن عمل.

يقول الشاب عبدالله قاسم 19 عاما – وهو أحد أبناء عزلة بني سعيد المشهورة بزراعة البن – لـ ريمة بوست ” كنت أعمل مع والدي في زراعة البن وكان محصول البن يغطي احتياجاتنا المعيشية ولكن في السنوات الأخيرة قل انتاج البن وتراجع سعره، وهو ما دفعني للسفر إلى محافظة إب للعمل وتوفير احتياجات الحياة، فالمحصول لا يغطي احتياجنا ولا يغطي غلاء المعيشة”.

أسباب شتى تلك التي أدت إلى تراجع مستوى انتاج البن بمحافظة ريمة، واتساع الفجوة في مستوى انتاج البن خلال السنوات الخمس الأخيرة، لعل أبرزها الحرب وما خلفته من آثار اقتصادية، والصعوبات التي تواجه المزارعين سواء تلك التي خلقتها الجغرافيا الجبلية أو الظروف الطبيعية المرتبطة بقلة الأمطار.

ويشكو مزارعو البن في ريمة من صعوبات عديدة، أبرزها انعدام الموارد المائية المتمثلة في الآبار الارتوازية والحواجز المائية الكبيرة ومشاريع المياه العامة. وبحسب الأستاذ منصور أحمد القليصي فإن المزارعين يعانون من قلة الأمطار التي تعتبر المصدر الوحيد لري شجرة البن وأن الجفاف الذي يستمر لفترة طويلة أدى إلى يبس واقتلاع الكثير من أشجار البن، بالإضافة إلى انتشار الآفات الزراعية التي عجز المزارع عن مكافحتها نتيجة ارتفاع أسعار السموم الخاصة بالقضاء عليها وتردي الوضع الاقتصادي للمزارعين.

جهود ملموسة رغم محدوديتها

رغم ظروف الحرب والصعوبات التي تواجه المزارعين في ريمة إلا أن هناك جهود محدودة وملموسة تسعى لتحسين زراعة البن وتجويد الإنتاج المحلي، فقد نشأت مؤخرا العديد من الجمعيات التعاونية في المديريات والعزل بدعم من منظمات زراعية دولية بالتنسيق مع مكتب الزراعة والري بالمحافظة، وتهدف هذه الجمعيات إلى زيادة انتاج البن وتجويد المنتج، من خلال تحسين عملية زراعة البن بطرق علمية وحديثة.

ويؤكد الأستاذ/منصور أحمد القليصي – رئيس جمعية العقيق لإنتاج وتسويق البن ببني الحرازي – أن هذه الجمعيات عملت على تدريب المزارعين على المعاملات الزراعية الحديثة وطرق الجني والتجفيف والتخزين والتدريج والفرز لمنتج البن، إضافة إلى تزويدهم بأدوات زراعية حديثة تساهم في ازدهار زراعة البن.

ويضيف في حديث لريمة بوست أن الجمعيات تهدف إلى التعريف بمنتج البن على المستوى المحلي والوطني والدولي من خلال المشاركة في اليوم العالمي للبن والمشاركة في المعارض المحلية والدولية للبن من أجل تحقيق أسعار مناسبة ومحفزة للبن تدفع المواطنين إلى التوسع في زراعة البن، وذلك بالتنسيق مع الجهات الرسمية والمنظمات ذات الصلة.

ويشدد القليصي على أهمية عمل الجمعيات التعاونية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة إلى توفير سقايات خاصة لري البن كون ذلك يمثل أولوية لدى المزارع خصوصا أن شجرة البن تتعرض للجفاف وهو الأمر الذي يهددها بالانقراض، داعيا المزارعين إلى تكثيف الجهود لتعزيز الإنتاج المحلي والحفاظ على شجرة البن والنكهة الخاصة بالبن الريمي لما له من ذوق متفرد وتاريخ أصيل يبعث الفخر لدى المجتمع.

في ذات السياق شهدت محافظة ريمة خلال الموسم الزراعي الحالي، توسعا ملحوظا في إنتاج المحاصيل الزراعية من ضمنها البن، بعد أن منً الله تعالى بالأمطار. ويقول مدير مكتب الزراعة بالمحافظة المهندس عبده القعاري أن الموسم الزراعي للعام المنصرم 2019م أفضل من الأعوام السابقة التي شهدت تراجعا في زراعة وإنتاج المحاصيل لقلة الأمطار.