مزارع الدواجن ببلاد الطعام تشرّد الساكنين

نفايات الدجاج النافق بالقرب من الأراضي الزراعية في بني الخولي ببلاد الطعام
نفايات الدجاج النافق بالقرب من الأراضي الزراعية في بني الخولي ببلاد الطعام
‏  8 دقائق للقراءة        1535    كلمة

في منتصف شهر مارس/آذار المنصرم 2021م، استقر الحال بصالح الحكمي، 41 عامًا، وأسرته في العيش في شقة بالإيجار في مدينة معبر بمحافظة ذمار، بعد أن أُجبر على ترك منزله الواقع في عزلة بني الخولي في مديرية بلاد الطعام بريمة، نتيجة تضرره وتضرر أراضيه الزراعية من بناء مزرعة لتربية الدواجن بالقرب منهم “دون اعتبار لحقه في العيش الكريم في بيئة صحية وآمنة من الأمراض” حد قوله.

ويضيف الحكمي لـ “ريمة بوست” أنه عارض بناء تلك المزارع منذ البداية كونها تسبب الضرر عليه وعلى العديد من التجمعات السكنية في القرى المحيطة بسوق بني الخولي، غير أن مالكها المستثمر (م.م) رفض التوقف عن البناء، بل قام بالتوسع في تشييد الهناجر على حساب أراضي زراعية اشتراها من بعض المواطنين الذين لم يكونوا يعملوا أنها ستتحول إلى هناجر للدواجن، حد قوله.

ما يقارب 200 متر هي المسافة التي تفصل منزل المواطن “صالح الحكمي” عن هناجر الدواجن التي يمتلكها “بن معوضه” الذي يريد تشييد هناجر أخرى على حساب الأرض الزراعية التي تعود ملكيتها للمواطن صالح، غير أن الأخير رفض بيعها رغم الاغراءات، إذ أن بيعها سيجعل من هناجر الدواجن بالقرب بأمتار قليلة من منزله، ما سيضاعف الأضرار من حولهم، بحسب الحكمي.

بعد أن لاقى صعوبات ورفض متكرر من قبل ذلك المستثمر المستمر في تشييد الهناجر دون امتناع، اضطر “صالح” للتحرك واللجوء للجهات الرسمية لوضع حد لمعاناته ومعاناة المواطنين المتضررين في منطقتي ربوع بني الخولي والمسخن، فأصدر محافظ المحافظة مذكرةً إلى مدير مديرية بلاد الطعام في يوليو المنصرم 2020م، تنص على اتخاذ الإجراءات اللازمة ومنع بناء مزارع الدواجن بالقرب من المناطق السكانية إلا على بعد 2 كيلو متر من مساكن المواطنين.

بالرغم من ذلك الأمر الصريح بمنع بناء مزارع الدواجن بالقرب من مساكن المواطنين، إلا أنه لم يتم تنفيذه ولم يتم إيقاف العمل في تشييد مزرعة الدواجن التي تقع بالقرب من منزل “صالح” والذي يُرجع عدم امتناع المستثمر عن العمل إلى التقاعس، قائلا: “عندما يضخ فلوس لبعض المسؤولين أو المعنيين، تحصل العرقلة”.

استنادًا إلى الأمر الذي أصدره محافظ المحافظة فارس الحباري، قام “صالح” بمحاولة إيقاف العمل في بناء مزرعة الدواجن التي تقع بالقرب منه، غير أنه قوبل بالرفض والاعتداء، إذ يقول بحرقة في مناشدة نشرها في حينه “حينما حاولت منعهم قاموا بالتهجم عليّ ومنعي مع العشرات من المسلحين، ولولا عناية الله سبحانه وتعالى لكنت الأن فقدت نفسي كما فقدت حقي وأرضي”.

