الزواج المُبكر كابوس التهم طفولة ثلاث أخوات بريمة

‏  6 دقائق للقراءة        1197    كلمة

على غير العادة، رجعت “عائشة” ذات الثالثة عشر ربيعًا، من المدرسة بتفكير مشتت ومُثقلٍ بالتساؤلات “هل سيكون أخر يوم لها في المدرسة أم ستعود للدراسة مرة أخرى؟” بعد أن أخبرها والدها صباح ذلك اليوم، أن عليها التوقف عن الدراسة، لأن شاب ما قد تقدم لخطبتها وسيكون موعد عقد قرانها عصر اليوم ذاته.

 

لم تكن “عائشة” تتخيل أن مصيرها سيكون كمصير شقيقتيّها الأكبر (أ.م، 22 عامًا – ف.م، 21 عامًا) اللاتي كنّ يخبرنها أنها ستواجه ذات المصير بالزواج في وقت مبكر يحرمها طفولتها؛ بل ظلّت ترسم خيوط حلمها في استكمال تعليمها المدرسي والجامعي، ومن ثم الانخراط في العمل لتتمكن من علاج والدتها ووالدها وأخيها، والاهتمام بصحة شقيقتها الأخرى.

 

الطفلة عائشة الأخت الصغرى لشقيقتين أكبر منها تزوجن في سن الطفولة قبل أن يتجاوزن سن الخامسة عشر، فأصبحن أُمّهات وطفلات في ذات الوقت، حد تعبير عائشة التي ترى أن لا فائدة من رفض الزواج والبكاء أمام والدها المريض الذي يُبرر قرارات تزوجيهن بهذا السن بتدني حالته المادية وعجزه عن توفير عيش كريم لهنّ، خصوصًا أن شقيقتها الثالثة – التي ما تزال عزباء – مصابة بشحنات كهربائية منذ طفولتها، وتفقد الوعي بين الفترة والأخرى.

 

تقول الطفلة بارتباك: “أبي يعاني من اضطرابات نفسية منذ سنوات ولا يكون طبيعي إلا عند استخدام العلاج، أما أمي فلا تستطيع القيام بأعمال المنزل كونها تعاني من إعاقة جزئية في قدمها وبحاجة إلى عدّة عمليات جراحية، أيضًا شقيقي الذي يكبرني بعام يعاني من مرض القلب، فقد توقف عن الدراسة في الصف السادس من أجل مساعدة والدي في توفير احتياجات الأسرة المنزل لكن بسبب مرضه لم يستطع تحمل الأعمال الشاقة”.

 

فارس الأحلام

 

لا تخفي (أ.م) 22 عامًا، وهي شقيقة عائشة الكبرى، أن الزواج وتكوين أسرة يعتبر حلم الكثير من الفتيات وهذه سنة الحياة، لكنها تقول إن ذلك الحلم حين يتحقق لطفلة لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها، يتحول إلى كابوس يسرق طفولتها ويقتل بهجة الحياة، في إشارة إلى تجربتها الشخصية مع الزواج المبكر، إذ لم تبلغ السادسة عشر من العمر إلا وهي أم لطفلين وربة منزل تحمل على عاتقها المسؤوليات الأسرية والزوجية.

 

تعود (أ.م) بذاكرتها إلى الوراء لتستوعب ما حدث: “كنت حينها طفلة في بداية دراستي في الصف التاسع الأساسي. ما زلت أتذكر جيدًا حين أخبرني أبي أنني لن أذهب للمدرسة مرة أخرى لأنه سيزوجني وستصبح لي حياة جديدة وجميلة. وقتها بصراحة لم أحزن كثيرًا بل كنت أحمل بداخلي مشاعر سعادة رغم محاولتي اخفائها”.

 

تواصل حديثها “كنت أسمع البعض يخبروا أبي أنني ما زلت طفلة وأن العريس يكبرني بـ 13 عامًا، فكان يرد بثقه قديه مره والمره مالها الا بيت زوجها (أصبحت امرأة وما للمرأة إلا بيت زوجها)”. كأية طفلة كانت (أ.م) منبهرة بما يحدث حولها، حفل زفاف صاخب بالزغاريد، فستان أبيض يعبر عن الفرحة، ملابس أنيقة وجديدة.. غير مدركة لعواقب ذلك الزواج.

