“انصاف مهور وحقائب شبه فارغة”…التسليع بريمة يسلب الفتيات حقوقهن

‏  7 دقائق للقراءة        1210    كلمة

لم أتخيل أن يكون زفافي يوما للسخرية والاستهزاء من شكل ملابسي “بهذه الكلمات تعبر فاطمة(25سنة)  إحدى  فتيات محافظة ريمة غربي اليمن عن حالها بعد أن أستحوذ والدها على مهرها الذي فرضه على الشاب الذي تقدم لخطبتها_؛ ليدخره لزواج شقيقها الذكر؛ حيث تقدم العديد من شباب القرية لطلب يدها من والدها؛ إلا إنه كان يرفضهم لضعف إمكانياتهم في دفع مهرها الذي قدر ب (2.500.000) ريال  يمني ما يعادل (4.700 دولار أمريكي).

 اذ ترضخ العديد من الفتيات المقبلات على الزواج في محافظة ريمة؛ لشروط أسرهن خاصة أولياء أمورهن الذين يتخذون منهن سلعة تجارية رابحة لمن يدفع مبلغا ماليا أعلى مع حرمانهن من أحقيتهن من التصرف بمهورهن باعتبار المهر حقاً لولي الأمر، وردا لجميل التربية التي استغرقت سنوات طويلة في الصرف على الفتاة وتعليمها.

تواصل فاطمة: ” بعد أن وافق أحد الشباب الذين تقدم لخطبتي على دفع المهر الذي اشترطه والدي، اعتقدت حينها ان الأخير يشترط مبلغا ماليا كبيرا لمهري؛ على أنه حريص على أن يجعل حفل زفاف ابنته الوحيدة فرحا أسطوريا في القرية؛ إلا أنه جعل مهري وسيلة لزواج أخي الذي يصغرني ب 3 سنوات والذي سيقام زفافه بعد أربعة أشهر من زفافي”.

مهر كبير وحقيبة صغيرة

بعينين يملاهما الحزن تقول فاطمة: تحدد موعد زفافي؛ لكن لم يحدد موعد حفلتي كما تجري العادة في القرية، حتى المجوهرات سأرتدي مجوهرات عمتي وثم أعيدهن إليها بعد العرس، كانت لحظات قاسية تواسيني فيها والدتي التي أخبرتني أن أخي سيعوضني بعد زفافه، وهو الذي لم يحصل مذ 3 سنوات، وتتابع: أخذني والدي إلى منزل زوجي بملابسي القديمة وحقيبة شبه فارغة، دون إطلاق للألعاب النارية كما تجري العادة في القرية عند زفة العروس إلى منزل زوجها؛ وكأنه يتخلص من عار كان يلاحقه ويتمنى إزالته حسب حديثها.

وتضيف: لقد كنت خائفة من أبدي زينتي على نساء القرية اللواتي ينتظرني في منزل زوجي الذي يقيم فيه حفل زفافه، جلست على كرسي العروس متصلبة مطأطئة رأسي لا أستطيع النظر في وجه نساء القرية التي يحاولن أن يسعدني بحفل زفافي، الذي كان كابوسا تمنيت أن ينتهي سريعا لأختبئ من كل ما حولي؛ مؤكدة على أنها لم تستطع نسيان ليلة زفافها “لقد كنت أضحوكة بين صديقاتي وكل الحاضرات في حفل زفافي، ولن اعفو عن والذي الذي جعل مني مسخرة يوم فرحي، ليسعد بمهري أخي في زفافه”

الأيتام الأكثر تأثرا

لم يختلف حال أميرة ذوي الثلاثين عاما واحدى فتيات مديرية مزهر فقد حرمت هي الأخرى من نصف مهرها؛ شرط قبول أخيها الأكبر بالخاطب، إذ تقول: حرمني أخي الأكبر من المجوهرات يوم زفافي، وأخذ نصف مهري شرط قبوله بالخاطب، مدخرا مهري لإكمال بناء منزله في القرية؛ في حين كانت أمي تعدني أنهم سيعوضونني بدلا ذهبي بعد إكمال بناء البيت وهبوط سعر الذهب، ومنذ 7 سنوات وأنا منتظرة التعويض الذي لن يحدث. وتواصل حديثها: لو كان والدي ما زال على قيد الحياة؛ لكنت حصلت ذهبي كما حصلن أخواتي على ذهبهن حين كان والذي تجاهل هذا التصويب على قيد الحياة، فقد كان حريصا على أن تأخذ كل واحدة من بناته ذهبها باعتباره مصدر أمان للمرأة حال لم تنجح العلاقة بينها وبين زوجها .

يعد سلب مهر الفتاة وادخاره لأعمال خاصة بالأسرة دون مردود يعود على الفتاة من الجرائم الشرعية والأخلاقية والاجتماعية، لما يترتب عليه من تأثير سلبي كبير يتجاوز الجوانب المادية، إلى أخرى نفسية كإصابتها بحالة اكتئاب وعقد نفسية؛ ينتج عنها حالة من الصراع الأسري الدائم في الحياة الزوجية، والذي يؤدي في أغلب الحالات إلى الطلاق، في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء، حد تعبير الإخصائي الاجتماعي أمين الحيث.

