أخذت المنازل في عموم مناطق ريمة شكلاً ابداعياً وزخرفياً منذُ فترة طويلة بشكل متجانس مع الطبيعة الجغرافية والجيولوجية بالمحافظة المُعلقة على قمم الجبال الغربية لليمن .
ارتبط فن البناء والعمارة في ريمة بالإرث المعماري القديم المتمثل في المناطق والحصون الأثرية والمعالم التاريخية التي تعود إلى عصور ما قبل الإسلام، مثل: محل سبأ (قرية الحقب)، والقلة، دار السلام، وقرية عُدّن، وجبل الدومر، في مديرية السلفية، والحصون والقلاع التاريخية مثل: حصن قوردان، وحصن يفوز، وحصن دنوه، وقلعة جبل ظلملم، ومقابر جبل وزيم، وغيرها من المواقع والمعالم الأثرية المنتشرة في معظم المناطق. إلى جانب المساجد الأثرية التي يعود بناؤها إلى القرنين الخامس والتاسع الهجري كـ مسجدي الأعور ورباط النهاري في الجبين، ومسجد الضلاع السبعة بالسلفية، والعديد من المساجد التاريخية الأخرى. فعلى الرغم من أن تكاليف بناء المنازل بشكلها الفني التراثي مُكلِفٌ إلا أن أهالي ريمة يجدون في ذلك متعة وتجديد للإرث الحضاري لبلادهم رغم وطأة الظروف الاقتصادية التي تسببت بها الحرب في اليمن منذُ 6 سنوات.
تفرد معماري
لا تكاد تختلف الأنماط التقليدية في بناء المنازل في المحافظة عن المحافظات الأخرى، سوى أن الأولى تمتاز باستخدام الأحجار في بناء كل أجزاء المنازل وطوابقها، في حين أن المنازل في بعض المدن، تبنى طوابقها السفلية بالأحجار، وطوابقها العلوية من الياجور أو اللبن الطيني، كمدينة صنعاء ومدينة زبيد، إضافة إلى تنوع المواد المستخدمة في البناء في المدينة الواحدة، بحيث يستخدم البعض الأحجار، وآخرين يستخدمون اللبن الطيني أو الياجور.
إلى ذلك، يقول الباحث والمؤرخ حيدر علي ناجي: “كان بناء المنازل باستخدام الأحجار في المدن التاريخية العريقة مثل صنعاء، يقتصر على طبقة الأغنياء ولم يعتاد الجميع على بنائها، حيث كانت الطبقات الأدنى تستخدم الياجور أو اللبن الطيني في بناء المنازل، بينما تنفرد ريمة بأن كل مبانيها ومنازلها تبنى من الأحجار سواء منازل الأغنياء أو الفقراء”.
ويضيف في تصريح خاص لـ “ريمة بوست”، أن المجتمع الريمي منذ قديم الزمان تفنن في استخدام الأحجار لبناء المدرجات الزراعية والسدود والبرك والحصون والمنازل والقباب المزخرفة ذات النقوش والهندسة المعمارية المحكمة؛ في أعالي الجبال.
ويعود التنوع النمطي للعمارة اليمنية إلى تنوع تكويناتها الطبيعية والمناخية، وتنوع المناطق الجبلية والسهلية الصحراوية، والسهلية الساحلية، إذ ساهم في تعدد الأنماط والتي تميزت بخصائص معمارية لكل منطقة بما يناسب المهارات المعمارية والإنشائية والانفعالات الجمالية لساكنيها وكذلك مواد بنائها، وفقًا لكتاب خصائص العمارة اليمنية أشكالها واتجاهات تطورها.
أهمية الأحجار
تعتبر الأحجار ذات الألوان السوداء والبيضاء والخضراء بأشكالها الرباعية بريمة هي المادة الأساسية في بناء المنازل والمعالم والحصون التاريخية والسدود في كل المناطق منذ القدم وحتى الأن، إذ ساعدت الجغرافية الجبلية التي تتوفر فيها الأحجار على اعتماد الناس عليها في العمارة، كما إن الخصائص التي تتميز بها المباني الحجرية، من حيث صلابتها وقوة تحصينها أمام الاعتداءات والهجمات خصوصًا الحصون التاريخية؛ دفع الدويلات اليمنية القديمة التي نشأت في ريمة، إلى الحرص على استخدام الأحجار في بنائها بشكل متقن .
