“أنا يمني وأسأل التاريخ عنّي.. أنا يمني. أنا كوّنتُ معينًا وسبأ، أنا من شيّد غمدان ومارب. وسأبني موطنًا وسأبني من جديد صائحًا يا أيها التاريخ، سجّل أنا يمني” بصوت مشبع بروح الثورة والجمهورية أدّى العميد إبراهيم طاهر البلول، أغنية “أنا يمني” في احتفال الذكرى الرابعة لقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة عام 1968م، وهي الأغنية الوطنية الثورية التي ما تزال تردد حتى اليوم، رغم وفاة قائلها قبل اثنى عشر عامًا.
عن فلسفة تلك الأغنية الثورية الوطنية، قال العميد الفنان إبراهيم طاهر – رحمه الله – في حوار سابق: “نشيد أنا يمني نشيد قوي يشهد له كل يمني، ولو كان لتلك المرحلة فقط – أي مرحلة ما بعد الثورة – لما تردد في كل مناسبة وسيظل يتردد مدى الحياة لأنه يتحدث عن حضارة وتاريخ اليمن وعن الإنسان اليمني وخلوده. صحيح كانت تلك الفترة، فترة حماس حيث عاصرت قيام الثورة ولكن هذا النشيد مرتبط بحياة الإنسان اليمني وسيبقى ما بقيت اليمن”.
العميد إبراهيم طاهر محمد البلول، ثائر جمهوري عتيد، وأديب وشاعر مناضل، جمع بين البندقية والفنّ في معركته ضد فلول الإمامة الكهنوتية أثناء وبعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر. ولد في منطقة البلول في بني مصعب بمديرية كسمة بمحافظة ريمة، عام 1945م، فكان يتيم الأب والأخ الأصغر بين أربعة أخوة أشقّاء وعشرين آخرين غير أشقّاء، فقد كان لوالده أربعة زوجات.
في ركاب الثورة الخالدة
تربّى إبراهيم طاهر في كنف أخوته الأشقّاء وانتقل مبكرًا برفقتهم للعيش في المملكة للعربية السعودية حيث كانوا يعملون، وهناك تلقّى دراسته الأساسية والثانوية والتحق بالكلية الحربية في الرياض. تشبّع بحب الوطن من أسرته التي عُرفت بولائها وارتباطها الوثيق بكل ما يرتبط باليمن، وما إن اندلعت شرارة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في 1962م حتى عاد إبراهيم طاهر وعادت الأسرة كلها، حبًا في المشاركة في صناعة الجمهورية التي كان ينتظرها الجميع.
بعد عودته إلى اليمن التحق إبراهيم طاهر بركب الثورة وهي مهدها وعمل في إذاعة صنعاء في برنامج ثوري «أحرار الجزيرة العربية» مع زملاء آخرين، ناصر قاسم وناصر السعيد، لكن لم تمضِ سوى فترة قصيرة حتى التحق بصفوف جيش الثورة في لواء الوحدة فابتعث حينها إلى القاهرة بمصر كأول دفعة من الضباط – بعد الثورة – تبتعث إلى الخارج للدراسة في الكلية الحربية تخصص مشاة.
كانت العودة من مصر عام 1964م بداية الانطلاقة الحقيقية للجندي العشريني النحيل، في معركة الدفاع عن الثورة والجمهورية التي ناضل من أجلها الشعب، حيث عُيّن حينها قائدًا لجبهة بني حشيش شرقي العاصمة صنعاء. لم يتجاوز عدد أفراد الكتيبة التي كان يقودها 89 جنديًا، إلا أنه استطاع إدارة المعركة بكل بسالة وحكمة، إذ تغلّب على صعوبة الجغرافيا ونقص السلاح والعتاد، بإيمانه العميق بعدالة الثورة التي يقاتل هو وزملائه من أجلها.
