نشأ الموروث الفني في ريمة وتشكّل ضمن نطاق مجتمعي، ينمو في بيئته ويكتسب قيم مجتمعه، ويكون دائمًا نتاجًا فنيًا للمناسبات المجتمعية المختلفة، سواء الفن المرتبط بمواسم الزراعة والحصاد وكل الأنشطة الزراعية الأخرى أو المرتبط بالأفراح كالأعراس والاحتفاء بالمواليد الجدد واستقبال العائدين من الحج، والموالد أو الفن المرتبط بالحروب والقضايا الاجتماعية المختلفة.
وبالرغم من ثراء الموروث الفني الريمي بأنواعه وألوانه إلا أنه يفتقر إلى الاهتمام، إذ لا يحظى المبدعين والفنانين من أبناء ريمة أي اهتمام من الدولة أو حتى المؤسسات الفنية الخاصة، إلى جانب انعدام النقابات الفنية التي تحتضن المواهب وتسلط الضوء على انتاجهم، وعدم وعي المجتمع بأهمية ابراز اللون الفني الخاص بالمحافظة، لينتهي غالبًا في زوايا الإهمال.
تنوعٌ فني
تعددت أشكال الفنون في ريمة وساعد ذلك البيئة الجمالية التي تتميز بها المحافظة، وتنوعت ما بين الأناشيد والموشحات الصوفية، والأغاني والرقصات النسائية في الأعراس، وكذلك المهاجل النسائية والرجالية في مواسم الزراعة والحصاد، إضافة إلى ذلك الأغاني الفرائحية للرجال التي يصاحبها المزمار في أغلب الحالات، والزوامل والمغارد وما يصاحبها من رقصات كالرزفة والبرع والموج والنادرة.
الأغاني النسائية تفرّدت أيضًا بالعديد من الألوان والألحان الجميلة لكنها ظلّت حبيسة المناسبات النسائية كالأعراس، الأمر الذي لم يتح إمكانية توثيقها بأصوات نسائية؛ بل تم تقديمها كأناشيد صوفية عن طريق المنشدين الرجال بنفس الألحان والإيقاعات الأصلية، وهي على درجة عالية من الجمال والدهشة.
يقول جابر أحمد، فنان، إن ريمة بقعة ضوء مهمة وتمتلك مقومات النهضة الفكرية والاقتصادية، ولديها موروث ثقافي يزخر بالتنوع والخصوصية. ذلك التنوع يمثل رقعة جغرافية تمتد بامتداد جغرافيا ريمة الممتدة على قمم الجبال؛ فالفن الريمي يتميز بتنوعه ويولد غالبًا في المناسبات والأحداث، كما أن ألوانه المتعددة تجعله مميّزًا عن بقية الألوان في عموم الجمهورية.
ويضيف في حديثه لـ”ريمة بوست” أن أحد الأوبريتات الإنشادية التي كتبها الشاعر محمد إسماعيل الأبارة في إطار أنشطة صنعاء عاصمة الثقافة العربية عام 2004م، وهو أوبريت “ميلاد النور”، قد حصد المركز الأول متقدمًا على الأعمال الإنشادية المقدمة من مختلف المحافظات، حيث امتاز الأوبريت باللحن الصوفي الريمي، وقد وزعته موسيقيًا فرقة وزارة الثقافة بقيادة الفنان جابر أحمد.
الفن الريمي
رغم الركود الذي يعانيه الفن في ريمة نجد أن هناك اسهامات وأصوات استطاعت بشكل أو بآخر وضع بصماتها في نشر الفن الريمي ولو في جوانب محدودة، أهمها فرقة الخير الإنشادية بمسور ريمة كانت هي الصوت الأبرز الذي وصل إلى أسماع الكثيرين داخل اليمن وخارجه.
حول ذلك يقول المنشد العزي صالح المسوري، رئيس فرقة الخير بمسور ريمة، لقد كنّا نتغنى بالأناشيد الملحنة باللون الريمي، والأعمال التي قدمناها حصلت على رواج كبير في المجتمع، وقبول لهذا الفن من عموم الجمهورية، خاصةً الأعمال التي كنّا نرسلها إلى أخوتنا في فلسطين كتعبير عن موقفنا الأخوي تجاه القضية الفلسطينية أو ما يتعلق بمواسم الزراعة والأفراح والمناسبات.
يوضح المسوري في حديثه لـ”ريمة بوست”، أن ما تم تقديمه خلال العقود الماضية، يعتبر نماذج محدودة لا نستطيع التعبير عنها وتسميتها لونًا فنيًا متكاملاً، لكنّها أسهمت في لفت الأنظار؛ فبينما نجد في بعضها شيئًا من الإبداع، نجد في البعض الآخر قصورًا كبيرًا، سواء من حيث الكلمات، أو من حيث اللحن والأداء، وافتقار الأغنية لروح البيئة الريمية، وعبقها ونكهتها، إضافة إلى عدم وجود الإمكانات التي تشجع المنشدين والفنانين للتوجه نحو هذا اللون والإخلاص له.
