“أحببتُ ريمة أرضا وانسانا وكنت حاضرا معهم في كل القضايا التي تخص ريمة، وحتى المشاكل البينية كنت حاضرا للمساهمة في حلها، فمنهم تعلمتُ مكارم الأخلاق، فلهم كل شكري وتقديري ومعذرةً لو قصرت في حقهم” بهذه الكلمات يفسر الأستاذ عبدالله عزي النوفاني سبب المكانة العالية التي تبوأها في عقول وقلوب معظم أبناء محافظة ريمة.
عبدالله عزي يحيى النوفاني، أستاذٌ تربوي وسياسي مرموق وشخصية اجتماعية ذاع صيتها الحسن في مختلف مناطق ريمة، وهو أحد مؤسسي العملية التربوية والتعليمية بمحافظة ريمة، حيث عمل فيها لأكثر من 25 عامًا، وقد صفه الأستاذ حيدر علي ناجي بأنه “رائد التعليم في ريمة بدون منازع”، بينما قال عنه علي قايد الجبل، بأنه “المعلم الذي درّس ريمة قاطبةً ومربي الأجيال وأستاذ الإدارة باكتمال”. ولأنه أكثر من يهتم بالتعليم، فقد حرص على تعليم أولاده الخمسة (2 أولاد و3 إناث) إذ أن جميعهم يحصلون على شهادات جامعية وبعضهم شهادات عليا.
ولد النوفاني عام 1946م بعزلة نوفان بمديرية السلفية، وفيها بدأ مسيرته التعليمية بدراسة القرآن الكريم في سن مبكر، ثم درس لست سنوات رفقة أخيه علي عزي على يد الأستاذ محمد أحمد السياني في المدرسة الحكومية في قضاء ريمة (الجبين) وهي المدرسة الوحيدة أنذاك، ولأن والده كان ميسور الحال فقد قرر إرسالهم للدراسة في صنعاء، بدعم وتشجيع من استاذهم السياني ومدير مدارس ريمة حينها الأستاذ أحمد قاسم دهمش.
يستدرك النوفاني: “ولكن والدي تردد كوننا كنّا صغارا ولا يوجد من يهتم بنا في صنعاء، فقرر حينها ارسالنا إلى المدرسة العلمية بمنطقة الابارة بمزهر، وكانت مدرسة حكومية وبها درسنا أربع سنوات في علوم الفقه والسيرة واللغة العربية والفرائض، على يد الشيخ العلامة محمد صالح الأبارة”.
ارتباك على خشبة المسرح
يروي لنا النوفاني إن من المواقف الصعبة التي عاشها كانت أثناء فترة دراسته في قضاء ريمة بالجبين، إذ كان حينها صغيرا وعمره لا يجاوز 12 عامًا، فذات مرة كانت المدرسة على موعد مع احتفالية بعيد النصر، فقام الأستاذ محمد أحمد السياني بتنظيم مسرحية، وكلّف عبدالله النوفاني بتمثيل أحد أدوارها وهو دور معن بن زائدة الذي اشتهر بكرمه وحلمه، كان عبدالله لأول مرة يقوم بالتمثيل، جاء يوم الحفل وكانت الساحة مكتظة بالحضور من كل الفئات أبرزهم عامل ريمة يومها الشيخ عبدالله عثمان، بدأت المسرحية وجاء دور عبدالله النوفاني فصعد على المنصة والخجل والارتباك بدا عليه، إذ كانت المرة الأولى التي يقف فيها أمام جمهور كثر، يقول: “وقتها اقترب مني الأستاذ السياني وقال لي خليك راجل هؤلاء أمامك اعتبرهم طلاب وأنت استاذهم فشديت حيلي وربطت جأشي والحمدلله وفقت وأديت دوري بأكمل وجه، الأمر الذي جعل عامل ريمة وقتها يكرمني من بين زملائي بعشرة ريال، وكانت المفاجأة ان كل الحضور بعد الحفل من مشايخ ووجهاء وغيرهم جاءوا يسلموا ويتعرفوا عليّ وكان أصعب موقف تجاوزته”.