في كل معركة كانت الرصاصات تخطئ العميد المناضل إبراهيم طاهر، لكن أعين القيادة العسكرية لم تخطئه في مواقف ومهام ضرورية عدّة، فقد اختارته إدارة شؤون الضباط في 1965، وكلّفته بالنزول إلى محافظة الحديدة لإكمال تجنيد لواء العروبة والعمل على إعداده وتجهيزه للانخراط في معارك الثورة، وذلك لما عُرف به من حنكة عسكرية ومَلًكة إدارية وقيادية فريدة.
أثناء عمله في الحديدة في 1966م عُيّن إبراهيم طاهر مديرًا للمستشفى العسكري، إلى جانب عمله مديرًا لنادي الضباط. وخلال الفترة ذاتها أسس برفقة العديد من الفنانين، نادي الفنون الشعبية، فعُيّن كمدير فني للنادي، فانضم إليهم الأديب إبراهيم صادق، وأصبح رئيسًا فخريًا للنادي. كان للنادي مشاركات فنية عديدة، أبرزها مسرحية (اللاعبون بالنار – تأليف الأديب إبراهيم صادق) كأول مسرحية للمسرح اليمني، وعرضت في احتفالات العيد الرابع لثورة 26 سبتمبر.
كان تأسيس نادي الفنون الشعبية بالحديدة بادرة شخصية وبجهود ذاتية قام بها العميد الفنان إبراهيم طاهر البلول، حيث قال – في لقاء سابق – إن شقيقاه الأكبر منه، الحاج علي طاهر والشيخ محمود طاهر – وبعض الفنانين المنطويين في إدارة النادي – تكفّلا يومها بدفع إيجار مقر النادي، وذلك تقديرًا واحترمًا منهما للفن والفنانين الذين كانوا يفتقرون إلى كيان مؤسسي ينظم اجتماعاتهم ويضم جهودهم التي ما تزال في مهدها الأول.
رحلة الفن
لاقى الشاب الضابط في القوات المسلحة إبراهيم طاهر، معارضة كبيرة من قبل القيادة العسكرية حين قرر المشاركة الفنية في الاحتفال بالعيد الثالث لثورة 26 سبتمبر، وذلك لكونه ضابطًا في الجيش، ولكن مع إصراره وبدعم وتشجيع من الشاعر والفنان العميد محمد محسن الحيدري، أدّى طاهر أنشودة “يا شباب العرب” كلمات الشاعر إبراهيم الحضراني، في ميدان التحرير بمدينة الحديدة، فكانت بداية مسيرته مع الفنّ والفنانين.
حينما لمع اسم العميد إبراهيم طاهر في الساحة الفنية العسكرية، قام الرئيس إبراهيم الحمدي عام 1972م بابتعاثه إلى جمهورية مصر العربية لدراسة الموسيقى، وهناك استمر بالدراسة حتى حصل على شهادة الدبلوم والبكالوريوس في الموسيقى من المعهد العربي للموسيقى، ليعود إلى اليمن في 1980م، ويبدأ في إنشاء مدرسة الموسيقى العسكرية بعد تعيينه في إبريل 1981 مديرًا لها بقرار من الرئيس المشير علي عبدالله صالح.
بعد أن أوكلت إليه مهمّة تأسيس وإدارة مدرسة الموسيقى العسكرية، بذل العميد إبراهيم طاهر كل الجهود لتأسيس كيان موسيقي من الصفر، ولكنه بالفعل استطاع تجاوز كل ذلك، حيث قام بتشكيل فرق موسيقية عسكرية وقام بابتعاثهم للدراسة في أكاديميات موسيقية مختلفة في الخارج، بروسيا وغيرها من الدول، وبعد عودتهم شكّلوا الكادر الأساسي الوطني للمدرسة بدلاً من المعلمين الأجانب، وتكوّنت حينها النواة الأولى لمدرسة الموسيقى العسكرية التي تخرّج منها المئات من الموسيقيين العسكريين المتوزعين في مختلف محافظات الجمهورية.
