باتت فكرة الزواج لدى أغلب الشباب أمراً ليس بالهين , نصف دين ليس بالسهل, آمل الارتباط يهدده الغلاء المفزع.
منذ ما يقارب عامين، يعمل أنس غالب 28 عام وهو من ابناء ريمة في مصنع لصناعة البلك الاسمنتي بإحدى ضواحي العاصمة صنعاء ليوفر لنفسه وأسرته التي تسكن في البلاد احتياجات الحياة المعيشية، خصوصًا أنه أكبر أشقائه والعائل الوحيد لهم منذ وفاة والده قبل ستة أعوام، لكنه في الغالب يجد نفسه مضطرًا للعمل لساعات إضافية في أي عمل آخر من أجل توفير مهر الزواج الذي أضحى همًا يراوده صباح، مساء، حد وصفه.
يقول في حديثه لـ “ريمة بوست” إن ظروف الحياة والغلاء المعيشي لم يتركا له فرصة لجمع مهر فتاة يكمل معها دينه، ويبدأ معها حياته الزوجية التي يتمناها أي شاب آخر، خصوصًا مع غلاء المهور بشكل كبير. ويضيف: “استلم راتبي أخر الشهر أرسل لأسرتي 50 ألف، وتبقى 30 ألف في الغالب تمشي معي مصاريف خلال الشهر، وكلما قلت بجمع حق مهر وأشوف ارتفاع المهور فأشعر بالإحباط”.
لا يخفي “أنس” أن ظاهرة غلاء المهور أصبحت مشكلة تقصم ظهور الشباب، ما يجعلهم عاجزين عن فعل شيء، مستشهدًا بالموقف الصعب الذي يعيشه أحد زملائه في العمل وهو من ريمة أيضًا، فبالرغم من أنه تزوج قبل أكثر من عام إلا أن شبح غلاء المهور يلاحقه ويقض مضجعه، إذ ما يزال ملتزمًا بسداد 400 ألف لوالد زوجته وهو المبلغ المتبقي من مهر زواجه الذي كان حينها مليون و600 ألف ريال (2650$).
ويرى ، أنه في الوضع الحالي يجد نفسه مُجبرًا على تأجيل فكرة الزواج إلى أجل غير مسمى “في ظل الحرب والمشاكل والغلاء، أتعب وحدي أحسن مما أتزوج وأرجع أتعب بنت الناس معي، قدنا عزوبي أحسن لي”. ويشير إلى أن نظرة المجتمع السلبية في ريمة تجاه من يتأخر عن الزواج، لن تثنيه عن رأيه “شبقى عزوبي حتى لو قالوا بالقرية أننا شكلي مش حق زواج”.
“الزواج لمن استطاع إليه سبيلا”
“ما إن أفكر في الزواج حتى أتراجع وأشعر أنها فكرة غير مدروسة” هكذا يعبر حسان عبدالله، 27 عامًا، أحد أبناء مزهر، ولكن سرعان ما يستدرك قائلاً: “لكن مفروض قدو وقت أتزوج، لأنه تعب يجلس الواحد بلا زواج”. منذ ما يقارب عامين تخرج “حسان” من كلية الشريعة والقانون بجامعة، وحتى الآن ما يزال يبحث عن فرصة عمل، يستطيع من خلالها جمع مهر الزواج الذي يصل غالبًا حدود 2 مليون ريال يمني.
في حديثه لـ “ريمة بوست” يضيف “حسان” أن الحصول على فرصة عمل أمر شاق وقلما تتوافر فرص عمل خصوصًا في مجال تخصصه، مشيرًا إلى أنه حاليًا يعمل كمتدرب في أحد مكاتب المحاماة والاستشارات القانونية في العاصمة، وأن “بالكاد أوفر مصاريفي اليومية واحتياجاتي الضرورية لأنني ما زلت متدرب، وإن شاء الله أتوفق بفرصة عمل جيدة، أقل شيء مقابل تعب دراستي”.
غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج وتبعاته وارتفاع إيجار المساكن، بالإضافة إلى قلة فرص العمل والغلاء المعيشي المتزايد، هذه هي الأسباب التي يراها “حسان” عائقًا كبيرًا حال دون التحاقه بركب المتزوجين والولوج في عش الزوجية، مستثنيًا مسألة ايجار المساكن التي ليست موجودة في ريمة “صحيح صعوبة ارتفاع مساكن الايجار مش موجودة بريمة لكن بالمقابل لا يوجد فرص عمل ومنعدمة تمامًا”.
كما أدت كل الظروف التي فرضتها الحالة المعيشية التي تمر بها اليمن بشكل عام إلى عزوف آلاف الشباب عن الزواج، إذ أصبحوا بحسب “حسان” يصارعون من أجل كسب لقمة العيش متناسيين فكرة الزواج. في حين يرى الباحث الاجتماعي يعقوب الحسني (25عام) إن “عزوف الكثير من الشباب عن الزواج يؤدي إلى خلل اجتماعي ينتج عنه الكثير من المشكلات”.