محطات في خدمة ريمة
سخّر محطات حياته وفقا لما يحقق خدمة الأرض والإنسان إذ يرى أن أبرز محطات حياته تلك التي استطاع خلالها خدمة ريمة.. “أبرز محطات حياتي بدأت عام 1970م عندما انتخبت عضوا في مجلس الشورى وكان ذلك أهم محطة في حياتي السياسية حيث تمكنت من التعرف على أصدقاء ومسؤولين وأدباء ووزراء ومن خلالهم استطعنا ان نحقق شيء ملموس لمنطقتنا ريمة”.
بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر حصل النوفاني على معادلة من وزارة التربية والتعليم بدرجة ليسانس شريعة، وبدأ رفقة العديد من زملائه في السعي لخدمة محافظة ريمة، إذ قام في 1971م برفقة زملائه الممثلين بمجلس الشورى عن محافظة ريمة، وهم الشيخ يحيى محسن جعمان والشيخ سعد طاهر الضبارة والشيخ العلامة أحمد زيد القليصي واللواء المناضل يحيى مصلح؛ بتشكيل هيئة تطوير ريمة وكانت الوحيدة في محافظة صنعاء بعد العاصمة.
في الاجتماع الأول لهيئة تطوير ريمة والذي عقد في صنعاء بحضور العديد من شباب ريمة أنذاك، انتخبت الهيئة الإدارية، وكان من أبرز أهدافها دعم التعليم بريمة، إذ يشاركنا النوفاني الحديث إن من أبرز الحلول التي وضعوها كانت تتمثل دعم المدرسين “الملزمين” (المدرسين الذين يأتون من محافظات أخرى للتدريس في ريمة) وتشجيعهم على التوجه إلى ريمة ومنحهم مكافئات مالية شهرية، واعطائهم الأولوية في المنح وغيرها من الامتيازات، ويشير النوفاني أن عدد المدارس كان بريمة في تلك الفترة لا يتجاوز ثمان مدارس وجميعها تعمل بمدرسين ملزمين غير ثابتين.
اسند ملف إدارة المدارس بريمة يومها إلى الأستاذ طلال يحيى زيد والذي استمر لمدة لا تزيد عن ثلاثة أعوام، ليأتي بعده الأستاذ محمد مهدي الكويتي، والذي استمر بحسب النوفاني لفترة قصيرة أيضًا. وكانت الكوادر التربوية والتعليمية بريمة قليلة لا تزيد عن أصابع اليد، ومن المفارقات التي تؤكد ذلك قول النوفاني، إن في 1974م عاد حيدر علي ناجي العزي من صنعاء إلى ريمة وعمل إدارة مدرسة كسمة وكان هو الوحيد الذي يحمل شهادة ابتدائية تحت توقيع وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت.
ويضيف النوفاني في حديثه الخاص لـ”ريمة بوست”، أن من ضمن الكوادر التربوية التي كانت تعمل في تلك الفترة، هي السيد محمد زيد القليصي مدير مدرسة اللمهيل بالجعفرية والأستاذ مهدي عبدالوهاب بمدرسة اليمانية بالجعفرية، والأستاذ عبدالله بن صالح مدير مدرسة السلفية، إضافة إلى الأستاذ زيد الموشكي الذي جاء كمدرس ملزم إلى بلاد الطعام حيث كان عمّه يعمل في الواجبات الزكوية بذات المديرية، ومن ثم تقلّد إدارة مدرسة بلاد الطعام.
إنجازات تتحدى صعوبات الواقع
وخلال منتصف العقد 1970م، اجتمعت بصنعاء هيئة تطوير ريمة، وسُلم ملف التربية والتعليم لعبدالله عزي النوفاني كأحد أعضاء الهيئة، وقام حينها بالشروع في البحث عن مدرسين من صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية لإرسالهم إلى ريمة للتدريس وعمل على توفير بعض المستلزمات وإرسالها إلى المدارس في مديريات ريمة، حيث مارس النوفاني عمله إلى جانب عضويته بمجلس الشورى.
ظل النوفاني يواجه الصعوبات من أجل تطوير قطاع التربية والتعليم، واستطاع بتكاتف من معه تحقيق إنجازات ملموسة خلال تلك الفترة، إذ حقق أحلام أبناء ريمة الذي يفتقرون إلى أبسط إمكانيات التعليم، يشير النوفاني أن بعد عام 1978م عمل من أجل انشاء مدراس في ريمة وبالفعل حصلت المحافظة على 20 مدرسة، لكنها كانت تفتقد إلى كوادر تربوية.. “بحثنا عن مدرسين وجاء دور المدرسين العرب وبذلنا كل جهدنا متعاونين بروح الفريق الواحد، لنخرج ريمة من عزلتها التعليمية والاجتماعية وتم فتح الطرق وارسال المدرسين العرب إلى المدارس والتي كانت كلها من صفيح من زنج ومساجد وتحت الأشجار، ولكن استمر الحال والتقدم”.
