“الترجيب، المَعَوّم”.. خرافات وأساطير من الفلكلور الشعبي بريمة

خرافات وأساطير من الفلكلور الشعبي بريمة
‏  11 دقائق للقراءة        2114    كلمة

تتعدد وتتنوع الخرافات والأساطير في محافظة ريمة لكنها تجتمع في كونها جزءًا من الفلكلور الشعبي الريمي الذي تتناقله الأجيال منذ الزمن الماضي حتى ظل محفوظًا في الذاكرة الشعبية بشكل تلقائي. وما تزال تلك الخرافات حتى اليوم تنتشر في أوساط المجتمع، في ظل أناس يعتقدون بصحتها وآخرين مشككين بحقيقتها، باعتبارها لا تستند على أساس منطقي؛ بل ترتبط بقصص أسطورية أو معتقدات دينية ومواقف شخصية ابتدعت في الماضي وتوارثها المجتمع حتى تحوّلت في الذاكرة الشعبية إلى معتقد.

ورغم وجود الكثير من تلك الخرافات والأساطير الشعبية المنتشرة في مختلف مناطق محافظة ريمة، إلا أننا في هذه المادة جمعنا أبرزها:

“الترجيب”

تعتبر طقوس “الترجيب” واحدةً من تلك الخرافات التي ترتبط بالمعتقدات الشعبية، وتنتشر بشكل محدود في بعض مناطق ريمة، وتعرف طقوس الترجيب، بأنها القيام بكسر أربع بيضات على عتبة باب المنزل في الجمعة الأولى من رجب، لمنع انتشار النمل جوار المنزل ودخولها إليه.

صورة تعبيرية للنمل

ويعتقد بعض الناس، أن في حالة عدم القيام بطقوس الترجيب فإن حشود النمل تنتشر جوار المنزل وتدخل إليه، ومع تكرار الأمر قديمًا لأسباب مختلفة لها علاقة بثقافة المجتمع، أصبحت تلك الطقوس أشبه بحقيقة من الضروري القيام بها.

مرض غريب وعلاج أغرب

ارتبطت بعض الخرافات بعلاج الأمراض في الماضي لعدم وجود أدوية حينها، خصوصًا لدى الأطفال الذين يُصعب تشخيص أمراضهم وفهم ما يعانوه، فحين كان الطفل يعاني من الأمراض بشكل دائم ويفقد وزنه حتى يصبح هزيلاً كهيكل عظمي ولا ينمو بشكل منتظم مثل أقرانه بل يبدو أشبه بجثة على  قيد الحياة؛ كانت تُشخّص حالته الصحية بأنه “مَعَوّم”.

صورة تعبيرية عن المرض ونحالة الجسد

“مَعَوّم” وهي حالة مرضية تصيب الطفل حديث الولادة – بحسب ما تقول الخرافة ويتداوله الناس – نتيجة لسببين، الأول، إذا ما نظر إليه شخص عائد من تشييع جنازة ما، حيث النظر إلى جثمان الميت ومن ثم النظر إلى الطفل يعتبر أمرًا خاطئًا، ولابد للشخص الذي رأى جثمان الميت أن يغتسل قبل أن ينظر إلى طفل حديث الولادة، حفاظًا على صحته من أن “يَعَوّم”.

أما السبب الثاني، فيشار إلى أن الشخص – رجل أو امرأة – إذا رأى طفلاً رضيعًا قبل أن يغتسل من الجنابة، فهذا يتسبب بإصابة الطفل ويجعله “مَعَوّم” باستثناء والديه فذلك لا يؤثر على صحة الطفل ولا يصيبه بمرض. ولا يزال هذا الاعتقاد سائدًا في العديد من المناطق حتى اليوم، فترى الكثير يتجنبون النظر للطفل إذا ما كانوا عائدين من جنازة أو هم بحالة جنابة.