ويضيف مناشدًا: “أوجه مناشدتي إلى كل الرجال الشرفاء الذين لا يرضون بالظلم من أبناء عزلة بني خولي والمسخن وعزلة بني عمر وباقي بقاع وعزل بلاد الطعام وكل فرد في محافظتي ريمة، أسألكم بالله والرحم والدم والعرض، والشرف الغالي، بأن تساعدوني بالدفاع عن حقي المشروع بالحياة بأرضي وأرض اجدادي، من الأشخاص الدخيلين الذين أصبحوا يعيثوا في مديرتنا فسادا، مشترين الأنفس الضعيفة بقليل من الريالات التي فضحتهم أكثر مما سترتهم، وعرّتهم أكثر مما ألبستهم”.

أضرار مختلفة

“الروائح الكريهة وحدها تتعب الواحد إلى داخل بيته، ولا حد قادر يمنعهم، المستثمرين استغلوا حاجة الناس للمال فاشتروا منهم مساحات وبنوا فيها هناجر للدواجن، هناجر الدجاج قريبة جدا من البيوت والأهالي يتضايقوا منها لكن ما بيدهم شيء”

الصعوبات التي لاقاها “صالح” والأضرار المختلفة التي طالت أسرته ومسكنه، دفعته للنزوح إلى مدينة معبر بذمار، تاركًا خلفه منزلاً تحاصره الروائح الكريهة والحشرات المنتشرة التي خلّفتها مزارع الدواجن المحيطة به. وهو الحال ذاته للعديد من المواطنين، وفقًا لمحمد زيد، 27 عامًا، أحد سكان منطقة ربوع بني الخولي، إذ يقول “كلنا متضررين من هذه المزارع التي لوثت البيئة، لأنهم يرموا مخلفات الدواجن جوار الأراضي الزراعية، ويجمعوا لنا الحشرات اللي تجلب الأمراض والأوبئة”. مشيرًا إلى أن الكثير من أبناء المنطقة اضطروا لترك منازلهم والنزوح إلى ذمار أو صنعاء، إثر توسع انتشار تلك المزارع التي أصبحت مصدر قلقٍ يهدد حياتهم.

ويضيف متأففًا مما يعانيه كل يوم أن “الروائح الكريهة وحدها تتعب الواحد إلى داخل بيته، ولا حد قادر يمنعهم، المستثمرين استغلوا حاجة الناس للمال فاشتروا منهم مساحات وبنوا فيها هناجر للدواجن، هناجر الدجاج قريبة جدا من البيوت والأهالي يتضايقوا منها لكن ما بيدهم شيء”. مُرجعًا ذلك العجز والسكوت إلى الوضع المادي الصعب “المواطن بالكاد يلقى ما يأكل مش قادر يمنع المستثمرين أو الوجهات والمشايخ الذي يوقفوا معهم عشان الزلط”.

أكياس مليئة بالدجاج النافق مرمية بالقرب من الأراضي الزراعية ومنازل المواطنين
أكياس مليئة بالدجاج النافق مرمية بالقرب من الأراضي الزراعية ومنازل المواطنين

في السياق ذاته، يقول عمار العمري، ناشط اجتماعي، إن المواطنون يعانون من وجود مزارع تربية الدواجن بالقرب من مساكنهم، حيث تتسبب تلك المزارع – حد قوله – بأضرار صحية مختلفة إضافة إلى تدمير البيئة الزراعية نتيجة لرمي المخلفات والنفايات بشكل عشوائي رغم أن بعض هذه المخلفات تتكون من مواد كيمائية، ما يؤدي إلى تلويث البيئة الريفية النظيفة.

ويشير العمري، إلى أن بعض هذه المناطق أصبحت أشبه بمكب النفايات لمزارع الدواجن، ما تسبب بمضايقة الأهالي وقيام بعضهم بالنزوح إلى مناطق أخرى، إذ ليس هناك من ينصفهم أو يراعي مصالحهم في العيش في بيئة نظيفة خالية من الأمراض، مؤكدًا على ضرورة تكاتف الأهالي لوضع حد لهذه المشكلة التي تؤثر سلبًا على السكان والبيئة بشكل كبير وعلى المدى الطويل.

