“رجاء المصعبي” المرأة التي تحدت إعاقتها وأصبحت أيقونة لحقوق الإنسان

‏  5 دقائق للقراءة        964    كلمة

“برغم انني انسانة معاقة، ورغم ان امي انسانة أمية، ورغم ان ابي تعلم متأخر، إلا انه لم يعيقني أي شيء”. هكذا تقول رجاء المصعبي. فهي المرأة التي لم تمنعها إعاقتها عن العمل والكفاح في ميادين الحياة المختلفة، لتحقيق أحلامها وأهدافها، بل كانت دافعا لها لتكون أيقونة حقوقية، وخبيرة دولية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

رجاء عبدالله المصعبي، من أبناء عزلة بني مصعب بمديرية كسمة، ولدت عام 1968م في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية، فوالدها كان يعمل هناك، إذ تقول أن ظروف العمل أجبرت والدها على الغربة والإقامة هناك في السعودية مع أسرتها المكونة من أمها، وأخوانها السبعة، والذين أصبحوا فيما بعد سبب اتخاذ والدها قرار العودة إلى اليمن.

كان والدها مهتما بإلحاق الأبناء بالتعليم غير أن القوانين السعودية أنذاك لم تكن تسمح بإلتحاق أبناء الأجانب بالتعليم الجامعي. تروي رجاء: “في تلك الفترة أيضا كنت طفلة وكنت أحتاج إلى عملية جراحية في القدم لزراعة جهاز طبي، ولكن لأننا أجانب رفضوا يعملوا لي، رغم ان احنا بندفع المال”. وتستذكر قول والدها بعد ذلك الموقف: “صعب إني أعيش في بلد لا يحصل فيه أولادي على التعليم والصحة”. وبالفعل عادوا جميعا للعيش في صنعاء.

ولرغبتها في الإلتحاق بالتعليم ومقارعة الجهل، بدأت المصعبي مشوارها التعليمي بخطى واثقة، وحصلت على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية عام 1985م من كلية الآداب بجامعة صنعاء، والماجستير في الدراسات النسوية من مركز البحوث التطبيقية و الدراسات النسوية بالجامعة نفسها. ولم تقتصر مسيرتها العلمية على اليمن، بل حصلت على درجة الماجستير في حقوق الإنسان من مركز حقوق الإنسان بجنيف، إضافة إلى حصولها على العديد من الدبلومات والدورات التدريبية الدولية في مجال حقوق الإنسان وبناء السلام.

كرّست كل اهتمامها للدفاع عن حقوق الإنسان وغرس السلام، وعملت على المستوى الوطني والدولي في مجالات حقوقية متعددة، كحقوق المرأة، والطفل، والأحداث، وحقوق الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة، وحقوق السجناء. وشاركت ومثلت اليمن في العديد من المحافل الدولية، أبرزها، ترأسها الوفد اليمني المشارك في مناقشة مسودة الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وترأسها الحملة الإقليمية للطلاق التعسفي في اليمن.

لم تستطع ظروف إعاقتها، ولا أفكار المجتمع القبلي اليمني، وما يضعه من معوقات أمامها، ايقافها عن المضي نحو ما تؤمن به، وتدافع عنه، فمنذ وقت مبكر حملت على عاتقها حقوق وقضايا الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة، فكانت عنصرا فاعلا في الساحة اليمنية، فهي عضو مؤسس لجمعية المعاقين حركيا التي أسست في 1988م، وغيرها من الجمعيات العاملة في مجال تأهيل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في اليمن والوطن العربي.

وصفها الأستاذ رامي اليوسفي، أحد زملائها في العمل الحقوقي، بأنها امرأة ذات شخصية قوية، ولديها قدرة كبيرة في التغلب على الصعوبات التي تواجهها، كما أنها لا تسكت عن الظلم ولا تجيد المجاملة والنفاق على حساب ما تؤمن به، ففي معظم المؤتمرات والاجتماعات الحقوقية تتحدث بعفوية كبيرة وتضع الجميع أمام الحقيقة والواقع المعاش دون أن تجامل جهة أو طرف على حساب مبادئ الإنسان السامية التي آمنت بها وسعت في الدفاع عنها.

