بالرغم من حلول عيد الفطر هذا العام في ظل وضع استثنائي نتيجة الحرب وآثارها إلا أن مظاهر البهجة تبدو جليةً في طقوس العيد المختلفة التي يمارسها الأهالي في ريمة بكل تفاصليها بعيدًا عن الصعوبات التي قد تكدّر بهجة العيد أحيانًا. وكغيرها من المحافظات تتنوع طقوس العيد في محافظة ريمة وتختلف مواقيتها سواء تلك التي يقوم بها الأطفال قبل العيد أو التي يتشاركها الجميع خلال أيام العيد.
“المناير”
للعيد في قلوب الأطفال فرحة غامرة تترجمها المظاهر والطقوس الفرائحية التي يمارسونها بشغفٍ طفولي متفرّد، حيث يقومون قبل العيد أي مساء أول يوم من عيد الفطر باستقباله بطريقتهم الخاصة عبر إشعال القناديل التي يصنعوها بأيديهم، على أسطح المنازل في طقس يسمى “المناير” أو “التنصير” في بعض مناطق ريمة. إذ يتم خلط الرماد بمادة “القاز” (الكيروسين) أو بمادة الديزل. ليتم بعدها صناعة كور صغيرة ورصها على حافة سطح المنزل بالتوالي واشعال النار فيها لتكوّن مشهد ليلي جميل.
ويأتي اسم “المناير” نسبة إلى إنارة المنازل من الخارج وبث البهجة في الجو العام احتفاءً بقدوم العيد، حيث تبدو القناديل المشتعلة في عين الناظر من بعيد كأنها أنجم متناثرة على الجبال والسهول فتجعل المنازل أكثر ألقًا وتلألأً. وتمارس هذه الطقوس العيدية منذ زمن بعيد، غير أنها بدأت بالتراجع مؤخرًا بسبب انعدام مادتي الكيروسين والديزل وارتفاع أسعارهما، وفقًا لعبده أحمد، 27 عامًا.
ويضيف عبده أحمد، مديرية الجعفرية، أن بالرغم من انعدام مادتي الكيروسين والديزل إلا أن الأطفال في معظم مناطق ريمة ما يزالون يحتفون بقدوم العيد من خلال إطلاق الألعاب النارية وإنارة المنازل من الخارج بالمصابيح الكهربائية التي تعمل بالطاقة الشمسية، خصوصًا خلال هذا العيد والأعياد القليلة المنصرمة. وهو ما يؤكده كمال الفلاحي، 25 عامًا، مديرية بلاد الطعام، بقوله: “الأطفال في بلاد الطعام ما زالوا يؤدون طقوس “المناير” ولكن بطريقة مختلفة”.
ويشير أن انعدام مادة القاز (الكيروسين) دفع الأطفال إلى ممارسة هذه الطقوس من خلال جمع أكوام الحشيش بالقرب من المنازل وإضرام النار فيها والتفاخر بمن ستظل شعلته وقتًا أطول، إضافة إلى إطلاق الألعاب النارية واللعب على ضوء تلك المشاعل، بينما يفضل آخرون القفز فوق شعلة النار والقيام بحركات استعراضية.
إلى ذلك لا يخفي “عبده” وهو عامل في السعودية، حنينه الكبير لتلك الطقوس الطفولية الجميلة التي ما يزال يشعر بتأثيرها على وجدانه “حين كنا أطفال كان للعيد بهجة وفرحة كبيرة. كانت مشاعرنا تعيش أجمل اللحظات التي لا يمكن نسيانها”.
صلاة العيد
صباح يوم العيد الاول يتسابق الجميع في الذهاب لأداء صلاة العيد في المساجد والاستماع إلى خطبة العيد التي غالبًا ما تتناول مواضيع دينية حول انقضاء شهر رمضان وحلول عيد الفطر وفضل الإنفاق فيه لفعل الخير كما تحث على التعاون والتراحم بين أبناء المجتمع خصوصًا في هذا الوضع الذي تعيش فيه بعض الأسر ظروف معيشية صعبة.
ما إن تنتهي خطبة العيد حتى يخرج الأهالي للسلام على بعضهم البعض وتبادل التهاني والتبريكات، وتتسم التجمعات السكانية في القرى والعزل بالترابط والعلاقات الاجتماعية الوثيقة كما لو أنهم أسرة واحدة، وهي سمة تتميز بها غالبية المناطق في محافظة ريمة، كما إن من الطقوس التي تمارس بعد صلاة العيد زيارة قبور الأقارب والأحبة.
يقول كمال الفلاحي، أحد شباب بلاد الطعام: “بعد السلام وتبادل التهاني يذهب العديد من الأشخاص إلى المقابر، كل واحد يزور فقيد له أو فقيده. يدعو لهم ولنفسه، ثم يقرأ عليهم الفاتحة ويناجي ربه بما تيسر أن يرحمهم ويغفر لهم ويجمعنا بهم في مقام الصالحين”. ليعد بعدها كل منهم إلى منزله لتناول الفطور.
