ارتفاع الأسعار قُبيل رمضان.. تعددت الأسباب والغلاء واحد

صورة تعبيرية
ارتفاع الأسعار قُبيل رمضان.. تعددت الأسباب والغلاء واحد
‏  6 دقائق للقراءة        1172    كلمة

بإطراق من حاصرته هموم الحياة يجلس الخمسيني عبده أحمد، بجوار أحد المحلات التجارية بمركز محافظة ريمة “الجبين “، بعد أن اشترى بضع متطلبات شهر الصوم واستنفد كل ما بحوزته من المال دون توفير كل الضروريات التي دونتها عائلته في قائمة الطلبات.

مع حلول شهر رمضان المبارك لهذا العام 1442هـ، بدت معاناة المواطنين مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية في صورة بائسة وحزينة، تجسدها وجوه من وصلوا إلى الأسواق التجارية بقائمة احتياجات طويلة ولكنهم عادوا إلى منازلهم بقليل من الأصناف الغذائية، وهم المحظوظين مقارنةً بآخرين غيرهم ليس في يدهم مالا أو قائمةً للطلبات.

“زادت الطين بله”

يعتمد المواطن عبده أحمد على مبالغ مالية ضئيلة يرسلها نجله المغترب في المملكة الأردنية الهاشمية، التي اختارها كملتجئ أخير لطلب الرزق واسناد أسرته، خصوصًا أن والده موظف حكومي مُتقاعد لا يتقاضى راتبه التقاعدي بشكل دائم ومنتظم. في حين أن ما يتلقاه عبده من حوالات مالية من ولده لا تصمد كثيرًا أمام ضروريات العيش طوال العام بيد أن ارتفاع الأسعار قًبيل رمضان زاد الطين بله.

في حديثه لـ “ريمة بوست” يقول عبده: “استملت 50 دولار حوالة من ابني الذي يشتغل(يعمل) في الأردن، ورحت (ذهبت) اشتري احتياجات رمضان الضرورية ولكن لأن كل شيء غالي، استطعت فقط شراء الدقيق والرز”.

ويضيف الرجل، أن بالرغم من أن الأسعار ليست بالمنخفضة طوال العام إلا أنها تجد بيئتها الخصبة للغلاء مع اقتراب الشهر الفضيل، وزيادة اقبال المواطنين لشراء حاجيات رمضان سيما وأن بعض الأسر تعود من محافظات أخرى لقضاء الشهر برفقة أسرها في ريمة، وهو الأمر الذي يضاعف كمية المتطلبات التي يحتاجونها.

لكونه موظف حكومي متقاعد لا يتقاضى راتب شهري سوى عشرين ألف ريال يمني (34$) في كل ثلاثة أو أربعة أشهر بسبب الحرب، تبدو مشكلة غلاء الأسعار تثقل كاهل “عبده أحمد” في وقت لا يستطيع نجله المغترب في الأردن توفير سوى 50 دولار، نتيجة انتشار جائحة كوفيد19 بموجتها الثانية، والتي تسببت في تدني دخله المالي وتأخر صرف راتبه، لتبدو حاجة والده وأسرته غير مقضية أمام متطلبات الشهر الكريم وارتفاع أسعارها. وهو أمر تتشارك همّه العديد من الأسر في كافة مديريات محافظة ريمة، والتي تعتمد على دخل ذويها المغتربين في الدول العربية والخليجية في ظل تأثيرات كورونا “الاقتصادية” على المؤسسات التجارية والعاملين فيها وتأثيرات الوباء على الحياة العامة في عموم الدول التي فتك الوباء بساكنيها.

روحانية رمضان ومواجهة الغلاء

كبقية اليمنيين يغدو شهر رمضان ملاذًا روحانيًا للمواطنين في محافظة ريمة (غربي اليمن)، إذ يحتفون به وبطقوسه الدينية التي تخلق في نفوسهم مشاعر ايمانية بهيجة، غير أن استعدادات استقبال هذا الشهر وما يرافقه من ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية التي اعتاد الناس على شرائها؛ ينغّص هذه الأجواء الرمضانية.

فقد شهدت الأيام القليلة الماضية ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المواد الغذائية الأساسية، ما فاقم معاناة المواطنين، حيث ارتفع سعر الكيس الدقيق الأبيض (السنابل) سعة 50 كيلو من 14 ألف ريال إلى 17 ألف ريال، فيما سجل كيس الدقيق العادي 14 ألف ريال، مقارنة بـ 12 ألف قبل رمضان، كما بلغ سعر الكيس الرز عبوة 10 كيلو 10 آلاف ريال في حين كان سعره 8 آلاف ريال، والأمر ذاته مع كيس السكر عبوة 10 كيلو، فيما وصل سعر الدبة الزيت النباتي سعة 20 لتر، إلى 21 ألف ريال.

