بعينيين تفيضان بالدمع وصوتا يملؤه الحسرة والأسى، يروي محمد النهاري 40 عاما، من أبناء عزلة بني سعيد بالجعفرية؛ قصة ابنته أميرة البالغة من العمر 19 عاما، والتي فارقت الحياة بظروف مشبوهة حد قوله، في يوليو من العام 2018م، بمنزل زوجها في مدينة قعطبة بمحافظة الضالع.
كانت أميرة متزوجة من أحد أبناء المنطقة نفسها، وتسكن معه في مدينة الحديدة، غير أن الحرب التي اندلعت هناك في العامين الأخيرين أجبرتهم على النزوح إلى مديرية قعطبة بمحافظة الضالع، والاستقرار هناك، وفي العام 2018م كانت الفاجعة التي لم يكن يتوقعها أحد.
يقول محمد النهاري، أنه قبل حادثة وفاة ابنته بأسبوع، حاول الاتصال بها على رقم زوجها أكثر من مرة، حتى ردوا على المكالمة، فتحدث معها ومع زوجها، فأخبرته أنها باعت خرصيها، من أجل أن تعطي زوجها قيمتهما، ليسافر بها لحضور زفاف اختها في ريمة، وأنها تشاجرت معه على إثر ذلك، بعد أن وعدها ولكنه أخلف وعده ولم يسافر بها. ويضيف النهاري أنه أخبرها أنذاك “لا مشكلة يابنتي ما دام زوجك غير راضي انك تسافري البلاد، ولا داعي للمشاكل”.
بعدها بما يقارب الأسبوع، أي في الساعة الرابعة والنصف عصرا من يوم 2018/7/21م، يقول محمد النهاري، أنه تلقى اتصالا هاتفيا من خال زوج ابنته المواطن محمد علي حسن، يخبره أن يأتي إليه ويسافرا معا للضرورة إلى قعطبة بالضالع لحل الخلاف بين ابنته وزوجها، وأم الزوج أيضا التي هي شقيقة محمد علي حسن، وسافرا معا برفقة المواطن منصور القزقاز.
وبينما كانا في الطريق، وصل الخبر المشؤوم الذي وقف أمامه محمد النهاري مذهولا،” لما كنّا في الطريق اتصل بي الشيخ حق القرية يسألني. هل صحيح أن بنتك شنقت نفسها؟ كنت أظن انه يقصد بنتي الذي بالبلاد الذي عادني زوجتها. قلت له لا عاد أنا خرجت من عندهم ومابش شيء. فقال لي: أنا أقصد ابنتك المتزوجة اللي بالضالع؟”. وقع الخبر كالصاعقة عليه، فالتفت يمينا ويسارا يسأل محمد علي حسن ومنصور القزقاز عمّا حدث، ولكنهما لم يقولا له شيء، حد تعبيره.
صاعقة المصير
يكمل لنا النهاري أنه وصل إلى قعطبة، ودخل المنزل التي تسكن فيه ابنته وزوجها وأهله، ولكن لم يجد زوج ابنته ولا أحد من أهله، وكان هناك في المنزل رجال الأمن التابعين لإدارة الأمن في قعطبة، وأشخاص غرباء لا يعرفهم، فسألهم عن ابنته فأخبروه أنها على سطح المنزل.
ويصف موقفه حينها والغصة تخنقه “رأيت جثة ابنتي مرمية على الأرض ومغطاه بشرشف خفيف لا يكاد يستر جسدها، وحولها قوالب من الثلج. تجمد الدم في عروقي من المنظر. لم أصدق ما أراه. انصدمت صدمة عمري وما قدرت استوعب ما يحدث”. ويؤكد أنه يظهر على جثة ابنته مرور ثلاثة أيام على وفاتها على الأقل.
نزل بسرعة من السطح، وجلس ما يقارب ساعة ليستوعب ما يحدث، وعاد مرة أخرى إلى سطح المنزل، ولكن هذه المرة اقترب من جثة ابنته، ورفع رأسها، فوجد آثار حبل لفّ حول رقبتها بالكامل، ورأى آثار ضرب حول إحدى عينيها، وعلى صدرها، فأخبر منصور القزقاز، متسائلا “كيف يقولون أنها شنقت نفسها؟ وآثار الحبل خلف رقبتها ظاهرة، فلو كانت شنقت نفسها لن تظهر الآثار خلف الرقبة”.
بحرقة وقهر نزل محمد النهاري إلى الأسفل وصرخ في وجوه الأمن والحاضرين هناك،” لقد قتلوا ابنتي. والله انها مقتولة”. سألهم لماذا لم يتم أخذها إلى ثلاجة موتى إحدى المستشفيات، فتحججوا بعدم وجود سعة فيها، كونها مليئة بقتلى الحرب الدائرة في الضالع منذ سنوات.
