“فارق الصرف”.. كابوس يلتهم أموال المواطنين

صورة تعبيرية
‏  5 دقائق للقراءة        838    كلمة

أدّى انهيار العملة اليمنية أمام العملات الأجنبية نتيجة الحرب القائمة منذ سبعة أعوام، إلى تفاقم الوضع المعيشي للسكان وارتفاع الأسعار بشكل كبير، غير أن ما زاد تلك المعاناة هو فارق أسعار صرف الريال بين المناطق التي تسيطر عليها حكومة الإنقاذ بصنعاء والمناطق الأخرى التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، الأمر الذي انعكس سلبًا على حياة الكثير من الأسر.

أسرة “أمينة محمد”، 53 عامًا، بريمة، واحدة من تلك الأسر التي شكّل لها فارق صرف العملة كابوسًا يهدد وضعها المعيشي، إذ أن دخلها المادي يعتمد في الأساس على المبالغ النقدية التي يرسلها أبنائها العاملين في محافظة مارب، التي تسيطر عليها الحكومة المعترف فيها دوليًا، الأمر الذي يتسبب باستقطاع ما يزيد عن 80% من تلك الحوالات، كرسوم تحويل وفارق الصرف.

منذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام، ضاق الحال بأمينة وزوجها العاطل عن العمل، وأسرتهم المكونة من 17 شخصًا، ما دفع أربعة من الأبناء للسفر خارج المحافظة بحثًا عن فرص عمل تساعد في توفير احتياجاتهم المعيشية، لينتهي بهم المطاف في محافظة مارب، وهناك بدأوا العمل في مجالات مختلفة، ليقوموا شهريًا بإرسال ما يجنوه إلى أسرتهم التي تعيش في ريمة، ما خفف عنهم وطأة الفقر ووفر لها الاحتياجات الضرورية.

كابوس فارق الصرف

لكن تقول أمينة، إن ذلك الوضع المستقر لم يستمر كثيرًا، فمع قرار منع العملة الجديدة عام 2019م، في مناطق سيطرة حكومة صنعاء واختلاف سعر الصرف بين العملة القديمة والعملة الجديدة، تدهور الوضع المعيشي للأسرة بسبب خصم مبالغ كبيرة كعمولات تحويل من مارب إلى ريمة، والتي تزيد غالبًا عن نصف المبلغ المرسل.

تضيف: “أحيانًا يضطر أولادي للعمل لمدة شهر من أجل جمع عمولة الإرسال، وشهرًا آخر من أجل جمع مبلغ الحوالة البسيطة التي ننتظرها بفارغ الصبر رغم أنها لا تغطي كل احتياجاتنا بسبب غلاء أسعار المواد الغذائية الأساسية وغيرها من الاحتياجات، وهذا الوضع تسبب بتفاقم معيشتنا وضاعف همومنا”.

إلى ذلك، يؤكد ضياء صالح، 31 عامًا، وهو عامل في أحد المطاعم بمدينة عدن، إنه توقف في ظل الوضع الحالي عن إرسال المال إلى أهله بريمة، بسبب شعوره أن راتبه يذهب سدىً إلى حسابات شركات الصرافة، في حين لا يصل إلى أسرته سوى 20% من نسبة المبلغ المرسل 120 ألف ريال، وهو الراتب الذي يتلقاه شهريًا نظير عمله في المطعم.

اختلاف سعر الصرف وارتفاع عمولة التحويل تسبب بمعاناة آلاف الأسر في ريمة وغيرها من الأسر الساكنة في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء، في حين يعمل عائلها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها شرعيًا، حيث وصلت نسبة عمولة التحويل مؤخرًا إلى ما يقارب 80% من مبلغ الحوالة، أي في حال إرسال 100 ألف ريال، يضطر المرسل لدفع 80 ألف ريال كعمولة تحويل.

أسباب وحلول

يوضح أحمد المعافا، خبير اقتصادي، أن ارتفاع فارق أسعار الريال اليمني مقابل الدولار في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء ومناطق سيطرة حكومة عدن، يعود إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية الناتجة عن عوامل الحرب القائمة منذ ما يقارب سبعة أعوام.

ويضيف، أن إغراق السوق المصرفية بالأموال ذات الطبعة الجديدة أدى إلى تراجع قيمتها أمام العملة القديمة، الأمر الذي دفع الجهات المعنية في صنعاء لمنع العملة الجديدة واعتبارها مزورة من أجل الاحتفاظ بأسعار الصرف بحدود 600 ريال للدولار الواحد، في حين يصل سعر الدولار الواحد في المناطق الأخرى ما يزيد عن ألف ريال يمني، حيث بلغ حوالي 1500 ريال مؤخرًا، ما فاقم معاناة السكان.

ويشير المعافا، إلى أن انعدام السيولة الأجنبية في اليمن بشكل عام، نتيجة توقف موارد النقد الأجنبي، خصوصًا المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا، تسبب بإنهيار للريال اليمني أمام العملات الأجنبية، إضافة إلى مضاربة الأسواق المصرفية بأسعار العملات في ظل انقسام البنك المركزي بين صنعاء وعدن، وضعف الإجراءات الاقتصادية الرسمية التي تساعد في الحفاظ على الاستقرار النقدي.

ويردف، أن خصم مبالغ كبيرة تحت مسمى عمولة إرسال أو فارق الصرف، انعكس على حياة الناس وأقواتهم، لا سيما العاملين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا، والذين يضطرون لدفع مبالغ مالية كرسوم تحويل تقارب مبلغ الحوالة، في حين تعاني أسرهم من وصول الفتات فقط من تلك الحوالات التي تمثل لهم حبل نجاة ينقذهم من جحيم الفقر.

ويرى خبراء اقتصاديون، أن عودة استقرار الوضع النقدي في اليمن بحاجة إلى تكريس الجهود لتجنيب الاقتصاد آثار الصراع والحرب، وعودة البنك المركزي للعمل تحت سياسة نقدية موحدة ووقف طباعة العملة دون غطاء أجنبي، إضافة إلى إعادة تشغيل الموارد التي توفر سيولة أجنبية إلى ميزانية البلد ووضع الاصلاحات الاقتصادية التي من شأنها الحفاظ على قيمة الريال اليمني.

لكن يبقى السؤال الأبرز قائمًا، حول ما تكابده أمينة وأسرتها وغيرها من الأسر اليمنية بسبب ارتفاع رسوم الحوالات النقدية المرسلة إلى مناطق حكومة صنعاء، فهل سيأتي اليوم الذي تصل فيه الحوالة المالية إليهم كما تم إرسالها بالفعل أم ستظل حياة أسرتها وحياة الكثير من الأسر مرهونة لظروف اقتصادية صعبة وتعقيدات لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل.