ريمة بوست/مطهر الخضمي
“ابي عادو يصلي عشاء راعي شويه” (ما زال أبي يصلي العشاء انتظر قليلا) هكذا أجابتني الطفلة جنى (اسم مستعار) حين سألت عن أبيها على سماعة الهاتف. تركت المكالمة مفتوحة منتظرا الأب أن ينتهي من صلاته ويجيبني. أخذ الأب الهاتف من يد الطفلة تحدثت معه سألته عن حاله فاكتفى بقوله ” الحمدلله على كل حال”. منذ ما يقارب عامين وجدته في إحدى المجالس الخاصة وما زال يعرف صوتي ويتذكرني جيدا. وما زلت أتذكر ظروفه الصعبة التي يعيشها وهمومه التي كانت تنساب في حديثه معي في ذلك اليوم.
توفيق 35 (اسم مستعار) لرجل من مديرية الجعفرية يكافح من أجل كسب لقمة العيش له ولزوجته وأولاده الخمسة. يعيش توفيق في الجعفرية منذ ولادته، فأخذ من صلابة الأرض وجلادتها قدرا كبيرا مكنه من العيش في تلك الجبال العالية المليئة بالصعوبات. اشتغل توفيق في أعمال عديدة كعامل بناء وكمزارع وطباخ أيضا، ولكن ظروف الحرب وسوء الأوضاع الاقتصادية وتفاقمها في السنوات الثلاث الأخيرة أدت إلى انعدام الفرص في ريمة، وجعلت من توفيق شخصا عاطلا عن العمل.
رحلة فاشلة في البحث عن العمل
قبل عامين وبالتحديد في العام 2017 سافر توفيق إلى صنعاء للبحث عن فرصة عمل يكسب منها قوت المعيشة. يقول ” سافرت صنعاء بعدما تعبت وانا ادور عمل في البلاد، وبقيت بصنعاء ثلاثة شهور وأنا امشي وألف الشوارع أدور لي عمل في أي مطعم أو بوفيه أو محل ولا لقيت”. ويضيف “كنت أشتي أروح حتى اي مكان المهم ادخل مصروف لعيالي”(أريد حتى الذهاب إلى اي مكان اعمل اي شي المهم أصرف على أولادي).
ظل توفيق يبحث عن عمل ولكنه لم يجد أي فرصة عمل، حينها قرر السفر إلى محافظة إب والتي تبعد عن صنعاء 193 كيلو متر. “سافرت الى اب عشان اشوف لي عمل هناك والحمدلله لقيت لي عمل واشتغلت طباخ في مصنع للبلك”. ثم تنهد واستأنف حديثه”ولكن الحمدلله على أقدار الله، بعد حوالي ثلاثة شهور حرقت بالغاز، تسرب الغاز من الدبة(الاسطوانة) وأنا ما دريت فدخلت المطبخ ولعت النار فانفجرت النار بوجهي وحرق كل جسمي”.
ويردف بتحسر “اسعفوني إلى صنعاء وتعالجت هناك وتحسنت صحتي بس ما رجعت صحتي مثلما كنت من قبل”. مؤسف حين تهرب من جحيم المعيشة فتلفحك نيران أخرى على حين غفلة. عاد توفيق إلى ريمة للعيش مع زوجته وأولاده، صابرا على هموم الحياة وآثار الحروق التي تعرض لها، ليعيش فصولا جديدة من المعاناة الكبيرة خصوصا أنه مسؤول عن أسرة مكونة من زوجة وخمسة أطفال.
أطفال خمسة وزوجة يفتك بها الورم
ليست الظروف المادية الصعبة وانعدام فرص العمل وحدها التي أنهكت توفيق، بل خوفه أيضا على زوجته وأم أطفاله المصابة بورم في رجلها اليمنى، والتي تعاني منه منذ عدة سنوات.
“طلعت لها في رجلها قبل يمكن أربع سنوات وأكثر، ورمة صغيرة وما اهتمينا كانت تستخدم مرهمات وعلاجات بس ما كانت تشكّل”( بدا لها ورم صغير على سطح قدمها قبل يمكن أربع سنوات وأكثر وكانت تستخدم لها مرهم ولكن لم تُشفى). ويستدرك ” بس هذا الشهر تسلفت زلط وطلعت مرتي صنعاء تتعالج وأنا جلست انتبه للبيت والعيال”(لكن هذا الشهر استلفت فلوس وسافرت بزوجتي صنعاء تتعالج وأنا بقيت انتبه للبيت وللأولاد). ولأن زوجته كانت تسمعه وقت حديثه معي لم يفصح توفيق أن الورم التي في رجلها “ورم خبيث”.
جسدٌ مُنهك لا يقوى على تحمل قسوة العمل
يعمل توفيق أحيانا في أعمال البناء الشاقة والتي تتمثل في حمل الأحجار أو الحفر بالمفرس وغيرها من الأعمال التي تحتاج إلى جسد يتمتع بقوة وجلادة وصحة جيدة، غير أن توفيق يقف عاجزا أمام آثار الحروق التي تعرض لها ” الحمدلله يا صاحبي والله هذه الأيام لا شغل ولا برهه(عمل)، ولو برّهت في الأسبوع يومين أو ثلاث أيام بين الشمس أمرض ويلتهب جلدي لأنه ركيك بعدما حرقت” ( لو أشتغلت في الأسبوع يومين أو ثلاث أيام تحت أشعة الشمس أمرض يلتهب جلدي لأنه ضعيف بعد الحروق).
سألته عن وضع زوجته فأجاب على استحياء كونه من أبناء الريف المتحفظين الذين يفضلون عدم الحديث عن زوجاتهم ونسائهم لأنهم يرون ذلك عيبا “المرة روحت قبل أمس من صنعاء وعادها مريضة وشنا لها زلط عشان تعوّد والدنيا يعلم بها الله”(زوجتي عادت قبل أمس من صنعاء وما زالت مريضة ونحتاج مال من أجل أن نعود بها للدكتور بصنعاء).