وتعتبر المصعبي من أوائل النساء اليمنيات التي عملن في مجال المشاركة السياسية للمرأة، ففي انتخابات عامي 1997م، و2003م، عملت كمديرة لمشروع المشاركة السياسية للمرأة وزيادة نسبة مشاركة النساء في الانتخابات كناخبات ومرشحات، كما عملت في العام ذاته كرئيس لصندوق دعم المرشحات، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع دعم قضايا المرأة، وتوعية المجتمع ورؤوساء المراكز الانتخابية، بالحقوق السياسية للمرأة وتشجيعها على ممارسته.

ولإيمانها العميق بالإنسان وحقوقه، وطرق الدفاع عنها وحمايتها، أنشئت المصعبي المؤسسة العربية لحقوق الإنسان في العام 2002م، وتوّلت رئاستها_حتى الأن_ وعملت على لدعم قضايا حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق المرأة بشكل خاص، وبنت من خلال المؤسسة علاقات جيدة مع منظمات المجتمع المدني الدولية منها والمحلية، كمنظمة التأهيل الدولية ومنظمة الإعاقة الدولية وصندوق الأمم المتحدة للسكان وغيرها. كما حصلت على عضوية العديد من المؤسسات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الطفل والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة، أهمها، شبكة حماية الطفل، الشبكة اليمنية لمناهضة العنف ضد المراة، وعضو مؤسس في اتحاد نساء اليمن، وعضو وممثل منظمة التأهيل الدولية في اليمن.

وتعتبر المصعبي خبيرة دولية في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وحقوق المرأة والطفل، وقد عملت بكل تفاني وشجاعة، مستلهمة ذلك من زميتلها الدكتورة رؤوفة حسن_رحمها الله_ والتي تعتبرها المصعبي ملهمتها وقدوتها فيما وصلت إليه في حياتها، حيث كان لها دور كبير في صقل شخصيتها ودفعها نحو النجاح. وتقول المصعبي عن نفسها، أن لها من اسمها نصيب، أي أنها صعبة المنال، وليس من السهل أن تضعف أو تتراجع.

ولكونها واحدة من أبرز النساء الحقوقيات في اليمن والوطن العربي، فقد كان لها مشاركات فاعلة في العديد من الندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية وورش العمل الدولية والخاصة بحقوق الإنسان، والتي كان أخرها المؤتمر الدولي حول الإعاقة والتنمية المقام في ديسمبر 2019م في الدوحة بدولة قطر. وتتويجا لجهودها الجبارة في الدفاع عن حقوق الإنسان، ونشر ثقافة المحبة والسلام، عيّنتها منظمة سبمودا للسلام الدولي المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، في العام 2013م، سفيرة النوايا الحسنة للسلام الدولي ومديرة الفريق اليمني لبرنامج سفراء النوايا الحسنة.

وبالرغم من انشغالها الطويل في خدمة الإنسان، وأخذ العمل الحقوقي المساحة الأكبر من ذاكرتها، إلا أن ريمة لم تغب عن أعمالها، ودائما ما تعتز بإنتمائها إليها. وتقول المصعبي أنها تتمنى زيارة مديريتها كسمة، غير أن الطرق الوعرة تحول دون ذلك، خاصة أنها لا تحتمل مشقة وعورة الطرق، وتضيف أنها تحاول جاهدة خدمة ريمة الأرض والإنسان. وقد قامت في العام الماضي بتوعية مجموعة من العاملين في المجتمع المدني في مجال مكافحة الكوليرا، كما تحرص على التعريف بريمة وما تعانيه من تهميش وانعدام في الخدمات المعيشية.

وترى المصعبي أن المرأة في ريمة من أكثر النساء في اليمن كفاحا، وتقول أن عليها أن تتحرك وتتغلب على كل الصعوبات وأن تعمل على تحقيق أحلامها، وأن تساهم في النهوض بريمة في كل المجالات، وتؤكد أن التعليم أهم ما تحتاجه ريمة برجالها ونسائها.