يسعى المواطن في ريمة إلى تحقيق احتياجاته بكل الوسائل المتاحة، ويضع الحلول التي تعزز قدرته في التغلب على صعوبات الواقع المعاش ولكون محافظة ريمة من المحافظات النائية التي تنعدم فيها مصادر المياه – سواء مياه الشرب أو المياه الصالحة لري المزارع – عدا عن مياه الأمطار الموسمية التي عادة ما تكون شحيحة ولا تغطي احتياج المواطنين إلا خلال موسم الأمطار، فقد لجأ المواطنون منذ زمن بعيد وحتى الآن في ريمة – ومعظم مناطق اليمن – إلى تخزين مياه الأمطار في خزانات المياه (البرك) والسدود المائية، ليتسنى لهم استخدامها وتغطية احتياجاتهم بقية شهور السنة، حيث تستخدم مياه السدود المكشوفة في ري المزارع وسقي المواشي، بينما تستخدم مياه الخزانات المغلقة للشرب وغير ذلك، كما أن معظم تلك السدود المكشوفة تصبح في الغالب متنفسا جميلا للأطفال، حيث يذهب إليها الكثير من الأطفال وحتى الكبار لتعلم وممارسة السباحة، غير آبهين بما تحمله هذه المستنقعات المائية من أخطار.
من متنفس للأطفال إلى مستنقع للأخطار
بشغف محموم يتسابق الأطفال والشباب في مديريات ريمة إلى خوض غمار الغوص والسباحة في تلك المستنقعات المائية الراكدة، غير مدركين أن هذه المستنقعات ليست إلا ثكنة خطرة، وبيئة خصبة للكثير من البكتيريا والطفيليات التي تصيب الإنسان بالعديد من الأمراض والأوبئة المزمنة.
يقول الطفل هيثم الريمي ذو الثلاثة عشر عاما لريمة بوست: “كنا نحب الذهاب للشرعه (السباحة) في السد (البركة) مع اصدقائي، ولا نعرف ان فيها مرض، ولكن حين مرضت اسعفني أبي إلى المستشفى بصنعاء وعرفت ان عندي بلهارسيا بسبب الشرعة في البركه اللي كانت مليان ماء من حق المطر وقد لونه اخضر”.
وتعتبر (البرك) مستنقعات للمياه الراكدة التي تنتشر فيها الطفيليات والديدان المختلفة التي تسبب العديد من الأمراض أبرزها حمى الضنك والملاريا وطفيليات البلهارسيا وغيرها، كما تعد اليمن من أكثر الدول التي ينتشر فيها البلهارسيا بنوعيها: البلهارسيا البولية والبلهارسيا المعوية، وبحسب احصائيات البنك الدولي للعام 2014 بلغ عدد الحالات المصابة بالبلهارسيا في اليمن بثلاثة ملايين حالة. ويأتي تصنيفها ضمن أكبر مشكلات الصحة في اليمن.
تراجع نسبي للأوبئة في الأعوام الماضية
منذ 2010م والجهود الصحية التي تقودها وزارة الصحة وشركائها من المنظمات الصحية الدولية تتواصل من أجل القضاء على البلهارسيا الملاريا وحمى الضنك وهي تلك الأمراض التي تعتبر المياه الراكدة سببا رئيسيا في انتشارها. حيث نُفذت في ريمة العديد من الحملات الصحية لمكافحة البلهارسيا والديدان المعوية والملاريا وحمى الضنك، كان أخرها الحملة الوطنية للتخلص من البلهارسيا والديدان المعوية في ابريل 2018م، والتي استهدفت بحسب احصائيات مكتب الصحة 36 ألف طفل وطفلة، وهو عدد قليل مقارنة بالأعوام السابقة. إضافة إلى العديد من الحملات التي نفذها مكتب الصحة لتوزيع الناموسيات للحد من انتشار الملاريا وحمى الضنك.
إعلان حالة الطوارئ الصحية في “ريمة”
رغم الانخفاض الملموس في عدد الوفيات والمصابين بأمراض البلهارسيا والملاريا وحمى الضنك خلال الأعوام القليلة الماضية، إلا أن الحرب وظروفها أدت إلى تدهور القطاع الصحي وانتشار الأوبئة والأمراض بشكل يثير القلق لدى المختصين.
حيث أعلنت وزارة الصحة العامة والسكان اليومين الماضيين بصنعاء حالة الطوارئ الصحية لمواجهة حمى الضنك والملاريا في العديد من المحافظات، من ضمنها محافظة ريمة كأحد المحافظات المستهدفة، من خلال مكافحة الأوبئة ونواقل الأمراض هناك.
وأوردت الاحصائيات أن عدد الوفيات بحمى الضنك قد بلغ 62 حالة مقابل نحو 23 ألف إصابة بالمرض، فيما زاد عدد الإصابات المؤكدة بالملاريا عن 16 ألفا، فضلا عن عشرات آلاف الاشتباه بالإصابة منذ بداية العام الجاري.
الوقاية خير من العلاج
وتعتبر محافظة ريمة من المحافظات اليمنية التي ينتشر فيها مرض البلهارسيا وحمى الضنك والملاريا، وذلك نتيجة لعدة أسباب أبرزها قلة وعي المجتمع بخطورة هذه الأمراض وطرق انتشارها، والوجود الكبير للسدود والحواجز المائية الراكدة والتي عادة ما تتحول إلى مستنقعات للأوبئة التي من السهولة انتقالها إلى أفراد المجتمع خصوصا فئة الأطفال.
يقول الدكتور محمد الحميدي أخصائي طب عام: “إن حمى والملاريا والبلهارسيا أمراض خطيرة وسهلة الانتقال، وقد تصيب الإنسان لدى سباحته أو عند استعماله لمياه غير آمنه سواء كانت عذبة أو غير عذبة أو من خلال تعرضه لإحدى النواقل لتلك الأوبئة كالذباب والنامس وغيرها”. مؤكدا أن توعية المجتمع بخطر هذه الأوبئة والأمراض وطرق مكافحتها وكيفية عزل المستنقعات المائية التي تنشأ فيها، يمثل خطوة أساسية في طريق القضاء عليها والحد من انتشارها بين أبناء المجتمع، كون الوعي من أبرز الحلول التي يمكن أن تحد من انتشار أي مشكلة صحية قد تغزو حياة الإنسان.