لكن الأغرب من ذلك، هو علاج الطفل المصاب أي “المَعَوّم” بطرق عديدة ومختلفة، فإذا لم تنجح الطريقة الأولى لزم اتخاذ الطريقة الثانية وهكذا حتى يكتب له الشفاء من الله. أولها يقوم أهل أو أقارب الطفل بإدخاله من نافذة المسجد، ليأخذه شخص آخر ويخرجه من باب المسجد، أو يقومون أحيانًا بوضع الطفل بداخل قبر لفترة قليلة ومن ثم إخراجه.

ومن تلك الوصفات الطبية التي انتشرت في السابق، شرب الطفل لماء تم جمعه من سبعة غيول عذبة مختلفة، إذ يقوم أحدهم بالطواف على سبعة غيول مختلفة وجلب كمية من الماء ويتم تشريب الطفل لعل ذلك يجلب له الشفاء، أو غسل الطفل بصابون استخدم قبلها لغسل جثمان ميت، كما يقومون أحيانًا بدفن الطفل للحظات قليلة تحت روث البقر. وقد كانت تلك الحالات المرضية نادرة الحدوث، أما في الوقت الحالي فلم يعد الكثير يعتقدون بهذه الطرق العلاجية.

تغيير الاسم

يرتبط البكاء المستمر للطفل حديث الولادة بواحدة من أغرب الخرافات التي تنتشر حتى اليوم في أوساط المجتمع بريمة، حيث يعتقد الناس أن البكاء المستمر للطفل بدون أسباب صحية أو بسبب شعوره بالجوع وغيره، يدل على أنه الطفل لم يتناسب مع الاسم الجديد الذي أطلق عليه، ومن الضروري تغيير اسمه ليتحسن مزاجه ويعيش طفولة هادئة.

لم تكن أم سمر، مواطنة، تصدّق تلك الخرافة المتداولة، إلا أن بكاء طفلتها المستمر رغم أنها لا تعاني من أي مشاكل صحية وفق تأكيدات الطب الحديث؛ دفعها للعمل باقتراح حماتها – التي تؤمن بهذه الخرافة – وقامت بالفعل بتغيير اسم طفلتها، فهدأت الطفلة، الأمر الذي جعلها تعتقد إلى حد ما أن تكون تلك الخرافة تحمل جزءًا من الحقيقة.

“جدّي المجدّي”

ومن الخرافات التي لها صلة بعلاج الأمراض، اعتقاد البعض أن رصف مجموعة من الأحجار فوق بعضها في طريق المشاة، طريقة فاعلة لعلاج الحبوب الصغيرة التي تظهر بداخل جفن العين والتي تسمى في اللهجة الدارجة “جدّي المجدّي”، وطبيًا بـ “الميليا أو الدخنيات”.

صورة لطريقة رصف الأحجار في الطريق

ويعتقد الناس أن رصف الأحجار يساعد في اختفاء تلك الحبوب التي غالبًا تكون نتيجة التهاب أو عدوى بكتيرية انتقلت إلى العين عبر الهواء.

“نفخة الحنش”

ما إن تظهر حبوب صغيرة على جسد شخص ما، يصاحبها احمرار في الجلد وحكّة متواصلة؛ حتى يقال أنه تعرض لـ”نفخة حنش” (ثعبان)، ويحتاج إلى يبخّر جسده بقشور الثوم أو بشعر حمار، فيما بعض المناطق تستخدم شعر الإنسان، على اعتبار أنه الدواء الأمثل لما يسمى “بنفخة الحنش”، وتنتشر هذه الطريقة التقليدية بشكل كبير، وما يزال الكثير من الناس يستخدمها.

صورة تعبيرية للحبوب التي تظهر على الجسد

حراسة القبر لسبعة أيام

قد يتفاجئ أحدهم حين يرى خيمة صغيرة بجوار أحد القبور الذي لم يمضِ على دفن صاحبه سوى أيام قليلة، قد يتساءل: أهناك أشخاص يحرسون ذلك القبر أم ماذا؟ فيجيب أحدهم مؤكدًا الاحتمال الأول لأن المتوفي برجه “الحمل”، وهي إجابة ستثير استغرابك بالفعل كونها خرافة وأسطورة تنتشر في معظم مناطق ريمة.

