تعليم الفتاة في ريمة.. أحلامٌ يُحاصرها واقع الحرب

فتاة في مديرية مزهر تساعد والدتها في تربية الابناء
‏  7 دقائق للقراءة        1353    كلمة

تستعيد سماح الريمي (اسم مستعار) ذات الرابع عشر من العمر – وهي إحدى فتيات قرية الحدادة بمديرية الجبين بريمة – أنفاسها بعد صعود مرتفع شاهق وعلى ظهرها حزمة حطب يبلغ وزنها قرابة 19 كيلو جرام وتقول: قُلك لابي شيك ارجع ادرس بالمدرسة (أريد العودة للمدرسة). فقال لي: “منو شًهدا لأمك الحطب غيرك؟ وقد احنا فرحنا انك بتجلسي تعاونيها” (من سيقوم بجلب الحطب لوالدتك غيرك، ونحن قد سررنا انك ستمكثين في البيت لمساعدتها).

وتضيف سماح لـ”ريمة بوست”، عقب إنقطاعها القسري عن المدرسة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول من عام 2018م صارت تشتاق للفصول الدراسية لكنها لا تستطيع عمل أي شيء، كون قرار إنقطاعها عن المدرسة كان من شقيقها الذي يكبرها بخمسة أعوام، والذي أسند إليها مهمة التحطيب (قطع سيقان الأشجار واستخدامها بديلاً عن الغاز) بعد مغادرته إلى بلاد المهجر بحثاً عن العمل الذي يوفر من خلاله احتياجات الحياة.

مدارس مشتركة ورفض مجتمعي

تقول الأستاذة سامية الضبيبي مديرة ادارة تعليم الفتاة بمكتب التربية والتعليم بالمحافظة: أن وجود المدارس المشتركة بين البنين والبنات، مثّل عائقاً يحول في الغالب دون التحاق الفتيات بالتعليم نتيجة رفض أهاليهنَ وذويهنَ لفكرة اختلاطهن بالفتيان في فصول الدراسة، سيما في ظل العادات والتقاليد التي لها الصوت الأكبر في تشكّل الوعي لدى الأهالي.

أنفو جرافيك توضيحي

وتبيّن إحصائيات واردة من مكتب التربية والتعليم أن إجمالي عدد المدارس الخاصة بالإناث في عموم مناطق المحافظة لا تتجاوز14 مدرسة، من واقع 482 مدرسة مختلطة للجنسين. ويفيد العزي جبران مدير الخارطة المدرسية لـ “ريمة بوست ” أن المرحلة الثانوية تُدرّس في 25% من اجمالي عدد مدارس المحافظة، وقد بلغ عدد المعلمات في المحافظة 488 معلمة بنسبة لا تتجاوز 10% من إجمالي عدد المعلمين بريمة.

وتُشكّل العادات والتقاليد عاملا رئيسيا في تكوين رؤية الإنسان للقضايا المختلفة في مناطق ريمة خصوصاً تلك البعيدة عن الخدمات والمرافق التعليمية والمعزولة على قمم الجبال، حيث يمارس الناس حياتهم بنمط إجتماعي خاص ومكتسب لكنه يلقي بظلاله سلباً على حياة الفتيات والنساء، حيث لا يحبذ الناس في هذه المناطق تعليم الفتيات في المدارس المشتركة (المختلطة)، بينما يكتفي البعض بتعليمهن لمراحل دراسية محددة، إضافة إلى آخرين يرفضون تماماً فكرة تعليم الأنثى.

طرقات وعرة ومسافات بعيدة

وقد شكّلت الطرقات الوعرة والمسافات البعيدة عائقا أمام وصول الفتيات إلى المدارس التي تبعد كثيرا عن منازلهن، إذ يقطعنَ مسافات طويلة مشياً على الأقدام، يصل بعضها إلى ما يقارب ساعة وأكثر، وهو الأمر الذي أدى إلى عزوف بعض الأسر عن إلحاق بناتهم بالفصول الدراسية البعيدة عنهم خصوصاً الثانوية، كما شكّل رفضا مجتمعيا لديهم، بحسب للناشط الحقوقي خالد الناصر.

ويضيف الناصر لـ”ريمة بوست”، أن امتناع الآباء عن السماح لبناتهم للالتحاق بالمدرسة يعود لواحدة من الأسباب الرئيسية وهي بُعد المسافات ووعورة الطرق التي تُعيق وصولهن دون أي أذى، سيما أن حوادث سقوط فتيات صغيرات من أعالي المنحدرات الجبلية في سنوات سابقة مثّل مصدر قلق لدى الأهالي.

وفي مقابلة صُحفية مطلع فبراير/شباط من العام الحالي دعا محافظ ريمة فارس الحباري المنظمات العاملة في اليمن إلى تكثيف نشاطها في ريمة، وإعتماد مشاريع تنموية لإصلاح الطرقات التي تعدُّ الشريان الرئيس لوصول المساعدات الإغاثية إلى كل مناطق ريمة والتخفيف من معاناة السكان أثناء التنقل.

