على طريقة الباعة المفترشين أرصفة الأسواق، تفترش أمينة، 44 عامًا، الأرض وتسند ظهرها إلى جدار المدرسة التي يدرس فيها طفليها، وتضع أمامها قِدرٌ معدني مليء بالبطاطا المسلوق، إضافة إلى أكياس بلاستيكية مليئة بأقراص الروتي وقطع الحلوى وشرائح البطاطس المقرمشة.
وقت الاستراحة يزدحم حولها الطلاب لشراء “الساندويتش المحشو بالبطاط” وقطع الحلوى، وما إن ينتهي الوقت حتى يعود الطلاب إلى فصولهم، وتعود هي لترتيب أشيائها، لتقرر ما إذا كانت تحتاج لتوفير بعض ما نقص أو لا، كي يغطي احتياج عملها للفترتين الصباحية والمسائية.
اتخذت أمينة قرار العمل من أجل توفير لقمة العيش لها وطفليها ووالدتها التي تعاني من الخرس، بعد انفصالها عن زوجها الثالث الذي ترك لها طفلين توأم (أميرة – أمير) 9 أعوام، وتحملت مسؤولية إعالة الأسرة لعدم وجود أب أو أخوة يقفون بجانبها.
وحيدة تصنع تجاربها
بلسان من أثقلت كاهله الحياة وأنهكته تجاربها، تقول أمينة: تزوجت ثلاث مرات وجميعها انتهت بالانفصال لأسباب عديدة، أنجبت من زيجاتي الأولى والثانية أربع بنات، وجميعهن قد كبرن وتزوجن وبقيت وحيدة أعيل أمي المريضة، ليس لي أخ او أب يمكنني الركون إليه.
وتضيف في حديثها لـ “ريمة بوست”، بعد انفصالي في زواجي الأول والثاني، كبرت في العمر وأنا أحمل على عاتقي وصمة مجتمعية سلبية وضعها المجتمع بوصفهم لي “مطلقة”، هذه الوصمة دفعتني لخوض زيجة ثالثة، انتهت هي الأخرى بالفشل، وكانت هي الأسوأ لأني كنت آمل أن تكون أفضل.
تستطرد تفاصيل زيجتها الثالثة، أنجبت طفلين توأم، وكان زوجي عديم المسؤولية، وبعد فشل علاقتنا الزوجية قبل 7 أعوام صار الانفصال هو الحل الوحيد، لكنه ترك لي عبئا ثقيلا وهو تربية الأطفال وأنا امرأة ريفية ليس لدي أي عمل أو وظيفة.
وجدت أمينة نفسها وحيدة مره أخرى، ولكن هذه المرة مع أطفال لا تعلم كيف تعيلهم، خصوصا مع غياب والدهم الذي قلما يقدم لهم شيء، ولا يفي لأبسط احتياجاتهم، حد قولها، إضافة إلى عجزها ماديًا عن متابعة ورفع قضايا في المحاكم ضد والد أطفالها الذي لا يقوم بواجبه بالنفقة على طفليه.
لم تستسلم أمينة، بل وقفت بقوة أمام كل الظروف، وأعالت طلفيها ووالدتها، في البداية لاقت صعوبة في الحصول على فرصة عمل كونها امرأة أميّة وتعيش في محافظة ريفية، لكنها تغلبت على ذلك، وبدأت ببيع بعض الألعاب والحلوى للأطفال وأحيانا تبيع مستلزمات نسائية، حين رأت أن هناك إقبالا جيدًا استمرت في عملها لفترة زمنية لكن الدخل الذي تجنيه كان قليلًا مقارنة باحتياجاتها.
30 ألف ريال(50 دولار امريكي) شهريًا هو المبلغ الذي تحتاجه أمينة لشراء أدوية لوالدتها، هذا الأمر اضطرها للبحث عن عمل آخر، فعملت لدى صندوق النظافة في المنطقة، ومن ثم تعمل مؤخرًا في بيع البطاطس والحلوى… في المدرسة التي يدرس فيها طفليها، كون ذلك يساعدها في الاطمئنان عليهما.
تتابع: كثيرا كنت أحتاج لمن يأخذ عني هذا الحمل الثقيل تمنيت لو كان لي أب او أخ أستند عليه، وزواجي أكثر من مرة هو بسبب رغبتي للشعور بالأمان وأن يكون هناك لي سند فمسئوليتي زادت حين أصبحت أم وأب لأطفالي ولكنِ واثقه بالله كثيراً وأملي فيه كبير لتغيير نمط حياتي للأفضل.
الطلاق ليس جريمة
معاناة كبيرة لاقتها أمينة، غير أن أكثرها وقعًا على نفسيتها تلك الوصمة التي ينظر بها المجتمع للمرأة المطلقة.. “أعتقد أنه ليس من حق المجتمع تحميلي هذا العبء الثقيل… فاشلة لا تصلح لزواج قليلة الصبر، متمردة، أنانية، والكثير من الكلمات التي كانت تُقال لي تلميحاً وتصريحاً وللأسف مجتمعنا يحمل المرأة كل الأعباء وكأن الطلاق كان بسببها هي فقط”.