"<yoastmark

عند عودتها من السوق وفي يدها كيس بلاستيكي بداخله مواد غذائية، لا تخفي آمنة الحود، 46 عامًا، استياءها من غلاء الأسعار المفاجئ الذي أفسدت مشاعر البهجة لديها بقولها: “نستعد لرمضان بهموم كبيره بدل أن ننتظره بخير وروحانية. أصبحت لقمة العيش همّ بالنسبة لنا. ذهبت لأشتري احتياجات رمضان ولكن فوجئت بارتفاع في أسعار المواد الغذائية فهناك اضافه 200 ريال أو 300 فوق كل شيء. الألف الريال أصبح صعب علينا، أين سيذهبون من أرحم الراحمين؟”.

وتواصل، أنها تذهب إلى السوق وتعود بالقليل من الاحتياجات بسبب الغلاء قبل رمضان، في حين أن مخزن المواد الغذائية في المنزل شبه فارغٍ، في اشارة منها الى انعدام الرواتب بقولها: “لا يوجد رواتب تغطي احتياجاتنا ودخل أولادي لم يعد يكفي يومنا لأن عائلتي كبيرة ونستهلك الكثير من الغذاء، لذلك أصبحنا لا نأخذ غير المواد الغذائية الأساسية”.

ذات الوضع الصعب تعيشه الخمسينية الأرملة فاطمة أحمد وبناتها الست، إذ لم تستطع شراء احتياجات رمضان من المواد الغذائية، بعد استلامها 30 ألف ريال (50$)، نصف راتب زوجها، لتخلو سفرة الأم وبناتها الست من أصناف كثيرة، بفعل ما تراه استغلال من قبل التجار ويراه آخرون بسبب عدة عوامل تسببت بها الحرب والحصار على ميناء الحديدة تحديدًا وهو الشريان الاقتصادي للعديد من محافظات اليمن.

المشتقات النفطية

يجلب تجار مديريات ريمة بضائعهم من محافظات أخرى كالحديدة وصنعاء حيث يتوفر مصانع للعديد من الأصناف الغذائية، غير أن الوصول إليها مكلفٌ بسبب ارتفاع تكاليف النقل، التي تزداد مع انعدام المشتقات النفطية بالسعر الرسمي (5900 ريال) لـ 20 لترا، في حين يصل سعرها في السوق السوداء إلى أكثر من 15 ألف ريال يمني (25 دولار أمريكي) في حال توفر. أما في بعض الأحيان تتوقف شاحنات النقل لأيام لعدم وجود مادتي الديزل والبترول، حيث يقول كمال الوادعي، 43 عامًا، وهو أحد تجار محافظة ريمة: إن ارتفاع الأسعار له أسباب عديدة، أبرزها انعدام المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، وإعادة جمركة البضائع لأكثر من مرة، وهو أمر يتأثر به جميع المستهلكين في المناطق اليمنية، إضافة إلى أن ارتفاع سعر الصرف الدولار وتأرجح قيمته في السوق المحلي زاد الأمر كلفة في وقت يدفع التجار العديد من الرسوم والضرائب وكل ذلك ينعكس سلباً على المستهلكين.

وعن الدور الحكومي في الرقابة على الأسواق بريمة، يؤكد محمد المنتصر مدير عام مكتب الصناعة والتجارة، إن المكتب يسعى جاهدًا وبحسب الإمكانيات المتاحة للرقابة على الأسواق وضبط المتلاعبين بالأسعار من خلال الحملات الميدانية منذ أواخر شهر شعبان وخلال أيام رمضان.

ويضيف في حديثه لـ “ريمة بوست” أن المكتب يعاني من العديد من الصعوبات التي تحول دون الوصول إلى كل الأسواق، موضحًا أن معظم الأسواق في ريمة، أسواق شعبية وغالبًا ما تكون يومية، إضافة إلى صعوبة الانتقال إلى معظم المناطق الجبلية التي يتطلب أمر النزول إليها لتكاليف باهضة.

وازداد ملف المشتقات النفطية تعقيداً في ظل عدم منح الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا التصاريح للسفن القادمة إلى ميناء الحديدة، حيث قالت شركة النفط اليمنية في صنعاء يوم أمس الجمعة 16نسيان/ ابريل 2021 على حسابها في تويتر أن التحالف السعودي الاماراتي ما يزال يحتجز 9 سفن نفطية بحمولة اجمالية” 226,043″ طن من الوقود ولفترات متفاوتة وصلت في أقصاها إلى أكثر من اربعة أشهر قبالة سواحل جيزان.