في يوم المرأة العالمي.. التحطيب يهدد حياة نساء ريمة

‏  8 دقائق للقراءة        1525    كلمة

لم أكن أعلم ان هذا الفأس هو ما سيبقى من ذكريات ذلك اليوم الذي ذهبت فيه أمي للجبل ولم تعد إلا جثة هامدة على أكتاف الرجال “.

بهذه الكلمات يشرح أحمد قصة أمه لريمة بوست” التي سقطت في مارس 2022 في جبل عزان في مديرية السلفية  أثناء التحطيب، أم أحمد “38” عام خرجت كعادتها مع صديقتها سعاد للتحطيب وهي لا تعلم أنه يومها الاخير في هذه الحياة وان تلك الحزمة من الحطب التي تذهب يوميًا لجمعها من أجل تأمين احتياجاها  لعملية الطبخ بشكل مستمر نتيجة عدم توفر الغاز في المناطق الريفية بشكل كاف ستكلفها حياتها، تقول “صديقتها سعاد لريمة بوست ” وصلنا الى قمة الجبل عند الساعة السادسة والنصف وبدأنا بجمع الحطب وتقطيعه وعند التاسعة تزحلقت قدم أم احمد من على صخرة صغيرة فسقط جسدها الارض وكان في استقبالها جذع شجرة مغروس في الارض اصابها في صدرها مما تسبب في نزيف حاد وأدى الى وفاتها على الفور.

روتين

مريم احمد “23” فتاة ريفية كغيرها من فتيات الريف اعتادت على الذهاب مبكرًا في عملية جلب الحطب, الرابعة فجرًا صباح كل يوم تذهب مريم برفقة صديقاتها على شكل اسراب يسابقن مآذن الجوامع وأشعة الشمس للحصول على الحطب في ظل الاجواء الباردة  وقبل ان ترتفع أشعة الشمس عاليًا وتزداد درجة الحرارة, ليقمن بعد ذلك بجمع الحطب بخطوات متسارعة لان طريق العودة امامهن طويلة ما يقارب  اربعة كيلو ذهابًا وايابًا ولا يزال العديد من اعمال المنزل تنتظرهن كإعداد الطعام للأسرة واطعام الحيوانات.

 

تعود مريم وصديقاتها محملات بحزم مستديرة من الحطب يتروح طولها ما بين المتر الى المتر والنصف, وبقطر يتراوح ثمانون سنتيمتر, ويبلغ وزن هذه الحزمة ما يقارب   ( 20_30) كيلو جرام, تضع العديد من النساء قطعة مستديرة من القماش على الراس وأسفل حزمة الحطب للوقاية من الضرر الذي من الممكن ان تتسبب به الحزمة لرأس المرأة, في طريق العودة للمنزل وعند اكتمال الجميع من عملية التحطيب يسرن بشكل موحد والجميع يردد بعض من الاهازيج المعتادة التي تخفف على النساء مشقة الطريق, حتى يصلن اماكن معلومة للجميع تسمى “المرابيخ” في هذا المكان تجلس فيه النساء لأخذ قسط من الراحة وتناول بعض من كسرات الخبز و الشاهي  والماء التي تحتفظ بهما النساء في أكياس وتخبئهن في هذا المكان “المرابيخ” حتى العودة عند الساعة العاشرة صباحًا.

 

