ابراهيم البلول: صوت الثورة ونغم اليمن الجمهوري

‏  5 دقائق للقراءة        873    كلمة

لم يعش الثائر وصوت الثورة إبراهيم طاهر البلول ليعاين انتفاضات الحادي عشر من فبراير، وهي تعيد صياغة مستقبل جديد لليمن، لكنه استطاع أن يسهم بأغانية وأهازيجه الثورية وشعرهُ النضالي في إنجاح تلك الثورة وأبنائها من شباب اليمن، فلم يكن يمر يوم دون أن يعلو صوته في القنوات التلفزيونية والإذاعية، والإذاعة المدرسيه مردداً “أنا يمني..واسأل التاريخ عني أنا يمني”.

فإبراهيم البلول ابن ريمة البار الذي ولد في عزلة بني مصعب، بمديرية كسمة سنة 1944م تلقى تعليمه الأساسي والثانوي في المملكة العربية السعودية، ثم إلتحق بالكلية الحربية في الرياض، وفي عام 1962م عندما إندلعت ثورة سبتمبر لم ينتظر حتى تنتهي الثورة، فقد عاد إلى اليمن مسرعاً للمشاركة بالثورة على متن أول سفينة، والتي رست في جزيرة كمران في البحر الأحمر.

وبعد عودته لليمن شارك في الكثير من المعارك دفاعاً عن الثورة والجمهورية وبعد نجاح الثورة السبتمبرية فقد قاده شغفه الفني والأدبي للعمل في إذاعة صنعاء ولأنه كان يؤمن بأن للإعلام دوره في رفع المستوي الثقافي للشعب فقد قام بإعداد وتقديم برنامج «أحرار الجزيرة العربية» مع ناصر قاسم وناصر السعيد، وبعد ذلك قرر الإنضمام للواء الوحدة فسافر الى القاهرة وهناك أخذ دورة في مدرسة المشاة المصرية، وعند عودته من القاهرة عمل كقائد فصيلة في اللواء ثم قائد كتيبة.

وبعد النظر لكفائته فقد قررت شؤون الضباط ارسالهُ للحديدة لإكمال تجنيد لواء العروبة والعمل على تجهيزه وسفره إلى القاهرة، فكان أكبر همّه هو نجاح الثورة والعمل على تثبيت دعائم الجمهورية فلم يقتصر عمله في الإذاعة والجيش فحسب، وإنما بسبب ذكائهِ وحنكتهُ وتفانيه وإتقانه لكل عمل يوكل إليه فقد عمل مديرا للمستشفى العسكري بالحديدة إلى جانب عمله كمدير لنادي الضباط، وفي عام 1968م طُلب الى صنعاء للعمل كمدير لمكتب نائب القائد الاعلى للشؤون المالية والإدارية، وبعد ذلك عمل في القوات البحرية كمدير لشؤون الضباط، وفي عام 1969م غادر إلى الإتحاد السوفياتي للدراسة حيث مكث هناك عام كامل، وعند عودتهِ تم تعيينه نائباً لمدير الأركان العامة.

كانت للعقيد إبراهيم طاهر أدوارٌ لا تُنسى في مجال الموسيقى العسكرية فقد كان موقناً بأنه كما يرافق الحرب حمل أدوات الحرب والسلاح فأنه يرافق السلام حمل أدوات الفن والموسيقى، فقد قام خلال عام 1966م بتكوين نادٍ للفنون الشعبية في الحديدة يضم فرقاً موسيقية وفنانين حيث أحيت هذه الفرق الاحتفالات بالعيد الرابع للثورة في أنحاء الجمهورية وقدم نشيده المشهور «أنا يمني واسأل التاريخ عني أنا يمني»، وهو من كلمات الشاعر المرحوم ابراهيم صادق والحان وأداء العقيد ابراهيم طاهر البلول.

وعندما نصل إلى الحديث عن حسه الفني فقد غلب عليه إحساس ومشاعر الفنان فهو ذو حس مرهف وذوق رفيع وراقٍ في التعامل والبساطة في المعشر، وهذا ما يلاحظ عليه من تعامله مع الأغنية سواء كانت وطنية أو عاطفية، وعندما تولى الرئيس ابراهيم الحمدي رئاسة الجمهورية فقد أرسلهُ للقاهرة للدراسة في المعهد العالي للموسيقى العربية حيث درس الدبلوم والبكالوريوس وتخرج منه عام 1980م.

عند عودته صدر قراراً من الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بإنشاء مدرسة الموسيقى العسكرية وتم تعيينه فيها، فقد أشرف العقيد إبراهيم على إنشاء المدرسة من الصفر و تشكيل الفرق الموسيقية (النحاسية والوترية) فكانت هذه الفرق النواة الأولى للموسيقى العسكرية في اليمن، حيث تخرجت منها كوادر عدة توزعت على وحدات القوات المسلحة والأمن وفي أنحاء محافظات الجمهورية كما التحقت الفرق الوترية بالفرقة الوطنية للفنون.

يذكر لنا ولده الأكبر “مصطفى” قصة حدثت لوالده في الحديدة فيقول: “أقيمت حفلة غنائية بمناسبة اعياد الثورة في ميدان التحرير بالحديدة، وقد كان اسم والدي الفنان ابراهيم طاهر ضمن الذين سيحيون الحفلة، فوصل هذا الخبر إلى قيادة اللواء فأرسلوا من يحذره بعدم الغناء بحجة أنه ضابط في القوات المسلحة، ولكن تدخل الأديب المرحوم العميد/ محمد الحيدري وأقنع قيادة اللواء بالاشتراك في الحفل”.

وقد رُشِّح العقيد للعمل كأمين عام لنقابة الفنانين اليمنيين.. فإبراهيم طاهر ألهب حماس الجماهير في المدن والقرى ولعب دوراً في ميادين الوغى بين زملائه، يحثهم على القتال ومنازلة أعداء الوطن والثورة والجمهورية حتى تحقق النصر. وقد لعب أدوار كثيرة في مقارعة الحكم الإمامي البائد وله أدوار خلّدها التأريخ اليمني فكان من ضمن من عملوا على فك حصار السبعين، فقد قام بقيادة المقاومة الشعبية أيام الحصار، وجمع أكثر من 3000 ما بين جندي وضابط بالتعاون مع مشايخ وأعيان ريمة.

كما أنه لعب دوراً آخر عندما وصلت بعض الأخبار إلى الرئيس عبد الله السلال بأن مشايخ ريمة متمردون على الدولة فطلبه وكلفه بالسفر إلى ريمة لإحضار المشايخ لمقابلته في الحديدة لكي يثبتوا ولاءهم للجمهورية، وفعلاً أحضرهم جميعاً، كما أنه اشترك في حلّ الخلافات بين مشايخ ريمة والدولة في عهد الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني وكانت له مواقف كثيرة بالسعي إلى تحقيق الوحدة بين الشطرين، فقد عمل مع لجان الوحدة بين الشطرين وكونوا حينها دائرة للموسيقى والمسرح العسكري.

ويذكر لنا حفيدهُ حسام خالد البلول: “بأنه في آخر ايامه اكتفى بالجلوس في المنزل، وممارسة الحياة العادية كأي شخص بسيط، فقد كانوا يحضرون إليه الناس ويجتمعون شيوخ وأعيان محافظة ريمة معه في جلسات المقيل، حتى ازدادت الآلام في جسمه وطوق حياتهُ المرض، فقد نُقل للعاصمة الأردنية(عمّان) للعلاج فوافته المنية هناك في مطلع عام ٢٠٠٨”.