خلال إدارته لمدرسة الموسيقى العسكرية عمل إبراهيم طاهر على تشكيل ثمانية عشر فرقة موسيقية تضم فرق نحاسية وفرق قرب اسكتلندية وفرق وترية وغيرها من الفرق الموسيقية. ولشدة حرصه على اقتناء المدرسة لآلات موسيقية ذات جودة عالية، كان يضطر للسفر إلى فرنسا وبريطانيا وبعض الدول الأخرى لشراء تلك الآلات بنفسه، لما له من خبرة فنية عالية في المجال الموسيقي.
عام 1983م اختير العميد إبراهيم طاهر، رئيسًا لنقابة الفنانين والمسرح وظل فيها حتى 2000م، كما كلّفته القيادة في 1984م بالإعداد والتحضير الفني لأعياد السادس والعشرين من سبتمبر كل عام، بعد أن رأوا فيه العسكري والفنان الذي يمتلك رؤية فنية جميلة. وفي بداية الوحدة اليمنية عمل إبراهيم طاهر مع لجان الوحدة بين الشطرين وشارك حينها في تأسيس دائرة للموسيقى والمسرح العسكري، وأصبح بعد الوحدة نائبًا لمديرها الركن العميد حسين عبد القوي.
حصل العميد إبراهيم طاهر على العديد من الأوسمة العسكرية والشهادات التقديرية، أبرزها الدرع الفضي من رئيس الجمهورية السابق علي عبدالله صالح، كما تم تكريمه في السنوات الأخيرة قبل وفاته من قبل مؤسسة العفيف الثقافية، وذلك نظير جهوده الكبيرة ومسيرته الفنية والوطنية النضالية من أجل الوطن والجمهورية.
وعلى مدى مسيرته الفنية، قام العميد الراحل إبراهيم طاهر بالعديد من الأعمال، أبرزها، تلحين وأداء أغنية “أنا يمني” من كلمات الشاعر إبراهيم صادق، وتلحين وأداء أغنية “يا أبو الرمش اليماني” من كلمات الدكتور عبد العزيز المقالح، وتعدُّ أول أغنية يكتبها الشاعر المقالح، وتلحين وأداء أغنية “في تهامة” وهي من كلمات الشاعر إبراهيم صادق، وتلحين وأداء أنشودة “عيد سبتمبر المجيد” من كلمات زميله الراحل العميد المناضل/ طلال يحيى زيد، أحد أبناء محافظة ريمة.
رجل المواقف الصعبة
عُرف العميد إبراهيم طاهر برجل المواقف الصعبة، وهو ما تجلّى في العديد من القضايا الاجتماعية والمواقف الوطنية، ففي عهد الرئيس عبدالله السلاّل، كان طاهر وسيطًا ناجحًا في حل الخلاف الحاصل بين الدولة ومشايخ ريمة، بتفويض رسمي ومباشر من الرئيس السلّال حينها. كما كان وسيطًا كذلك في حل الخلافات التي حدثت بين مشايخ محافظة ريمة والدولة في عهد الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني.
مع حصار السبعين يوم، وهي الفترة التي حاصرت فيه بقايا الإمامة العاصمة صنعاء عام 1967م، كان للعميد إبراهيم طاهر دورًا كبيرًا في فك الحصار، حيث قاد طلائع المقاومة الشعبية بمحافظة ريمة بعد أن جمع بالتعاون مع مشايخ ريمة ما يقارب 3 آلاف مقاتل ما بين جندي وضابط، وانطلق يقودهم في معارك فك الحصار عن عاصمة الجمهورية اليمنية التي لم يكن قد مرّ على قيامها سوى خمسة أعوام.
وخلال الفترة ما بين 1969م – 1971م، هي المرحلة التي سبقت سفره إلى مصر القاهرة لدراسة الموسيقى؛ تقلّد إبراهيم طاهر العديد من المناصب العسكرية، حيث تم تعيينه مديرًا لمكتب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للشؤون المالية والإدارية، ومن ثم نائبًا لمدير الأركان العامة، ثم مديرًا لمكتب قائد القوات البحرية ومديرًا لشؤون الضباط في القوات ذاتها.