شلل دائم

م.ن “اسم مستعار” 45 عامًا احد سكان مديرية السلفية امرأة كغيرها من نساء المديرية تصحو منذ الصباح الباكر تعد الطعام لأسرتها وبعد ان يذهب ابنائها للمدرسة تنطلق نحو الجبل لجمع الاحطاب, قبل 11 عامًا بالتحديد في أكتوبر من العام 2012 كعادتها اتجهت نحو الناحية الشمالية من القرية مع بعض النساء من اجل التحطيب الساعة العاشرة صباحًا صرخات تدوي من أسفل منحنى الجبل ” ساعدونا انقذونا سقطت في الحيد” تسارع بعض الشباب ممن كانوا في الجوار للإنقاذ ولكنهم فوجئوا بالموقف منطقة خطيرة لا يستطيع النزول اليها لوعورتها   فاضطروا لطلب النجدة من القرية واحضار سلالم ولكن بسبب ضعف تغطية الهاتف المحمول في المنطقة لم يستطيعوا التواصل بالهاتف فذهب احد الاشخاص للاستغاثة مما ادى هذا الامر لتأخر عملية الاسعاف نزفت على اثرها كمية كبيرة من الدماء وبعد وصول المسعفين رفعوها من الجبل وحملت على نعش لمسافة تقارب 2 كيلو حتى القرية لتنقل بعد ذلك لاحد مستشفيات العاصمة وبعد اجراء الاشعة اتضح اصابتها بكسر في منطقة الحوض مما ادى الى اصابتها بشلل نصفي لتبقى صريعة الفراش حتى الان.

لدغات

المخاطر لا تقتصر على حوادث السقوط فقط, فالثعابين والعقارب السامة خطر آخر يهدد اليمنيات في الريف مع ارتفاع درجة الحرارة خلال فترة الظهيرة الى جانب التوسع في الاراضي الزراعية واستصلاحها في محيط القرى, الامر الذي ادى لهجرها لمناطق تواجدها ووفر بيئة مناسبة لانتشار العقارب والعقارب بشكل كبير وواضح في الطرقات والشعاب التي تعمل فيها النساء.

 

أروى “29” عام مديرية الجعفرية واحدة من عشرات الريفيات التي تعرضن للدغات الثعابين في محافظة ريمة,  تقول اروى في حديثها “لريمة بوست” وصلت الى منطقة تسمى “المغارب”  مع صديقاتي وكنا نقوم بجمع الحطب من أشجار السمر والسدر في أسفل الجبل وعند التاسعة كان صديقاتي قد اكتملن من ربط حزمهن وانا لم انتهي من تجهيز حزمتي فقررت ان تصعد الى اقرب شجرة السدر القريبة منها حتى تنتهي بشكل سريع وتلحق بصديقاتها ولكنها لم تكن تعلم أن هناك ثعبان متخفي وملتف حول غصن الشجرة وتضيف أروى في حديثها “لريمة بوست” صعدت لشجرة السدر وبدأت بقطع الاغصان وصديقتي سمر تساعدني بعملية التقطيع والرصف أسفل الشجرة وما ان بدأت بالنزول مسكت بأحد الاغصان وشعرت بجسم غريب ورطب نظرت للأعلى فاذا هو ثعبان أصفر اللون يتراوح طوله ما بين المتر الى المتر والنصف, حاولت ابعاد يدي من على جسم الثعبان ولكنه بلمح البصر لدغني في ساعدي الأيمن.

 

وتضيف: دب الرعب في جسدي وخارت يداي فسقطت على الارض مما أدى الى كسر في يدي اليسرى بسبب المسافة العالية. اسعفت أروى الى مستوصف الوحدة القريب من المنطقة بعد ان ربطت احدى النساء يدها حتى لا ينتشر السم لتتلقى الاسعافات اللازمة وتعود الى منزلها مقيدة اليدين.

 

وبحسب البلاغات الواصلة لمكتب الصحة العامة والسكان في محافظة ريمة فأن عدد الوفيات جراء السقوط او بلدغات الثعابين والعقارب 14 امرأة واصابة 48 بالإضافة الى ان هناك حالات سقوط كثيرة لم يقم الاهالي بالإبلاغ عنها او لم تصل الى المراكز الصحية بسبب الوفاة المباشرة.