صورة تعبيرية لبرج الحمل

تقول الخرافة الشعبية المتداولة، إنه عند وفاة الشخص الذي يحمل برج الحمل، فإنه يجب على أهله أن يقوموا بحراسة القبر لمدة سبعة أيام؛ أي حتى تتحلل الجثة، لأنه إذا لم يتم حراسة القبر فسيأتي “الحمل” لنبشه وسرقة الجثة وأخذها إلى مكان مجهول.

وتصف الخرافة أن “الحمل” حيوان مخيف ذو شكل قبيح، يمتلك ثمانية أطراف، أربعة يمشي بها، وأربعة أخرى على ظهره، تمسك بالجثة أثناء سيره، بعد قيامه بنبش القبر وأخذها ما دام صاحبها يحمل برج “الحمل”.

نباح الكلاب

نباح الكلب

ومن الاعتقادات والخرافات التي لا ترتبط بالأمراض والعلاج، وإنما ترتبط بالتشاؤم أو بالبشارات السعيدة، فعواء الكلب ليلاً بشكل مستمر أو بصوت أطول وكأنه يبكي، يعتبره البعض نذير شؤم وتنبؤ بأحداث سيئة، حيث تتداول الخرافات الشعبية، أن عواء الكلب ليلاً ينذر بحدوث موت في وقت قريب. فتجد حتى من لم لا يؤمن بهذه الخرافات، يشعر أن عواء الكلب ليلاً يجلب له القلق والتوتر.

مرآة الشياطين

النظر إلى المرآة (صورة تعبيرية)

يعتبر النظر إلى المرآة في معظم مناطق ريمة بعد المغرب، من الاعتقادات والخرافات التي ترتبط بالتشاؤم والخوف، إذ يعتقد البعض أن ذلك قد يجلب الشياطين وأرواح الجن، لذا دائمًا تحرص الأمهات على تحذير الأبناء من النظر إلى المرآة بعد المغرب، وهو الوقت الذي يُعتقد لدى الذاكرة الشعبية أنه وقت عودة الشياطين والجن إلى منازلهم.

حكّة الكف

تنتشر خرافة حكة اليد في المجتمع اليمني بشكل عام، إلا أن معناها ودلالاتها يختلفان من مجتمع إلى آخر، حيث يعتقد البعض في ريمة أن إصابة الكف اليمنى بحكة مفاجئة بشارة بالحصول على مال، فيشعر الشخص أنه محظوظ وسيحصل على مال قريبًا، في حين يُعتقد أن حكة الكف اليسرى علامة مسبقة أن الشخص سيقوم بإنفاق المال وهي علامة شؤم.

حكة الكفين (صورة تعبيرية)

بشكل مغاير يتداول في التراث اليمني أن حكة الكف اليسرى بشارة على الحصول على بعض المال في القريب العاجل ، يبتسم اليمني الذي يؤمن بهذه الخرافة فور شعوره بهذه الحكة البسيطة في كفه اليسرى فيستبشر بالحصول على المال قريباً، في حين يقال أن إذا شعرت بحكة في كفك اليمنى فهذا يعني أن شخص ما يغتابك الآن ويشتمك أمام الآخرين.

هزَّ الرجل أثناء الجلوس

يقال في علم النفس إن هزّ الرجل أثناء الجلوس على الكرسي، أكبر مؤشر على أن الشخص يشعر بالقلق والتوتر، وأن هز الساق هو محاولة للتخلص من هذا القلق والتوتر، وعادةً ما تحدث للأطفال وأحيانًا للكبار إذا اعتادوا على ذلك، لكن في بعض مناطق ريمة هناك معنى آخر تمامًا لهذه الحركة.

صورة تعبيرية

فبينما كانت سمر، 19 عامًا، مواطنة، تجلس على الكرسي برفقة أهلها وتهز ساقيها في تصرف تلقائي، إلا أن صراخ جدتها حين طلبت منها التوقف عن ذلك قد فاجأها وأثار انتباهها، لتبرر الجدة حينها – بحسب الخرافة المنتشرة التي تؤمن بها – أن هزّ الساق باستمرار فال شؤم ونذير بموت الأم، وهي خرافة يصدقها البعض وينفيها البعض الآخر.