إلى ذلك، كشفت احصائيات رسمية، أن أعداد الفتيات الملتحقات بالمرحلة الثانوية العام الماضي بمدارس ريمة لم يتعدى 3 آلاف و700 طالبة، مقارنةً بأكثر من 8 آلاف و 100 طالب التحقوا بالمرحلة ذاتها في العام ذاته، ما يبرز اتساع الفجوة بين الطلاب الملتحقين بالمدارس من الجنسين.

غربة قسرية عن المدرسة

تكاد آمال الفتاة بالتعليم في مناطق ريمة أشبه بأحلام يحاصرها واقعٌ اقتصاديٌ واجتماعيٌ بائس، في ظل هجرة معظم الأبناء إلى دول المهجر بغرض العمل، بعد أن أضحى غالبيتهم عاطلون عن العمل في ريمة، وتحمّل شقيقاتهم أعباء منزلية وأخرى تتمثل في الرعي وجلب الماء والحطب، على حساب الانقطاع عن المدرسة بصورة نهائية.

في حديث لـ”ريمة بوست” تقول سامية الضبيبي – مديرة ادارة تعليم الفتاة بمكتب التربية بالمحافظة، إن أعداد الفتيات الملتحقات بالتعليم يتقلّص بشكل مخيف في مرحلتي الاعدادية والثانوية مرجعةً الأسباب إلى التردي الاقتصادي للأسر، والذي يجعل الفتاة منشغلة بالمهام المنزلية والتحطيب وجلب الماء، وعدم قدرتها على الذهاب إلى المدرسة، حتى سادت بين الأهالي مقولة شعبية “المرأة مالها إلا ديتمها ” والديمة هُنا مكان متواضع لطهي الطعام باستخدام سيقان الأشجار بدلاً عن الغاز.

وتشير إحصاءات تربوية أن عدد الملتحقات الإناث بالمرحلة الأساسية العام المنصرم 39 ألفا و 500 طالبة، فيما التحق 56 ألفا من الطلاب الذكور في المرحلة ذاتها، وهو ما يؤكد تقلص عدد الفتيات الملتحقات مقارنة بالذكور، الأمر الذي يدعو إلى تعميم حق التعليم للجميع وبذل الجهود لتشجيع الفتيات على الالتحاق به.

جهود مُثمرة في تمكين النساء والفتيات

على مدى الفترات الماضية وحتى الآن بذلت جهود مُثمرة  لتمكين النساء والفتيات تعليمياً واقتصادياً واجتماعياً عبر مشروع المساحات الآمنة للنساء والفتيات التي تنفذه مؤسسة ريمة للتنمية والاستجابة الإنسانية بالشراكة مع اتحاد نساء اليمن، بدعم وتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان في سلسلة أنشطة يقول القائمون عنها أنها جاءت تلبيةً لاحتياجات الفتيات والنساء بريمة كمنطقة نائية بحاجة إلى التمكين والتوعية حول آثار حرمان الفتيات من التعليم، وتمكينهن من خلال دورات محو الأمية والمهارات الحياتية المتنوعة بين الخياطة والتطريز والنقش والكوافير، إضافة الى جلسات التوعية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي لعب دوراً في حرمان جُل الفتيات والنساء من التعليم في مناطق ريمة كافة، وتقول نجوى محمد علي مديرة المشروع: في ريف اليمن وتحديداً ريمة يوجد للحرب ضحايا منسيون بحاجة للوقوف الى جوارهنَ فقد تضاعفت مآسيهنَ وتمكينهن هو الحل الأمثل لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة العادلة بين المرأة والرجل.

 

فتيات يتلقنَ دروس في اللغة الانجليزية في المساحة الآمنة /كمال الشاوش ريمة بوست©

وبلغ العدد الاجمالي للمستفيدات من المشروع 9 آلاف و 607 مستفيد حتى شهر سبتمبر2019م بحسب مؤسسة ريمة للتنمية ، وتنوعت الخدمات بين خدمات نفسية وقانونية وتمكين اقتصادي وأنشطة لفصول محو الأمية، وهي جهود تسعى للتخفيف من حرمان الفتيات بريمة من عدة حقوق أبرزها التعليم

 

 

في السياق ذاته، تشير مديرة تعليم الفتاة سامية الضبيبي لـ”ريمة بوست”، أنه سيتم صرف سلة غذائية لكل طالبة هذا العام من قبل المنظمات العاملة في ريمة كمساهمة لتخفيف الأعباء المعيشية عن أولياء الأمور والأسر التي ترزح تحت خط الفقر، وتشجع فتياتها على الالتحاق بالمدارس آمله الدعم من الجمعيات المحلية والمغتربين لدعم الفتيات بالزي المدرسي ودعم المدرسين الذين يعملون بحوافز تقدمها اليونيسيف لهم نتيجة انقطاع الرواتب بسبب الحرب في البلاد.

وشهد عام 2018 انقطاع أكثر من 17 ألف فتاة من المدارس، وهو ما نسبته 31% من إجمالي الفتيات اللواتي أعمارهن بين 6-14 عاماً، في حين تفتقر أغلب مناطق وقرى ريمة إلى كوادر صحية وطبية من النساء نتيجة عدم التحاقهن بالتعليم.