وتختلف نوعية الأحجار المستخدمة في البناء في ريمة من منطقة إلى أخرى، حيث تتوفر في بعض مناطق ريمة الأحجار السوداء والزرقاء التي تمتاز بطولها الذي يصل إلى أكثر من ثلاثة أمتار، إضافة إلى أشكالها ذات الأضلاع الرباعية والخماسية، والتي توفر على البنائيين عناء التشذيب والتشكيل، بالمقابل تتوفر في بعض المناطق الأحجار البيضاء التي يتم اقتطاعها وقصها من الصخور الكبيرة، باستخدام “الكمبريشن” (اداة يدوية لشق الصخور) وعدد من الوسائل الحديثة المستخدمة في استخراج الأحجار.
أجزاء النمط المعماري التقليدي
تتكون المنازل القديمة في ريمة من عدة طوابق بحسب الإمكانيات المادية لصاحبها، كما أن الغرف في الغالب تكون ذات أحجام متوسطة، ويخصص الطابق الأول والذي يسمي محليًا بـ “السّفِل أو الحضير” كحضيرة للأبقار والمواشي التي لا تخلو بيتٍ من وجودها، فيما يخصص الدور الثاني للمعيشة كـ حُجرات النوم وتناول الطعام.
أما بالنسبة للمطبخ، فقد حرص القدماء على بناء غرفة بجوار المنزل تسمى “سقيفة” ويتم فيها طبخ الطعام بالطريقة البدائية على الحطب، إضافة إلى طهي الخبز باستخدام التنور التقليدي، ويرى المواطنون أن بناء المطبخ في مكان مستقل عن المنزل، يعود إلى حرص الإنسان القديم على تجنيب المنزل وساكنيه من الدخان الكثيف الذي ينتج عن عملية طهي الطعام والخبز على النار.
في حين يخصص السكان الطابق الثالث الذي يتميز بنوافذ وغرف أوسع من الطابقين الأول والثاني، لاستقبال الضيوف ودواوين المقيل التي تسمى بـ “المِفرَج” نسبة إلى الفعل “يتفرَّج” أي ينظُر لتنفرج عنه الغمّة، حيث أن ارتفاعها يتيح للضيف النظر إلى الخارج والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة من حوله.
ومن الخصوصية التي يمتاز بها النمط المعماري في غالبية مناطق المحافظة، وجود النوافذ التي لا يزيد حجمها عن نصف متر مربع، وهو ما تبدو عليه معظم المنازل والمعالم التاريخية، كالقصر التاريخي في اللمهيل وغيره من المعالم، إضافة إلى الفتحات الصغيرة في السلالم ” الدرج” والتي تسمّى “المسْنَنَه”، ويدخل منها الضوء، في حين كان يستخدمها الجنود في القصور والقلاع لإخراج فوهات البنادق إطلاق الرصاص في حالات الحرب أو المخاطر.
وتعتبر العقود الحجرية “الأقواس” من أبرز سمات النمط المعماري التقليدي، حيث يتم بنائها على الأبواب الرئيسية للمنازل وعلى النوافذ وفي أسقف السلالم. ومما يميز العقود الحجرية هو ترابطها وقدرتها العالية على تحمل ضغط العمارة، إذ يتم بناء الجدران عليها وتظل لمئات السنين متماسكة بالرغم من العوامل الطبيعية والمناخية.
ويشتهر نمط استخدام العقود الحجرية غالبًا في بناء المساجد الكبيرة سواء القديمة أو الحديثة، إذ تساعد العقود في تقسيم الأسقف الواسعة إلى أجزاء محدودة، يسهل سقفها باستخدام القطع الخشبية المرصعة بالنقوش المذهبة والمخطوطات الدينية، كسقف الجامع الكبير التاريخي بالجبين.. وغيره من المساجد المتوزعة في مديريات ريمة.
وتستخدم الأحجار ذات الأشكال المسطحة التي تسمى في بعض مناطق ريمة بـ “الصلل” في تكوين أسقف المباني، حيث يتم وضع عدّة أخشاب غليظة بشكل أفقي، ومن ثم تغطية الفراغات الواقعة بينها بقطع خشبية قصيرة تسمى بـ “الصرب”، وفوقها يتم وضع الأحجار المسطحة لتغطية بقية الفجوات الصغيرة، ليتم بعدها وضع الطين اللازب الذي يشبه “اللبن”، وفوقه يفرش التراب الجاف ويتم تسوية سطح السقف، بحيث يكون مائلا قليلا نحو الجهة التي يقع فيها “المسرب” وهي ماسورة بلاستيكية تمر خلالها المياه المتجمعة أثناء هطول الأمطار.