وتؤكد صورٌ حصل عليها معدُّ التحقيق، ما أوردته شكاوى المواطنين حول انتشار المخلفات والنفايات التي تتركها مزارع الدواجن بالقرب من مزارعهم ومنازلهم، ما يؤثر على نظافة البيئة ويتسبب بانتشار روائح كريهة تضايق المواطنين الساكنين في القرى القريبة من تلك المزارع.

 

 

مخالفة للقانون

عن دور الجهات المعنية بتنظيم انشاء مزارع الدواجن، يوضح إبراهيم التكروري مدير عام مكتب الزراعة بريمة، إن المكتب تلقى شكوى من المواطن صالح الحكمي، حول تضرر مسكنه من بناء مزرعة لتربية الدواجن تتبع أحد المستثمرين (م.م)، ووفقًا للشكوى قام المكتب بتكليف مدير الصحة الحيوانية والترصد الوبائي، للنزول إلى بعض مناطق مديرية بلاد الطعام ورفع تقرير بتلك المزارع وأثرها على المواطنين.

ويؤكد في حديثه لـ “ريمة بوست”، أن بعد النزول الميداني لإدارة الصحة الحيوانية إلى بلاد الطعام، فقد أوضح التقرير أن هناك أعمال تشييد هناجر للدواجن بالقرب من منزل المواطن (الحكمي) ومنازل المواطنين على بعد مسافة لا تزيد عن 200 متر، وهو ما يؤكد أن انشائها في ذلك المكان مخالفة قانونية، بسبب أضرارها على السكان والبيئة في الوقت الحالي ومستقبلا.

ويقول التقرير الميداني الذي حصلت منصة “ريمة بوست” على نسخة منه، أن مزارع الدواجن تقع بالقرب من مساكن المواطنين ولا تبعد عن سوق ربوع بني الخولي المحاط بتجمعات سكانية، سوى ما يقارب 450 مترًا، الأمر الذي يخلف أضرار كبيرة أخرى. مشيرًا إلى أن تلك الأضرار تدفع الأهالي أحيانًا لمغادرة منازلهم إلى مناطق أخرى.

ويوضح التقرير، أن بناء مزارع الدواجن بالقرب من مساكن المواطنين يخالف قانون وزارة الزراعة والري رقم (27) لسنة 2004م، بشأن تنظيم وحماية الثروة الحيوانية، والذي ينص على بناء المنشآت الاستثمارية – مزارع الدواجن – وفقًا للشروط والضوابط الفنية المنظمة لذلك. وقد نص الشرط الثالث من شروط منح ترخيص انشاء مزرعة للدواجن على أن “يبعد الموقع المقترح لإقامة المزرعة، مسافةً لا تقل عن كيلو متر عن الأحياء السكنية”، في حين نص الشرط السابع على ضرورة “وجود الوسائل المناسبة للتخلص من النافق (حرق، دفن.. الخ)”.

بعض مزارع الدواجن المنتشرة في منطقة ربوع بني الخولي
بعض مزارع الدواجن المنتشرة في منطقة ربوع بني الخولي

إلى ذلك، يلفت التكروري مدير مكتب الزراعة، أن المكتب رفع التقرير الخاص بالقضية إلى الجهات المعنية في السلطة المحلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه الاعتداءات والأضرار التي لحقت بالمواطن (الحكمي)، إضافة إلى وضع حد للإنشاء العشوائي لمزارع الدواجن بالقرب من التجمعات السكنية ومنازل المواطنين وأراضيهم الزراعية.

بالمقابل لا يزال المواطن صالح الحكمي حتى اليوم يتابع القضية في مديرية الجبين من أجل انفاذ القانون لكي يعود للسكن في منزله في بني الخولي ببلاد الطعام، آملاً بالحصول على العدل والانصاف من قبل الجهات المعنية لاستعادة حقوقه المسلوبة.

وعن أضرار مزارع الدواجن ورأي ومُلاّكها، حاول معدُّ التحقيق الوصول إلى مروان معوضه، وهو مالك المزرعة التي تضرر منها المواطن الحكمي، إلا أنه لم يتجاوب أو يرد على هاتفه رغم انتظارنا لأكثر من ثلاثة أيام.