 

لم يمر على زواج (أ.م) أكثر من شهر حتى عادت إلى والدتها مثقلة بالهموم، تشكو مما لاقته من حماتها وزوجها وأهله، بعد أن وجدت أن الحياة الزوجية أكبر منها ولم تكن تتوقعها بهمومها ومسؤولياتها. كانت تريد البقاء في بيت أهلها لتدرس وتلعب وتعش كما تحب بدون فارس الأحلام التي تخيلته، لكن كانت دائمًا تصطدم بنصائح أمها “انتي قدش مزوجه ماعد بش لعب ودراسة هذا نصيبش يا بنتي اصبري هكذا الحياة”.

 

عواقب وخيمة

 

كان الصبر وحمل الوجع بصمت هو الحل الذي اتخذته (أ.م) لتتجاوز الصعوبات والمشاكل التي واجهتها، وما إن انتهى عامها الأول بعد الزواج إلا ورزقت بطفلة بعد معاناة شديدة من آلام المخاض، لتمسك طفلتها لأول مرة وهي تبكي مرددة بداخلها بصمت “مستحيل ازوج بنتي بعمر صغير مستحيل”.

 

لم يختلف حال شقيقتها الأخرى (ف.م )، 21 عامًا، والتي تزوجت قبل أن يتجاوز عمرها 14 عامًا، غير أن الأخيرة، عانت بشكل أكثر أثناء حملها الأول ما تسبب بسقوط الجنين بعد شهرين فقط من حملها، في حين أصيب مولودها الثاني بسوء حاد في التغذية نتيجة صغر عمرها وضعف صحتها الجسدية وقلة خبرتها في تربية الأطفال.

 

وتشير تقارير صحية عديدة، إن زواج الفتاة في عمر صغير يعرضها لمشكلات صحية ونفسية عدة نتيجة عدم النضوج الجسدي وقلة الوعي، حيث تكون الفتاة في سن صغير أكثر عرضة للتمزق المهبلي والنزيف الحاد الناتج من أول يوم في العلاقة الزوجية، كما أنها أثناء الحمل تعاني من مشكلات كثيرة قد يعرض الجنين للإسقاط، إضافة إلى المشاكل النفسية القاسية التي قد تتضاعف آثارها مستقبلاً، لما يحمله الزواج من مسؤوليات كبيرة لا تقوى عليها الفتاة.

 

وبحسب تقرير للمركز الدولي لدراسات وأبحاث النوع الاجتماعي نشر عام 2011م، فإن اليمن يحتل المرتبة 13 من بين أسوأ 20 دولة في زواج القاصرات، وتصل نسبة الفتيات اللاتي يتزوجن دون الثامنة عشرة إلى 48.4 في المئة. ويشير التقرير إلى أن 8 حالات وفاة يوميًا لفتيات قاصرات، بسبب الزواج المبكر والحمل والولادة.

 

تضاعف نتيجة الحرب

 

ومع اتساع رقعة الفقر بين أوساط المجتمع بسبب الحرب وآثارها الاقتصادية والاجتماعية، تؤكد تقارير حقوقية محلية ودولية أن زواج القاصرات تضاعف بشكل كبير في اليمن خلال السنوات الأخيرة، إذ تقوم الكثير من  العائلات بتزويج فتياتها في سن مبكرة لعجزها عن توفير احتياجاتهن في ظل ظروف المعيشية الصعبة التي تعانيها أو خوفًا عليهن من ظروف النزوح.

 

شقيقتا عائشة ليستا وحدهما من يعانين بسبب الزواج المبكر قسرًا، بل قدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” أن أكثر من 4 ملايين طفل تزوجوا قسرًا في اليمن العام الماضي 2020م. في حين ما تزال الطفلة عائشة ضحية مؤجلة لهذا الزواج، بعد أن تم تحديد زواجها في الأشهر المقبلة، حد قولها.

 

تتساءل “عائشة” عن وضعها ووضع أسرتها إذا ما تم زواجها بالفعل، ماذا سيحدث لهم من بعد زواجي؟ من سيهتم بأعمال المنزل ومن سيعطي أبي الدواء وأختي من سيستطيع التعامل معها مثلي؟.

تحرير: ريمة بوست