“لقد قطعوا أخر حبل ربطني بالدولة”
ظل العميد إبراهيم طاهر برتبة رائد لما يقارب 18 عام، وحتى بعد عام الوحدة اليمنية تم ترقيته مع الدفعة الأولى والثانية إلى رتبة عقيد، ليتم بعدها بأعوام قليلة بترقيته إلى رتبة عميد وتقاعد في 1998م بالرتبة ذاتها، فيما تقاعد معظم زملائه العسكريين وهم يحملون رتبة لواء، وذلك بسبب المناطقية والمحسوبية التي كان يتم على أساسها اعتماد الترقيات، بحسب حديث نجله خالد.
ويكشف خالد أن والده العميد الفنان إبراهيم طاهر ترك إدارة معهد الموسيقى العسكرية مطلع عام 1995م، بسبب خلافات بينه وبين العميد علي حسن الشاطر مدير دائرة التوجيه المعنوي السابق، بعد أن تم دمج معهد الموسيقى العسكري تحت قيادة دائرة التوجيه المعنوي، وهو خلاف يتعلّق بحقوق أفراد المعهد التي كان يتم خصمها من قبل قيادة التوجيه.
بعد ترك العمل حاول البعض إقناع العميد إبراهيم طاهر بالعودة لكنه رفض، ليتعرّض حينها للتهميش المتعمّد، حيث يشير نجله، إلى أنه تم توقيف اعتماده الشهري وحقوقه الأخرى من قبل دائرة التوجيه المعنوي، لكن الموقف المخيب والصادم والذي لم يكن يتوقعه أحد، هو سرقة سيارته التي صرفت له أثناء عمله مديرًا لمدرسة الموسيقى العسكرية.
يوضح “قاموا بسرقة السيارة من جوار المنزل وبعد بحثنا وبلاغنا حول حادثة السرقة تفاجأنا بوجودها في معسكر السواد التابع للحرس الجمهوري، واكتشفنا فيما بعد إنه تم أخذها عمدًا نكايةً بمواقف والدي، وذلك استمرارًا لمسلسل التهميش الذي تعرض له”.
ويؤكد خالد، أن بالرغم من السيارة كانت تعتبر ملكًا شخصيًا لوالده العميد إبراهيم طاهر بأمر من القيادة بعد الوحدة اليمنية، إلا أن والده رفض أن يطالب بها أو يهتم لأمرها قائلاً لهم: “كانت السيارة أخر حبل يربطني بالعمل العسكري والدولة، ولكنهم للأسف قطعوه حين سرقوها دون علمي، لذلك لم يعد يربطني بالدولة شيء”.
عن ذلك، قال العقيد طلال يحيى زيد – رحمه الله – “خرج المناضل العميد إبراهيم طاهر إلى مرحلة التقاعد صفر اليدين إلا من سيارة (جيب) لم يستفد منها لأكثر من شهر وتمت سرقتها من أمام منزله، ولكنه ترك بصمات للوطن الحبيب لن ينسى التاريخ تخليدها”.
الإيمان بمبادئ ثورة 26 سبتمبر
كانت أهداف ثورة 26 سبتمبر – التي جعلت الناس سواسية دون فوارق أو طبقية – المسار الذي مضى عليه العميد إبراهيم طاهر، إذ كان يعمل بروح وطنية مؤمنة بالمواطنة المتساوية وتهتم بالمصلحة العامة بعيدًا عن المصالح الشخصية، بالرغم من إمكانية حصوله على العديد من الامتيازات التي كان يتحصل عليها الكثير من زملائه قيادات الدولة حينها.
حيث يقول نجله الخمسيني خالد إبراهيم طاهر “لقد كان والدي – رحمه الله – يعمل بكل جد وإخلاص وإتقان لأن كونه ثائر ويرى أن الثورة مشروع بناء وتضحية من أجل الوطن”. لقد كان له مكانه عالية لدى كل من عرفوه حيث كان ديوانه يمتلئ بأصدقائه وزملائه، كـ علي عبدالله السلال، سفير اليمن بفرنسا سابقًا، عبدالكريم الارياني، رئيس وزراء سابق، عبدالله العاقل، تاجر وسياسي، العميد يحيى مصلح، مناضل وثائر، العميد طلال يحيى زيد، وغيرهم الكثير الذي لا يسعنا ذكرهم.