أساسيات

كانت المدينة اليمنية هي الأسرع انتقالاً إلى الغاز كوقود بديل للخشب والفحم، ومن ثم ببطء وجد طريقه إلى القرى المحيطة بالمدينة، ثم القرى البعيدة، وصولاً إلى بعض القرى المتوغلة في ريفيتها. ومع ذلك لم يعتمد عليه سكان القرى اعتماداً كلياً، ولم يستغنون عن الحطب الذي يعد وقود الطهو السائد لدى كثير من الأسر الريفية التي تشكل ما نسبته 75 في المئة من سكان اليمن. خصوصًا بعد اندلاع الحرب في عام 2015 فقد اصبحت القرى تعتمد كليًا على الحطب بسبب عدم توفر الكميات الكافية من الغاز فيها ونتيجة ارتفاع سعره الباهظ والمكلف على ابناء القرى ووجوده بشكل مجاني مما جعل الاهالي يفضلون الحطب في استخدامهم اليومي.

 

تلتزم نساء مديرية السلفية في محافظة ريمة “جنوب غرب العاصمة صنعاء” على تحقيق الاكتفاء الذاتي للمنزل بكافة اشكاله, ويظهر ذلك من خلال الحرص واتباع الاعمال الروتينية اليومية للمرأة الريفية في جمع الحطب بشكل يومي وبالذات في فترة فصل الشتاء  لان المرأة في هذه الفترة تكون متفرغة بشكل تام لعملية التحطيب بسبب عدم وجود اي اعمال زراعية , ولان موسم الزراعة في اليمن يكون في فصل الصيف بسبب مناخ اليمن الذي يمطر صيفًا لوقوعه على خط الاستواء.

 

وتعتبر المناطق البعيدة او سفوح الجبال اماكن يسمح للجميع بالاحتطاب منها ولكن تعتبر المناطق القريبة غير مسموح لاحد بالاحتطاب منها الا للمالكين الى جانب, ونجد انه في بعض المناطق الريفية  يمنع الاهالي قطع الاشجار الخضراء لحماية الغطاء النباتي وفي محاولة للتخفيف من التصحر الذي يتزايد سنويًا ويحتصر التحطيب في هذه المناطق فقط على جمع الاغصان  اليابسة والمتساقطة فقط.

ليست للنساء فقط

ارتباط مهنة التحطيب بالمرأة الريفية لا يعني استبعاد الرجل من المشاركة في هذه العملية حتى وان كان بنسبة بسيطة جدًا الا ان هناك حالات لا يستطيع لها الا الرجل, مثل التسلق للأشجار المرتفعة او الشجر السميكة التي تحتاج لجهد اكبر في عملية التقطيع يتولاها الرجل لتميزه بالقوة والقدرة على تحمل الفأس لفترات طويلة, سعد عبدالله 30 عامًا احد الاشخاص العاملين في هذا المجال حيث يمتهن سعد هذه المهنة منذ ما يقارب عشرون عامًا يقول سعد: بدايتي كانت في مساعدة أمي في عملية تقطيع الحطب وأنا في سن الطفولة ليصبح بعد ذلك الامر مهنة أكتسب بها قوت يومي الى جانب مساعدة بعض أهالي القرية من ذو الدخل المنخفض الذين لا يستطيعون دفع الاجر اليومي ما يقارب ثلاثة الف ريال يمني اي (5.5دولار امريكي).

 

برغم قلة الاجر الذي يحصل عليه العامل في هذا المجال الا ان هذه المهنة خطيرة على العاملين فيها, احيانًا قد يتعرض للسقوط من أماكن مرتفعة من الاشجار او التعرض للدغات الزواحف أثناء صعود الشجر ويضيف “سعد”: انه قبل ثلاثة أعوام كان يعمل بأجر يومي لاحد الاشخاص في القرية وأثناء عملية التقطيع انكسر به احد الاغصان من تحت قدمه فسقط على إثرها مما أدى ذلك الا كسر في قدمه الايسر وبقاء على السرير ما يقارب ستة أشهر لا يستطيع  الحركة.

*تنشر هذه المادة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من مارس