“سلام العيد “
يضيف الفلاحي: “بعد تناول الافطار، تبدأ زيارات الأحياء، كل شخص يزور أقرباءه وقريباته حيث ينطلق البعض لوصل الأقارب. بينما يبقى البعض لاستقبال من سيزورنا من نفس الأقارب ومن حولهم، يتناولون مع بعض ما تيسر وتوفر من المشروبات (القهوة غالبا) ولكل بيت نكهته ونوع البن المفضل وطريقتهم الخاصة في غليها بحيث تميزها عن غيرها، إلى جانب ذلك تقدم المكسرات من الشوكولا والزبيب وما تيسر شراءه بحسب القدرة المادية للمواطن”.
وخلال الزيارات العيدية يقدم الرجال للنساء قريباتهم “سلام العيد” وهي مبالغ مالية تُعرف في بعض المحافظات الأخرى بـ “عسب العيد”، ودائمًا ما تكون الزيارات قصيرة في أول يوم للعيد، حيث يحاول البعض أن يزور كل أقاربه وقريباته في ذات اليوم، فيما يكون هناك زيارات في الأيام الأخرى من أيام عيد الفطر الذي يستمر لما يقارب عشرة أيام.
ومن الخصائص التي تميّز الأرياف عن المدن، بحسب عبد الرحمن العفيف، 31 عامًا، مديرية كسمة؛ أن بعد زيارة الأقارب صباح يوم العيد يقوم البعض بزيارة الأشخاص كبار السن والمرضى على مستوى القرية الواحدة للسلام عليهم والاطمئنان عليهم، إضافة إلى زيارة الفقراء والأيتام وتقديم ما تيسر من الصدقة.
طبول غائبة
بالرغم من حفاظ المجتمع في ريمة على الطقوس العيدية التي ورثوها من سابقيهم غير أن بعض هذه العادات والطقوس العيدية تلاشت بشكل شبه كامل، أبرزها بحسب الشاب عبد الرحمن العفيف، البرعة صباح يوم العيد “كنّا عندنا عادة سابقا خصوصا نحن الشباب، حيث نجتمع في ساحة كبيرة ويكون معنا “طبل” ونؤدي رقص البرعة مع بعض”.
ويرى العفيف أن هذا الطقس العيدي “البرعة” اختفى منذ ما يقارب سبعة أعوام بسبب سفر واغتراب غالبية شباب الريف في الداخل والخارج من أجل العمل وكسب لقمة العيش خصوصًا مع تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في الوطن وانشغال الجميع بظروف الحياة التي فرضت سطوتها المجتمع.
الطبيعة الخلابة
لم تكن زيارة المناطق الطبيعية ذات الطابع الخلاب من الطقوس العيدية التي يمارسها الأهالي في الماضي، إلا أنها خلال الأعوام العشرة الماضية بدأت بالانتشار بشكل كبير، حيث يقوم العديد من الناس خصوصًا الذي يقضون معظم حياتهم في المدن أو في دول الغربة بزيارة بعض الأماكن الطبيعية السياحية لقضاء أوقات ممتعة برفقة أصدقائهم وأقاربهم، كالشلالات المائية وبعض الأودية الزراعية وقمم الجبال.
ويفسّر عبد الرحمن العفيف، سبب هذه الطقوس الجديدة إلى شعور الناس بجمال الطبيعة الخلابة من حولهم بعد أن اعتادوا على العيش في المدن سواء داخل اليمن أو في الغربة “في مناظر طبيعية جميلة في كل المناطق وربما في كل قرية. لذلك الناس يذهبوا ليستمتعوا بالجو الطبيعي، ويأخذوا صور تذكارية في تلك اللوحات الطبيعية الخضراء”.
ويفضل الكثير من أبناء ريمة الذين يسكنون في المدن اليمنية أو مغتربين في الخارج، قضاء أيام العيد في قراهم ومناطقهم. حيث يقول كمال الفلاحي، طالب يسكن في صنعاء: “أقضي دائمًا العيد بين اهلي وقريتي ببلاد الطعام لأن الريف أجمل من حيث الجو المنعش والراحة النفسية بعيدا عن الضوضاء والاصوات الصاخبة”.
ويضيف: “نعمة الأمطار التي من الله بها علينا هذه العام في الأيام الاخيرة من شهر رمضان غيرت مظهر الحياة من حولنا وكَسَت جسد الريف الذي كان عاريا بالأشجار الخضراء وحولته إلى حديقة طبيعية نستمتع فيها ونقضي أوقات جميلة”.
هكذا يبدو العيد… تمتزج ابتسامات الأطفال والكبار في قرى وعزل محافظة ريمة خلال أيام العيد مشكّلين لوحةً فريدةً تجمع بين سعادتهم البالغة بهذه المناسبة الدينية العظيمة من خلال ممارسة طقوس العيد وانسجامهم اللافت مع البيئة الريفية الخلابة.