ويشير خالد في حديثه لـ”ريمة بوست”، إلى أحد المواقف الذي يفتخر به وما يزال عالق في ذهنه: “كان شقيقي الكبير مصطفى يعمل كجندي في معهد الموسيقى العسكري ويؤدي عمله كاملا كبقية زملائه، وخلال تلك الفترة كانت إدارة شؤون الضباط تقوم برفع اسمه ضمن كشوفات الجنود والضباط المستحقين للترقية، إلا أن والدي بصفته مدير معهد الموسيقى العسكرية كان يقوم بحذف اسم مصطفى من كشف الترقيات”.
ويبرر العميد الفنان إبراهيم طاهر قيامه بحذف اسم نجله مصطفى – نقلاً عن نجله خالد – حين كان يقوم بإبلاغ إدارة شؤون الضباط قائلاً “إذا أردتم ترقية مصطفى فانتظروا حتى أغادر إدارة معهد الموسيقى العسكرية، أما في عهدي فلن أقبل بذلك لأنه سيقال أني من جاملت نجلي ورقّيته”. وبالفعل ترك العمل قبل أن يتم ترقية نجله مصطفى.
القائد والإنسان
تميّز العميد الفنان إبراهيم طاهر بدماثة الأخلاق وحسن المعشر فكان يألفه كل من عرفه سواء زملاء أو أصدقاء، كما كان ينظر للأمور من زاوية احترام الإنسان وتقدير مكانته. في مرثية كتبها المرحوم العقيد طلال يحيى زيد، من زملاء العميد إبراهيم طاهر وأحد مناضلي الثورة والجمهورية، قال “فقد كان يتحلى بالأخلاق ويتميز بالابتسامة، لا يدرك الآخر كيف ومتى يغضب رغم ما يتحمله من أعباء المسؤولية كقائد عسكري ومسؤول إداري وفني وضع على نفسه واجبات ليحقق من ورائها جملة من الغايات التي تحققت وأصبحت في الواقع كما كان يطمح في إنجازه”.
ويتذكر العقيد طلال في مرثيته – التي ننشرها لأول مرة – أحد المواقف التي عاشها مع العميد إبراهيم طاهر: “كان مساعدوه في الجانب العسكري في مدرسة الموسيقى يتعاملون مع الأفراد كما هو الحال في كل المعسكرات الأخرى خصوصًا في فترات التدريب الأولى التي يتعلم فيها الفرد الضبط والربط والطاعة وتنفيذ الأوامر”.
“لابد خلال تلك الفترة أن يرتكب الأفراد مخالفات يعاقبون عليها سواءً ميدانيًا أو بالتوقيف والحجز داخل المدرسة.. فكان يأتي العميد إبراهيم طاهر مبتسمًا يصدر الإعفاءات ويوجّه الضباط وصف الضباط بمعاملة الأفراد كفنانين لديهم أحاسيس فنية والغاية من تعليمهم إبراز المواهب في المجالات الفنية وليكونوا مستقبلا للسير في المجال الذي اختاروه بداية حياتهم وحياة من يليهم من أجيال قادمة”.
لم تختلف الحياة الشخصية للعميد إبراهيم طاهر كثيرًا عن حياته العملية، حيث استطاع التوفيق بين عمله العسكري والفني ومسؤولياته كرب أسرة بعد أن تزوج عام 1967م، إضافة إلى أمور وقضايا أقربائه وأهل مجتمعه. يقول نجله خالد، إنه كان يهتم بدراستهم ويشجعهم على الانطلاق في المجالات التي يرغبون فيها دون التقيد بأي ظروف أخرى، كما كان يتعامل معهم كأخ وصديق وأب في الوقت ذاته.