ويصل مجموع الأناشيد والأغاني التي حفظتها وأصدرتها فرقة الخير – بحسب المسوري – إلى أكثر من خمسين لحنًا ومشربًا ورقصة، وهي لا تمثل سوى القليل من الموروث الفني الكبير الذي تمتلكه ريمة، موضحًا أن الفرقة تنتظر الدعم وستعاود العمل قريبًا، بعد أن توقفت بسبب الأوضاع التي تمر بها اليمن، وانشغال أعضاء الفرقة في أماكن مختلفة.
ويرى المسوري أن مستقبل الفنون في ريمة حتمًا سيأتي وسينفض عنه الغبار، بجهود الداعمين من أبناء المحافظة والمجتمع أولاً، ومن ثم المؤسسات الرسمية التي لا يعول عليها كثيرًا، سيما مع تعاظم الوعي الفني لدى المجتمع، مؤكدًا على الدور الإعلامي أيضًا للمنصات الصحفية ومن أبرزها “ريمة بوست” لإنجاز هذه التطلعات.
فنانون وشعراء
جهود الشاعر والأديب والفنان محمد اسماعيل الأبارة، كانت أيضًا هي الأخرى ذات حضور فاعل في المشهد الفني، حيث قام قبل عدّة سنوات بتوثيق بعض هذه الفنون بالتعاون مع جمعية المنشدين بريمة، ووفق بتسجيل العديد من الأعمال الغنائية والإنشادية، حملت معظمها الألحان الريمية الخالصة.
إلى جانب ذلك يشير الأبارة في حديثه لـ”ريمة بوست”، إلى أنه كتب أوبريتات تضمنت العديد من المشارب الصوفية الريمية أو المهاجل، قدمتها الفرقة الفنية التابعة لوزارة الثقافة وحفظنا العديد منها مموسقة، مع هذا يظل الكثير والكثير جدًا خارج نطاق الاهتمام والحفظ والنشر للأسباب التي ذكرتها.
ولا يخفي الأبارة أن هناك أيضًا العديد من الشخصيات الفنية التي ساهمت في نشر الفن الريمي، أبرزهم المنشد العزي صالح المسوري وفرقته “فرقة الخير” والمنشد صالح المزلم والمنشد والملحن مهدي المزلم، والمنشد ابراهيم الأبارة وأخيه عبد الجبار، والمنشد حفظ الله العزيزي وجمعية المنشدين اليمنيين وفرقة المنشد قاسم زبيدة، والفنان جابر علي أحمد وفرقة وزارة الثقافة والفنان يوسف البدجي، والإعلامي ابراهيم العامري والشاعر أحمد المعرسي، والشاعر مفضل اسماعيل، وغيرهم الكثير.
اهتمام ضئيل
لم يكن الحضور الباهت للفن الغنائي في ريمة قدرًا يصعب تجاوزه؛ بل مشكلة لها العديد من الأسباب التي تحول دون ارتفاع عزفها وموسيقاها، أبرزها بحسب حديث الدكتور يحيى الأحمدي، القصور في إبراز الفن والموروث الريمي من قبل الكتّاب والشعراء والفنانين من أبناء ريمة.
ويردف الأحمدي لـ”ريمة بوست”، أن الأغنية لم تلقَ الاهتمام الكافي في بيتها أي بيئتها، إذ لا توجد جمعيات للفنانين في ريمة تهتم بذلك، إلى جانب الظروف المادية الصعبة التي يعاني منها الكتاب والشعراء، وصعوبة فهم اللهجة الريمية في الكثير من المناطق، مؤكدًا على أهمية تأسيس جمعية خاصة للفن التهامي وتشجيع المواهب الشابة ودعمها، وضرورة اهتمام القنوات الفضائية اليمنية بعرض الفن الريمي كفن له قيمته.
في السياق ذاته، يرى الشاعر والأديب محمد إسماعيل الأبارة، إن اللون الفني الريمي توارى عن الأنظار وتراجع كثيرًا نتيجة إحجام الفنانين عن الاحتفاظ به، وتدني الوعي لدى الكثير من المقتدرين على حفظه وتوثيقه والإسهام في نشره عدا عن مبادرات فردية قليلة.
ويؤكد الأبارة أن التداعيات الاقتصادية التي أنتجتها الحرب في اليمن انعكست سلبًا على المشهد الثقافي، موضحًا أن اندلاع الحرب حال دون استمرار المساعي والجهود التي كان قد بدأها مع مجموعة من الشعراء والأدباء من أبناء ريمة بهدف التنقيب والحفظ والتوثيق للفن الريمي، ، ليتم تأجيل هذه المساعي حتى استقرار الأوضاع، لكن يبقى السؤال مطروحًا، هل سيحظى الموروث الفني الريمي بالحفظ والاهتمام أم سيظل معرضًا للضياع؟