تواصل حديثها: على الرغم أن الدين الإسلامي شرّع الطلاق في حالة اليأس من مواصلة العلاقة الزوجية، وهو حق للرجل والمرأة، إلا أن نتائجه السلبية تقع دائما على المرأة وحدها، بحيث لا تستطيع إخفاء آثاره المادية والنفسية، كما لا تسلم من نظرة المجتمع الذي لا يرحم ويعاقب المرأة على ذنب لم تقترفه.
لا تخفي أمينة أنها تعرضت لمضايقات مختلفة، حيث تعيش مع طفليها ووالدتها في منزل منفرد، إذ تقول إن المنزل الذي ليس فيه رجل ينظر إليه الجميع بنظرة مختلفة، وأن الجميع يرون المرأة المطلقة لقمة سهلة المنال، خصوصًا أنها وحيدة “أتعرض للكثير من المضايقات فكثيراً ما أسمع أصوات بالقرب من منزلي أثناء الليل وضربات لباب المنزل، وهذا يجعلني أشعر بالخوف دائماً وعدم الاستقرار”.
في ذات السياق، تشير الحقوقية أشواق الفقيه، أن كما للمرأة الحق في الزواج فإنها أيضًا معرضة للطلاق أو الخلع، وهذا حق أساسي كفلته لها الشريعة الإسلامية والقوانين المحلية والدولية، موضحةً أن بقاء المرأة في علاقة زوجية فاشلة تعكر حياتها وحياة شريكها أكثر، خطأ لا يجب أن تقع فيه المرأة.
وتضيف لـ”ريمة بوست”، أن النظرة المجتمعية الخاطئة تجاه المرأة المطلقة يعود إلى العقلية الغير سوية الذي يتمتع بها بعض الذكور وليس كلهم، مشيرةً أن الخوف من تلك النظرة، يفترض ألا يكون سببًا يدفع المرأة للسكوت عما تتعرض له من عنف متزايد، خصوصًا أنه لا يوجد قوانين تحمي المرأة من التعنيف الذي يقع عليها سواء من قبل الزوج والأهل أو المجتمع.
تعنيف نفسي
وتصف أمينة المجتمع الذي ينظر بدونية للمرأة المطلقة، أنه مجتمع لا يرحم، ولا يعرف سوى كيف يعنّف المرأة نفسيًا. وهو ما يتطرق إليه المحامي ابراهيم العروسي، إذ يقول، إن العنف ضد المرأة لا يقتصر على كونه جسدي فقط فالعنف النفسي أشد وطأه لما له من تأثير سلبي على نفسية المرأة وحياتها، ويرتبط هذا العنف بأبعاد ثقافية واجتماعية، كما لا يوجد قوانين رادعة ضد من يمارس العنف النفسي ضد المرأة.
ويضيف لـ”ريمة بوست”، أن المجتمع بحاجه للوعي لمعرفة كيفية التعامل مع المرأة وإعادتها للحياة، مشيرًا أن هناك الكثير من النساء يتحمّلن ويصبرن على الإهانة والذل والضرب أحيانًا خوفًا من كلمة “مطلقة” ومن نظرة المجتمع التي تظل تلاحقها كأنها ارتكبت جريمة بحق نفسها وأهلها. ويؤكد في الوقت ذاته، على ضرورة نشر الوعي لدى الجميع بحقوق المرأة لكي تعيش بكرامة وسلام.
في ذات السياق، يشير وليد الشاوش38 عام، إمام مسجد، أن النظرة الدونية للمرأة المطلقة تشكلت لدى المجتمع دون وعي، خصوصًا إذا لم تجد المرأة من يساندها ويقف معها، مؤكدًا أن هذه النظرة تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي الذي كرّم المرأة وأعلى من شأنها، حيث أوصى النبي صلى الله علية وسلم المجتمع يوم خطبة الوداع بمكانة المرأة بقوله: “استَوصوا بالنَّساءِ خيرًا فأنَّهنَّ عندَكُم عَوانٍ”، وقال في حديث آخر “رفقًا بالقوارير” وهذا تأكيد ضرورة الرفق بالمرأة.
إلى ذلك، تختم أمينة حديثها لـ”ريمة بوست”: أتمنى من المجتمع أن يغيّر نظرته ضد المرأة فذنب الطلاق ليس ذنبها وحدها وإنما هو حق من حقوقها ومكتوب ومقسوم لها وأن يقوموا بتقديم المساعدة للنساء اللاتي مثلي بدلًا من تعنيفهن نفسيًا وتضييق الحياه عليهن.
تحرير:ريمة بوست