تجلس باستحياء في الصف السادس الابتدائي، وتلاحقها نظرات الاستغراب كونها تبدو أكبر عمرا من زميلاتها، تحاول كل يوم الجلوس في الصف الثامن لتظهر مع فتيات يقاربنها بالعمر، فلا أحد يعلم أنها اختارت العودة للدراسة لتتناسى الواقع المرير الذي تعيشه.
بنبرة حزينة ونفس منكسرة، تروي سمية (اسم مستعار)، 15 عاما؛ قصتها المليئة بفصول من المعاناة بعد انفصال والديها، “لم أعرف معنى العائلة وكيف يكون حنان الوالدين.. ولم أحظى بزوج يحتويني، بل أكملَ مسيرة الظلم والحرمان التي لازمتني في حياتي”.
شتات أسري
وتضيف سمية في حديث لـ” ريمة بوست” أن عمرها كان لا يتجاوز العامين، حين انفصل والديها، وقد صارت هي وشقيقيّها الأكبر منها سنا، محمد وعمر؛ ضحية ذلك الطلاق الذي شتت شمل الأسرة وفاقم المعاناة التي كان لها منه النصيب الأكبر خاصة أنها أنثى والأصغر بين شقيقيّها.
عاشت “سمية” هي وشقيقيّها بعد انفصال والديها، عند أسرة تكفلّت بتربيتهم حتى بلوغها سن الرابعة، بعدها قام أبوها بأخذهم للعيش معه في المنزل الذي يعيش فيه مع زوجته الأخرى التي تزوجها بعد طلاق أمهم، غير أن زوجته تلك رفضت أن يعيشوا معها. “رفضت زوجة أبي أنَّ نعيش معها وكانت تقوم بضربي واحراقي بالفحم إذا صدر مني شيء يضايقها” تقول سمية.
تعنيف مستمر.. وحقوق مسلوبة
استقر المطاف بـ”سمية” وشقيقيّها بالعيش عند عمها الذي يقيم في صنعاء، وهناك تبدأ رحلة شقاء أخرى لتبدأ حد وصفها “سافر بنا أبي إلى صنعاء لنعيش عند عمي(أخوه الأكبر). فلم يُعرنا أحد أي اهتمام أو يغمرنا بحنانه. تعرضت أنا للضرب، بيمنا إخوتي لم يعانوا معاناتي وكانوا أكثر حظا مني لأنهم لم يكونوا حبيسي البيت مثلي”.
لم تكتفي أسرة عمها بضربها فقط وإنَّما توبيخها واتهامها بالسرقة لأمها إذا ما تسنت لها فرصة لزيارتها حد قولها. وتضيف “سمية” والدمعة تنزل من عينيها “التحقت بالمدرسة بإصرار مني، وكنت اذهب للعمل في تنظيف البيوت لتوفير ما احتاج للمدرسة وتوفير ملابس وغيره”.
انقطعت “سمية” عن المدرسة وهي في الصف السادس الابتدائي، فقد قرر أخوها الأكبر الزواج من ابنة عمه الذي يقيمون عنده، وكان شرط قبول عمه لتزويجه أن يكون الزواج زقار (زواج البدل) بمعنى (أن تتزوج سمية بابن عمها، بمقابل زواج أخيها من ابنة عمه). كانت سمية حينها قاصرا، وكان زواجها مجحفا أيضاً حد قولها، فبينما دفع أخوها المهر لعمه، لم يدفع ابن عمها مهرها، في استغلال سيءٍ لصلة القرابة، خاصة أن المتعارف عليه في زواج البدل أن لا يدفع فيه مهر، وإنَّما تقوم كل أسرة بتجهيز العروسة بكسوة وذهب واحتياجات الزواج.
زواج تحت الإكراه
رفضت “سمية” الزواج من ابن عمها، ولكنها قوبلت بالضرب والتعنيف من قبل أخيها، بل وصل به الحد إلى التشكيك في عفتها وأخذها إلى طبيبة، لإجراء فحص للتأكد من أنها عذراء، متوهما أن سبب رفضها هو فقدانها لعذريتها. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي خضعت فيها سمية للفحص، إذ تقول بقلب مكسور “أجبرت على الذهاب للمستشفى مرتين لإثبات أنَّي ما زلت عذراء. ليتأكدوا من شكوك تساورهم كوني عشت متنقلة من عائلة إلى أخرى. مرة عندما كنت أقضي بعض أوقاتي عند أمي. ومرةً عند رفضي الزواج من ابن عمي”.
وبعد تلك المعاناة المختلفة التي عاشتها سمية، وإرضاء لأخيها، وافقت على مضض بالزواج من ابن عمها. تقول “لم يدفع زوجي مهري وزفوني له بدون أنَّ يشتروا لي ملابس وذهب أسوة بابنة عمي. وكل وقتي كنت حبيسة البيت”. ظنّت أنَّها بعد زواجها قد تستقر حياتها وتجد من يحتويها ويسندها، إلا أن تلك الآمال ذهبت سريعا أدراج الرياح، ليبدأ هو الآخر بنهج من سبقوه في تعنيفها، والقسوة عليها، وحرمانها من أبسط حقوقها، كما تقول.
خذلان الزوج
مرت تسعة أشهر من عمر زواجها الذي يسوء يوما بعد آخر، وزوجها (21عاما) يزيد قسوة عليها، حتى وصل به الأمر إلى طردها من المنزل إلى الشارع ليلا. حينها قام أخوها الأوسط بأخذها والسفر بها إلى منزل والدهم بريمة. فكانت سمية تأمل أن تلقى إنصافا من أبيها، ومعتقدة أنه سيرقَّ لحالتها وما عاشته من ظلم، ويعوضها عن إهماله لها، ولكنه بعد أن حدثته بكل ما لاقته من عمها وزوجها رد عليها، حد قولها، بعبارة ألجمتها وجعلتها تبتلع ما بقي من كلام “كل ما عملوه معكِ من حقهم”.
وتعيش سمية في منزل والدها ظروفا صعبة، فهي معلقة دون الحصول على حقوقها، فزوجها الذي لم يسأل عنها منذ أن غادرت صنعاء رفض أن يطلقها، مستغلا ضعف القدرة المادية لوالدها الذي يواسي ابنته سمية متى طالبت بالطلاق، بقوله لها ويجعل “اصبري واتحملي وارجعي لزوجك فأنا لا أملك مالا لأخلعك منه”. لكن سمية لم تستسلم بل اختارت أن تعود للدراسة، فتذهب كل يوم إلى المدرسة، برفقة أخواتها غير الشقيقات، لتتناسى الواقع المرير الذي عاشته.