ويتابع الحيث: إن هذه الأسر تتركز في المجتمعات الريفية البعيدة عن مراكز السلطة الرادعة لمثل هذه التصرفات التي تتعامل بلا مساواة بين الجنسين، وتكون هذه التصرفات ناتجة عن عدم وعي أسري بحقوق المرأة وانعدام الوعي الديني, ويختم الحيث : أن هذه الأسر تتركز في المجتمعات الريفية البعيدة عن مراكز السلطة الرادعة لمثل هذه التصرفات التي تتعامل بلا مساواة بين الجنسين، و تكون هذه التصرفات ناتجة عن عدم وعي أسري بحقوق المرأة وانعدام الوعي الديني .

تسليع الفتيات الأسباب والنتائج

فرضت الحرب وتأثيراتها الاقتصادية على الأسر رفع المهور التي تعتبره مصدرا من مصادر الحصول على المال لتغطية احتياجاتها الأساسية خصوصا في الريف اليمني؛ إلا أن هذه الأسباب المؤدية إلى سلب مهر الفتاة، تؤثر على واحدة من حقوق الفتيات، فالفتاة المسلوبة تصاب بالغبن خاصة حينما تقارن نفسها بأخريات من داخل الأسرة أو خارجها اللواتي استفدن من مهورهن في حفل زفافهن، حد تعبير الأستاذة حورية مشهور وزيرة حقوق الإنسان سابقا وتشدد مشهور على وجوب الابتعاد عن التسليم المطلق للعادات والتقاليد التي يجوز سلب مهر المرأة وتحرمها من التصرف به والاستفادة منه؛ مؤكدة إلى أن العرف الذي لا يساهم بإيجابية في حماية حقوق المرأة، ويخلو من مبدأ المساواة بين بين الجنسين عرف مرفوض، لافتة إلى أن الزواج عبارة عن شراكة حياتية بين رجل وامرأة يجب أن يسوده الاحترام والتقدير، وتدخل الآباء في هذه الشراكة بطريقة مجحفة، وبشكل غير مناسب مع تطلعات المرأة لا يصح.

أما الدكتورة سامية الأغبري وهي صحفية مهتمة بحقوق المرأة تقول: إن سلب مهر الفتاة لا يحدث إلا في الأسر المتدنية وغير المتعلمة؛ فالمرأة مسلوبة المهر تصبح في نظر زوجها سلعة مملوكة قام بشرائها بحر ماله يحق له التصرف بها كما يرغب؛ فتحرم من حقوقها الزوجية، وتصبح وسيلة للمتعة الجنسية بعيدا عن كونها شريكة حياة.

وتتابع : إن هذه الظاهرة تتفشى بكثرة بين أوساط المجتمع اليمني، ولا تنحصر بالمناطق الريفية؛ إذ تحتاج إلى معالجة جذرية وشاملة، من خلال العمل على تشجيع تعليم المرأة، وتشجيعها على العمل والاستقلالية لتصبح قادرة على الإنتاج، وإعانة نفسها في تغطية نفقات زفافها، ولن تكون بحاجة إلى مهر كبير للاحتفاء بزفافها؛ لافتة إلى أهمية محاربة ظاهرة الزواج المبكر الذي تعتبره سبب رئيسي في تدني الوعي الحقوقي للمرأة اليمنية.

المستشار القانوني مروان الشاوش يرى  أن القانون اليمني يقف موقفًا سلبيًا تجاه قضايا سلب الفتيات مهورهن من قبل أولياء أمورهن؛ إذ لا يوجد في قانون الأحوال المدنية نصًا صريحًا يجرم سلب مهر الفتاة؛ إلا أن  الدين الإسلامي ينظر إلى المهر كونه ذمة مستقلة للمرأة، لا يشاركها به شخص، ولا يحق للولي الأخذ منه إلا إذا تبرعت الفتاة بجزء منه، ويُأثم أخذه بدون وجه حق فسلب الآباء صداق بناتهم اعتداء على إنسانية المرأة ومخالفًا لما أمر به الله وهذا من باب النصب والاحتيال أخذ مهور الفتيات من غير رضى .

وتشير إحصائية للجهاز المركزي اليمني للإحصاء للعام 2009 إلى ارتفاع أعداد الفتيات اليمنيات اللواتي لم يتزوجن بنحو مليونين ونصف المليون، بينهن أكثر من نصف مليون ممن تجاوزن سن الثلاثين . وبحسب تقرير دولي صدر مطلع العام 2016 فإن اليمن يحتل المرتبة التاسعة عربياً في نسبة عدم زواج الفتيات بواقع 30%. وتعد ظاهرة تأخر أو عدم الزواج مشكلة اجتماعية تتفاقم في اليمن وتعاني منها شريحة واسعة من النساء اليمنيات .

تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.