ومن خلال النظر إلى تكوينات المنازل والحصون التاريخية نجد أن هناك أجزاء لا يستغني عنها أحد، فلا يكاد يخلو منزل أو حصن قديم من وجود “المدافن” (تشبه الخزانات أرضية) يتم استخدامها لتخزين الحبوب الزراعية في مواسم الحصاد حتى وقت الحاجة إليها، فيما يُستخدم بعضها لتخزين مياه الأمطار إلى جانب البرك والسدود المائية التي تعتبر المصدر الوحيد للمياه معظم مناطق ريمة.
وكما اهتم البناؤون القدامى بتقنيات وأنماط الفن المعماري الخارجي، فقد كان للمباني من الداخل لمسات جمالية أيضًا، تتمثل في صناعة القمريات ذات الألوان المختلفة، ونقش وزخرفة الأسقف الخشبية، وتلبيس جدران المنازل بمادة الطين، ونحت نقوش بارزة لأشكال فنية أو لنصوص دينية، وحكم شعبية، ومن ثم طلاء تلك الجدران بمادة “النورة” البيضاء التي تستخدم عادةً في طلاء جدران المساجد، والتي كان لها الحظ الأوفر من تلك النقوش والزخرفة خصوصًا لارتباطها بالفن المعماري الإسلامي الذي شهد تطورًا كبيرًا حتى أصبح فنًا معماريًا مستقلًا بذاته.
هوية معمارية بطابع عصري
على مدى العقدين الماضيين، شهدت كل مناطق ريمة، نهضة عمرانية ، نتيجة الازدياد السكاني المتواصل، وقد ساعد ذلك في تجديد الأنماط المعمارية بشكل ملحوظ، فبالرغم من التطور الذي رافق مسيرة العمارة التقليدية، إلا أنها ما زالت تحتفظ بهويتها التاريخية القديمة، إذ تفنن البناؤون والحرفيون المهرة في تجديد فنون العمارة عبر إضافة لمسات جمالية ذات طابع خاص يتماشى مع متطلبات العصر الحديث، ويلبي أذواق واحتياجات المجتمع.
لا تختلف المنازل الحديثة عن المنازل القديمة بشكل كبير، غير أنها تبدو أكثر تنظيمًا وذات تقسيمات متجددة، إذ أدى التنوع والتطور الذي شهده الفن المعماري في اليمن عمومًا، إلى تلاقح الأفكار واكتساب البنائيين في ريمة لمهارات وأنماط معمارية متنوعة، أثرت بشكل إيجابي على الفن المعماري في كل المناطق، كما إن سفر الإنسان إلى مدن أخرى واطلاعه على الأنماط المختلفة على مستوى الوطن وخارجه، دفعه إلى التجديد والتقليد وتحقيق رغباته.
ومما تميزت به العمارة التقليدية الحديثة، هو بناء خزانات كبيرة لتخزين مياه الأمطار تحت المنزل، لتسهم في الحد من مواسم الجفاف والقحط، كما حرص السكان على وضع الأبقار والمواشي في حضائر مخصصة لها خارج المنزل، إضافة إلى توسعة البناء ليصبح الطابق الواحد مكونًا من أربع إلى خمس غرف وأكثر، واستبدلت مادة الطين التي تستخدم لتلبيس الجدران، بمادة “الجس الأبيض” أو بمادة الإسمنت، الأمر الذي جعل الجدران تبدو أكثر استواءً وجمالاً.
وقد ساعد توفر المواد الحديثة المستخدمة في البناء على الدمج بين تقنيات البناء القديم والجديد، حيث تراجع استخدام الأخشاب في أسقف المنازل، واستخدمت الصبة (الخرسانة) الاسمنتية بدلاً عن ذلك، إضافة إلى التجديد في تصميم المنازل من الداخل بشكل يشبه النمط المعماري الحديث في المدن، من حيث الشكل والأدوات المستخدمة فيه، لتتزين الغرف والأماكن بديكورات متنوعة ذات مناظر ونقوش وزخارف جميلة.