دخل إلى غرفة ابنته، ليرى مسرح الواقعة، فقد قيل له أنها انتحرت في غرفتها، بحيث وقفت على حقيبة ملابسها ذات العجلات المتحركة، وربطت طرف الحبل إلى “المروحة” المعلقة على سقف الغرفة، والطرف الآخر إلى رقبتها. لم يستوعب تلك القصة التي يعتقدُ أنها من نسج شخص ما، فحاول مرارا تقليد وقائع القصة كما وصفوا له، ولكن لم يكن ذلك منطقيا، حاول أيضاً البحث عن أي آثار أو خدوش تدل على انتحار ابنته في تلك الغرفة، ولكن لم يجد أي دليل، بل زاد يقينا أن ابنته قد قُتلت بفعل فاعل، حد قوله.
اخفاء قسري للحقيقة
حينها صاح به رجال الأمن ومدير البحث الجنائي، وأخبروه إن كان يريد مالا سيعطوه، المهم أن يوقع (يُمضي) على استلام جثة ابنته من أجل دفنها، أو سيقومون بدفنها بمفردهم، فقد تعبوا وهم يحرسونها حد قولهم. لم يجد النهاري أحدا يقف معه في محنته وسط أشخاص غرباء، حتى خال زوج ابنته الذي أتى معه محمد علي حسن، لم يراه حينها، فذهب إلى قسم الشرطة لعله يجد من ينصفه، ولكن إدارة القسم طلبوا منه أن يأتي بشهود على حادثة مقتل ابنته، ولم يقوموا بشيء حيال ذلك.
ويقول أنه حين وجد نفسه وحيدا وتحت ضغط المتواجدين ورجال الأمن، وافق على دفن جثة ابنته، ويضيف “كنت أتقطع من الألم، بينما كانوا يتكلموا انهم بيعطوني، مليون ونصف (ما يعادل 2500 دولار)، مقابل التنازل عن مقتل ابنتي، فقولت لهم مستحيل أقبل بذلك. اشتي اعرف الحقيقة عمّا حدثت لابنتي؟”.
تقطعت به السبل، ولم تساعده الجهات الأمنية هناك، فقرر الذهاب إلى النيابة في قعطبة، ويقول النهاري أنه التقى بوكيل النيابة بمديرية قعطبة التي تخضع لسيطرة حكومة هادي المعترف بها دوليا، وأخبره بالواقعة، ولكنه لاقى تجاهلا من قبل وكيل النيابة، بسبب أنه من بيت “النهاري” أي من فئة السادة. ويضيف أن وكيل النيابة قال له” اولاد عمك الحوثيين يقاتلوا في مفرق تعز ويرتكبون الانتهاكات”، وهي محاولة لتحريف الواقعة وتضييع حقوق ابنته، كما يقول.
حاول النهاري التغاضي عما يقوله وكيل النيابة، والحديث عن قضية ابنته، غير أن وكيل النيابة قام بإخراج ورقة، وقال له “شوف زوجتك تنازلت عن جميع حقوقها ما عليك الا الصلح والتنازل”. حينها يقول النهاري” أخبرت وكيل النيابة أن زوجتي في ريمة، وأن الورقة مزورة، فطلب مني أن آتي بها، لأثبت عكس ما يوجد في الورقة، ولكن ظروفي المادية لا تسمح بذلك”.
لم يجد النهاري من ينصفه، فاختار العودة إلى ريمة والحزن يمزق قلبه، دون أن يتنازل عن قضية ابنته التي تعرضت للقتل من قبل زوجها ووالدته، حد قوله، مستشهدا على ذلك بمحاولتهم تزوير وثيقة تنازل زوجته عن دم ابنته، وتحريف القضية عن مسارها، ومحاولة إغرائه بالمال مقابل التنازل. ويضيف “لكن والله لو أموت ما اتنازل عن حق ابنتي ولو بعد مائة عام وإذا القانون ما أخذ حق ابنتي فـ الله موجود وهو أحكم الحاكمين”.
مناشدة للإنصاف
ويناشد والد الضحية محمد النهاري كافة منظمات حقوق الإنسان خصوصاً تلك العاملة في مجال المرأة بتوفير الدعم القانوني للقضية سيما وان القضية يراد لها أن تُنسى خصوصا أن حالته المادية عوزة ولا يستطيع مواجهة تكاليف المحامين والتكاليف المالية الأخرى.