“الاختطاف والتعذيب”: حين أصبحت حياة “عنتر” ثمنًا لعلاقية قات

آثار التعذيب على ظهر الشاب عنتر الجبل
آثار التعذيب على ظهر الشاب عنتر الجبل
‏  8 دقائق للقراءة        1438    كلمة

بشكل محدود تداول بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي قضية الشاب عنتر الجبل، أحد شباب ريمة، وشبّهوا واقعة تعرضه للاختطاف والتعذيب في مديرية أرحب شمالي العاصمة صنعاء مطلع شهر ابريل المنصرم 2021م؛ بحادثة الشاب عبد الله الأغبري، غير أن الأخير فارق الحياة، ولاقت قضيته تعاطفًا شعبيًا كبيرًا في 27 آب/ أغسطس 2020م، إثر انتشار المقاطع المصورة التي تبيّن لحظات تعذيبه آنذاك.

لم أكن أعلم بقضية الشاب عنتر الجبل ومدى صحتها وعدالة مقارنتها بقضية الشاب الأغبري، وهو الدافع الذي حملنا للبحث عن الشاب الجبل والتعرف على قصته التي لم تفضحها كاميرات المراقبة ولم تتناولها وسائل الإعلام أو يتداولها الرأي العام، بل وحده “عنتر” من يكابد آثارها وأوجاعها بصمت، متسائلاً عن الذنب الذي ارتكبه، إذ ليس ذنبه سوى “أنا أطلب الله هناك في أرحب. أضارب على لقمه العيش لي أنا وأخوتي”.

اتهام واعتداء

بنفسية متعبة وجسد مثخن بالجروح يروي الشاب عنتر الجبل، 21 عامًا، تفاصيل الاختطاف والتعذيب الذي تعرض له مطلع شهر ابريل المنصرم على يد مجموعة من الأشخاص في منطقة السواد بمديرية أرحب، أثناء ما كان يعمل هناك في قطف أشجار القات (مبزغ) في مزرعة المواطن (م.ن العجل). “سرحت بزغت مع هذا الرعوي (م.ن العجل) قبل شهر يمكن ولم يحاسبني. فرجعت مره ثانية للعمل معه فقالوا لي المبزغين خذ لك علاقية قات بشقاك (بحسابك اللي عنده) وأنا صدقت لهم”.

كانت الساعة تقارب الحادية عشر ظهر يوم الجمعة 9 نيسان/ابريل المنصرم، حين انتهى عنتر الجبل وزملائه “المبزغين” (الأشخاص الذين يقومون بقطف شجرة القات) من قطف أغصان القات من إحدى المزارع (جرب القات) التي يملكها المواطن (م.ن العجل). وكالعادة يخضع المبزغين للتفتيش بعد الانتهاء من العمل كل يوم. “عندما قام (م.ن. العجل) بتفتيشي وجد معي علاقية قات. فسألني. وأخبرته أنها علاقية قات وسآخذها مقابل الفلوس المتبقية لي عنده. لكنه شتمني واعتدى عليّ بالضرب أمام المبزغين”. يقول عنتر.

حاول عنتر اقناع مزارع القات (م.ن. العجل) بأنه سيأخذ علاقية القات مقابل 3500 ريال يمني وهو المبلغ المتبقي له لدى المزارع من أيام سابقة، لكن الأخير رفض وقابل ذلك بالشتائم والاتهامات. حينها ما كان من عنتر إلا أن اقترح عليهم الذهاب إلى قسم الشرطة لحل الخلاف. فأبدى المزارع موافقته، ومشوا معًا بحسب الاتفاق. وقتها اعتقد المبزغين زملاء عنتر أن الخلاف سيحل في قسم الشرطة، وذهب كلٌ منهم في سبيله.

اختطاف وتعذيب

ما إن استفرد (م.ن العجل) بعنتر حتى اتصل بأبناء أخيه وأقاربه لملاقاته بالسيارة. لم تمر سوى دقائق حتى وصل خمسة أشخاص بسيارة هايلوكس، أربعة من أبناء شقيق (م.ن العجل) هم (ع العجل، ر العجل، ع. د العجل، ح العجل) – بحسب عنتر – إضافة إلى شخص خامس (ن. الحشيشي). “أتوا لي ومعهم سلاسل وعصي وضربوني وهددوني بالسلاح واختطفوني وأخذوني إلى قرية بيت العجل”.

في “ديمة” صغيرة (المكان الذي توضع فيها المواشي) جوار المنزل بقرية العجل وضع الخاطفون الشاب عنتر الجبل مربوط اليدين والرجلين بسلاسل حديدية، وتناوبوا على تعذيبه بمختلف الأدوات. “قاموا بربطي بالسلاسل إلى عنقي وانهالوا عليّ بالضرب والتعذيب في كل أنحاء جسدي، مستخدمين السلاسل وأسلاك الكهرباء والعصي الغليظة. وأثناء تعذيبي قاموا بربط رقبتي بسلسلة حديد وشنقوني على الخزان حتى كدت أفارق الحياة”.

مرت الساعات ولم يعد عنتر الجبل إلى أصحابه المبزغين الذين اعتاد السكن معهم، الأمر الذي أثار قلقهم، فقاموا بإبلاغ الشيخ قايد الجبل، وهو أحد مشايخ ريمة، أن الشاب عنتر ربما تعرض للاختطاف من قبل ذلك المزارع وأقاربه. قبيل غروب شمس ذلك اليوم الذي يعتبره عنتر أطول وأسوأ يوم في حياته، وصل الشيخ الجبل إلى مديرية أرحب للبحث عن الشاب المختفي، وحين ذهب إلى قرية العجل تحدث مع بعض المتهمين بالخطف وسألهم عن مصير عنتر، لكنهم أخفوا مصيره مدّعين أنهم لا يعلمون مكانه؟!