ويضيف خالد “كنّا في البداية نعتبره كأي أب ولكن حين خرجنا بين الناس عرفنا قيمته وشخصيته التي تميّز بها بينهم، فقد كان يعمل دائمًا لخدمة أصدقاءه من الوزراء والمسؤولين حينها ويقدم لهم النصائح في الأعمال الإدارية وينجحوا بعد استشارته لأن عقليته كانت قيادية وفهم عميق للأمور، ويدرك كيف يحل مشاكل الأخرين بإنصاف وصدق، لذا ترك بصمة لدى كل من عرفوه”.
حروف خالدة توثّق مأساة الرحيل
في الثاني عشر من نوفمبر عام 2008م غادر العميد إبراهيم طاهر الحياة في عمّان بالأردن بعد معاناة مع مرض البلهارسيا التي غزت كبده، تاركًا ثلاثة أبناء (ولدان وبنت)، ورصيدًا حافلاً بالمواقف الوطنية والإنسانية. وقد مثّل رحيلة صدمة للكثير من أصدقائه ومحبيه الذين دوّنت أقلامهم الكثير من المرثيات ورسالات العزاء التي تناولت مواقفه وأثنت على شخصيته النبيلة.
قال الراحل العميد فرحان علي حسن، المتوفي عام 2017م، رئيس اتحاد الفنانين، “رحلت إلى عالم الخلد وحزنت عليك كل القلوب وغادرت هذه الدنيا الفانية شريفا عفيفا. برحيلك خسر الوطن شخصية فنية وعسكرية واجتماعية غالية على قلوب محبيه ومن عرفه، لقد ترك رحيله فراغ في منتداه الذي كان يستقبل المثقفين والمبدعين والشخصيات الاجتماعية من مختلف المحافظات بكل حب وتقدير”.
وأردف في مرثية بعثها لأبناء الفقيد العميد إبراهيم طاهر “لقد عاش الفنان إبراهيم طاهر في زمن ظالم وجاحد أهمل الفنانين والمبدعين والأدباء الوطنيين الشرفاء. ظل طوال حياته شامخًا وأبى أن ينحني ويمد يده ويستجدي كالمتسول أمام أبواب ومكاتب المسؤولين طالبا مساعدة للعلاج، حتى جاء يومه الموعود وانتقلت روحه الطاهرة إلى مثواها الأخير”.
فيما كتب عنه العقيد الركن محمد جعبل أحمد، مدير دائرة الرياضة العسكرية بوزارة الدفاع، مرثية قال فيها “يشرفني أني أشعر بأن الكلمات التي حاولت تطويعها للكتابة عن هذه الشخصية البسيطة جدا في تعامله معنا وعن تاريخه الزاهر. أشعر أني الكلمات تتساقط وتتلاشى لذلك اعذروني لأني أمام عملاق بهذه القامة والتاريخ لم لأحصل على كلمات ومفردات وعبارات عظيمة ترتقي إلى مقام مثل هذا الإنسان العظيم”.
وختم مرثيته التي تحدث فيها لشخصية الفقيد إبراهيم طاهر المليئة بعزة النفس “اعذرني أيها الصديق الصامت صمت العظماء طوال حياتك والتي لم تقول لنا يومًا أنك طود من أصدق النبلاء في طفولتك وشبابك ونضوجك كأخ وأب وصديق وأنك والله تركت فراغ يصعب ملئه بسهولة ولكن الأمل والرجاء بمصطفى وخالد”.
وعن صدمة رحيله قال الشيخ أبو الفضل منصور حسن، شيخ مشايخ مديرية كسمة، في مرثية مكتوبة “رحل الفارس لكنه لم يترجل من على فرسه بل صعد به إلى مكان أسمى من هذه الدنيا الفانية، لقد عرفته عن قرب الوطني الغيور كما عرفه الجميع الرجال الذي حمل من أجل الوطن البندقية والوتر فقاتل بهما في الحرب والسلم ذودًا عن الثورة والجمهورية والوحدة”.