ويوضح أن العزوف عن الزواج يتسبب بـ “انتشار العنوسة بين الجنسين إضافة إلى بروز مشاكل اجتماعية في الأسر لاسيما المشاكل الأسرية الأكثر تعقيدًا”، ويلفت إلى أن ذلك له “تأثير على نمطية العيش الطبيعية للشباب والفتيات على أصعدة كثيرة فكريًا وتعليميًا واجتماعيًا وبالتالي سيؤثر على وعي الأفراد بشكل أو بآخر”.
إلى ذلك يرى “حسان” أن غلاء المهور، ظاهرة سيئة تجعل الشاب يتحمّل فوق طاقته وتحمّل أهله أيضًا همّ تزويجه، إذ يقول متهكمًا “وإن كنت طالب فهذا يعني أنك ستظل عازبا حتى اشعار آخر، أو عليك أن تترك الدراسة وتذهب للأعمال الشاقة لسنوات لكي تستطيع أن تتزوج، وهذا ما يجعل الشباب يضيق وربما يصاب الكثيرين بالاكتئاب نتيجة الكبت العاطفي وربما يضطر لطرق غير مشروعة للتخفيف من معاناته”.
ويصل مهر الزواج غالبًا في معظم مناطق ريمة حدود مليوني ريال يمني (3300$) وهو ما جعل الشباب عاجزين عن توفيره، بحسب الصحفي فايز الضبيبي، موضحًا أن “إذا الشاب يعمل في اليمن براتب شهري 60 ألف (100دولار) وأراد الزواج وإكمال نصف دينه، فعلى الأقل يحتاج إلى أن يعمل لأكثر من 5 سنوات من أجل توفير مهر الزواج إضافة إلى التكاليف والاحتياجات لحفلة الزواج، هذا فقط إذا كان يجمع الراتب شهريا ولا يصرف منه”.
ثقافة سائدة
قبل أعوام صاغ ملتقى شباب ريمة وثيقة مجتمعية للإلزام الناس بعدم المغالة في المهور وتيسير امور الزواج غير ان المجتمع لايزال يمارس الظاهرة وبشكل مُخيف فثمة اسباب مختلفة أدت ارتفاع الظاهرة أكثر من ذي قبل إلى بحسب الباحث الحسني – حيث يقول إن واقع المعيشة والغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار تسبب بتحمل العروسة وأهلها لتكاليف باهظة أيضًا، وهذا جزء من الحالة التي يعيشها الوطن بشكل عام. ويضيف أن هناك أسباب غير منطقية “الطمع وحب المال من قبل كثير من أرباب الأسر، إضافة إلى التفاخر وتدني مستوى الوعي الديني والاجتماعي وقلة الالتزام بالتعاليم الدينية السامية بهذا الموضوع”.
إلى ذلك يرى الضبيبي، أن أحد تلك الأسباب كذلك يعود إلى تباهي بعض شباب ريمة المغتربين في الخارج وتفاخرهم بدفع مبالغ كبيرة كمهور للزواج، مشيرًا إلى أنه “وصل الحد عند بعضهم إلى دفع مبالغ تصل إلى 5 ملايين ريال مهر فقط، الأمر الذي أثار طمع وجشع بعض الآباء، حيث فتح الشهية أمامهم لرفع مهور بناتهم، والقبول بتزويج من يدفع المهر الأكثر”، وهو ما مثّل عائقًا كبيرًا وحجر عثرة أمام الكثير من الشباب.
ويضيف في حديثه لـ “ريمة بوست” أن الشباب أصبحوا ضحية غلاء المهور، خصوصًا “خريجي الجامعات ومن يعملون في اليمن في أعمال ووظائف مقابل رواتب وأجور بسيطة، ويعولون أسر كبيرة، فيحتارون بين تدبير احتياجات الحياة أو جمع قيمة المهور، للزواج بمن يحبون ويريدون”، مؤكدًا أن هذه المشكلة تسببت بارتفاع مستوى العنوسة في أوساط الشباب لعجزهم عن توفير متطلبات الزواج من مهر وغيره.
من جهة أخرى يرتبط مستوى مهر الفتاة بالثقافة المجتمعية السائدة والعادات والتقاليد المترسخة حول قيمة مهر الزواج وتأثيره على حياة الفتاة بعد زواجها، حيث يشير الخمسيني مرشد يحيى، أنه “حين نطلب مهر كبير مقابل زواج بنتي، ليس عشان حاجتنا للمال، بل كي أضمن أن الشاب قادر يعيل ويتحمل مسؤولية الزواج، إضافة إلى أن مهر البنت لما يكون غالي، يجعل الشاب يقدرها ويحترمها بعد الزواج لأنها لم تأتي إلا بعد عناء”.
ليبقى الشباب الغير قادرين على الزواج عالقين بين مشكلة تردي الوضع الاقتصادي وانعدام فرص العمل نتيجة الحرب، وثقافة المجتمع التي ترى غلاء مهر الفتاة تجسيدًا لقيمتها العالية في نفس الشاب ومكانتها الرفيعة بين قريناتها.