حينها لم يكن أمام الشيخ الجبل سوى اللجوء إلى قسم شرطة الجامعة بأرحب لتقديم بلاغ بالاختطاف، بدورها إدارة الأمن بمديرية أرحب كلّفت أحد المشرفي الأمنيين (أنصار الله) بالنزول والتأكد من صحة البلاغ. “وصل المشرف مع الطقم وبحث في القرية التي كنت مختطف فيها حتى وصل الى الديمة التي كنت مربوط فيها وأخذني وأرسلني مع بعض الجناة الى قسم شرطة الجامعة، والحمد لله بفضل الشيخ الجبل، أنقذت حياتي بعد أكثر من 6 ساعات على اختطافي”.

وحصلت منصة “ريمة بوست” على العديد من الصور التي تبيّن آثار التعذيب العنيف الذي تعرض له الشاب عنتر الجبل في كل أنحاء جسده. وتظهر إحدى الصور آثار السلسلة الحديدية التي لفّت حول رقبته لشنقه.. ويرى المحامي منصور الدروبي، إن هذه القضية تعتبر انتهاك جسيم لحقوق الإنسان وتتنافى مع القوانين المحلية والدولية، وتتعارض – حتى – مع الأعراف القبلية، مشيرًا إلى أن اختطاف وتعذيب “عنتر الجبل” جريمة مكتملة الأركان ويتوفر فيها القصد الجنائي ونية القتل.

 آثار السلسة الحديدية على عنق عنتر
آثار السلسة الحديدية على عنق عنتر

البحث عن الانصاف؟

بعد انقاذ “عنتر” وتحريره من الاختطاف باشر قسم شرطة الجامعة التحقيقات وأخذ أقواله إضافة إلى أقوال بعض المتهمين بالاختطاف والذي أُخلي سبيلهم ذات اليوم، وفقًا لعنتر الجبل الذي عاد إلى أسرته على أمل أن تواصل الجهات الأمنية عملها لأخذ حقه المسلوب. لكن الغريب والمؤسف، حد قوله، أن بعد مرور عدة أيام على الواقعة لم يتم ضبط المتهمين وإيداعهم السجن، وهو الأمر الذي دفع والده والشيخ قايد الجبل للقبول بالتحكيم القبلي في 13 ابريل/نيسان، في حين كان الاختطاف والاعتداء يوم 9 من الشهر ذاته.

تعليقًا على ما حدث يقول الشيخ قايد الجبل إنه بعد مرور ثلاثة أيام على حدوث واقعة الاختطاف والاعتداء على الشاب عنتر الجبل، لم يتم إيداع المتهمين السجن من قبل الجهات الأمنية لتحويلهم إلى النيابة العامة.  ويدّعي الجبل أن: ” لم يتم ضبط الجناة ولم يسلموا أنفسهم للدولة وأصحابهم تعصبوا معهم، الناس شبعانين معهم فلوس وأراضي ومزارع”.

ويضيف، أن عدم إيداع المتهمين السجن ليأخذ القانون طريقه، دفعه هو وأهل المجني عليه “عنتر” إلى الاضطرار بقبول التحكيم القبلي (ثلاث بنادق) الذي تقدم به الجناة يوم 13 ابريل، حيث تم كتابة اتفاق تحكيم وبضمانة الشيخ نبيه أبو نشطان، أحد مشايخ أرحب.

ويشير الجبل أنه لم يصدر حتى الآن حكم قبلي وما زالت القضية لديه قيد النقاش والتشاور بعد الاطلاع على التقرير الطبي للمعتدى عليه (عنتر) بهدف لوضع حكم قبلي يناسب حجم واقعة الاختطاف والاعتداء والتعذيب التي تخالف القوانين والأعراف القبلية.

في السياق ذاته، تواصلت منصة “ريمة بوست” بالجهات الأمنية المعنية لمعرفة الإجراءات التي اتخذت بشأن القضية.. حيث أوضح أبو طه، مدير قسم شرطة بيت مران بأرحب، إنه لم يكن هناك مماطلة في القضية. مؤكدًا “أخذنا أقوال المجني عليه وأثناء ما كنّا نقوم بجمع الاستدلالات وأخذ أقوال الشهود أيضًا، من أجل رفع ملف القضية إلى النيابة لإصدار أمر قبض قهري على الجناة، وصلوا إلينا الجناة ومعهم رقم تحكيم وموقع من قبل أهل المجني عليه وتحت ضمانة الشيخ نبيه أبو نشطان”.

ويرى حقوقيون وقانونيون إن الأحكام القبلية والعرفية دائمًا ما تشجع على ضياع الحقوق من خلال عدم حصول الضحايا على الإنصاف عبر القانون، إضافة إلى أن ذلك التساهل في ردع الجناة والخارجين على القانون يؤدي إلى ارتفاع معدل الاعتداءات والجرائم والانتهاكات. فيما يرى أخرون تلك الأحكام القبلية بديلاً مناسبًا للقانون الذي يتطلب أمر تنفيذه لخوض مشوار طويل في أروقة القضاء والمحاكم.

وحتى اليوم لا يزال الشاب عنتر الجبل يبحث عن الانصاف والعدالة بعدما تعرض له، إذ يشير أنه يأمل في أن ينصفه الحكم القبلي من أولئك الذين اختطفوه واعتدوا عليه، مؤكدًا في ختام حديثه “بآخذ حقي والله ما نتركهم لو نموت”.

*لأنها تحتوي على مشاهد أليمة وحسّاسة تحفظت منصة ريمة بوست عن نشر العديد من الصور التي تظهر آثار التعذيب المفرط الذي تعرض له الشاب عنتر في كل أجزاء جسده.