وبالرغم من مسيرته الكبيرة التي بذلها في تحسين وتطوير التربية والتعليم لعدة سنوات إلا أنه لم يصبح موظفًا رسميًا لدى الدولة سوى عام 1981م، حيث عُيّن بقرار وزاري من مدير التربية والتعليم أنذاك الأستاذ عباس المنصور، كمدير لمركز التربية والتعليم بريمة الذي أنشئ في ذلك العام، بعد أن كان قطاع التربية والتعليم تابعًا لمركز حراز “مناخة- صعفان- الحصن” جنوب غرب صنعاء.
خلال أكثر من 25 عامًا استطاع النوفاني بحكمته وعزيمته معالجة الصعوبات التي واجهت سير العملية التربوية والتعليمية، وكان أبرز تلك الصعوبات توفير مدرسين لمدارس ريمة، إذ يستدرك في حديثه.. “تغلبنها عليها بإنشاء معاهد المعلمين، حتى جاءت مخرجات معاهد المعلمين، بعدها كنا نواجه صعوبات في إقناع أولياء الأمور بضرورة التحاق أبنائهم بمعاهد المعلمين، وفي البداية كان الإقبال ضعيف جدا ثم أصبح الاقبال ممتاز بعد تخرج الدفعة الأولى وتوظيفهم والحمدلله”.
استمر عمل النوفاني في التربية حتى عام 2007م، بعد أن شهد قطاع التربية والتعليم تطورًا كبيرا.. “لم أترك العمل في التربية إلا وقد المدارس أكثر من 400 مدرسة ابتدائية و100 مدرسة إعدادية وأكثر من 30 مدرسة ثانوية و5 معاهد معلمين بنظام 5 سنوات ومعهد بنظام ثلاث سنوات، المهم وفرنا كوادر تعليمية محلية لكل المدراس بريمة، وأصبح لدينا فائض وتم توزيعهم في المديريات المجاورة لصنعاء”.
وبعد سنوات العمل التي خاضها النوفاني، فقد اختار خلال السنوات الأخيرة العيش والاستقرار في منزله المتواضع بعزلة نوفان بمديرية السلفية، إذ يقضي جل أيامه، متنقلا بين الحقول والأراضي الزراعية مهتمًا بزراعتها وحصادها واصفًا ذلك الأمر بقوله: “عدنا إليها من حيث بدأنا”، فقد تربى وترعرع في القرية منذ الصغر وكانت هي المستقر الذي اختاره ليقضي فيها بقية حياته. حيث يمارس أعمال الزراعة ويغوص بذاكرته في صفحات الكتب المتنوعة، ويقوم بدوره الاجتماعي النبيل في حل المشاكل والخلافات التي قد تطرأ بين أبناء منطقته.
بين الجد والطرافة
وكما يحتفظ بذكرياته القديمة بكل تفاصيلها فإن للمواقف الطريفة التي عايشها نصيبًا من حديثه لنا أيضًا، إذ يقول: “أثناء عملي في التربية والتعليم، طلبت مرة من أحد المشايخ المتعاونين إيصال معاشات المدرسين وبعض الكتب الدراسية من صنعاء إلى مدرسة في السلفية”، وعند وصول الشيخ هناك سلّم المعاشات والكتب للمدرسين، وأثناء خروجه قام الأهالي باحتجاز سيارته ومنعوه من العودة، طالبين منه معاش المدرسة، حاول اقناعهم أنه ليس للمدرسة معاش لكنهم رفضوا تفهم الأمر واتهموه بسرقة معاش المدرسة.
يضيف: “حصلت مشادة كبيرة، فترك الشيخ سيارته وغادر، وبعدها قمنا بالتواصل وتدخلت وساطة من شخصيات مجاورة وأقنعناهم وأخرجنا السيارة”، مشيرًا أن الطريف في الأمر أن بعد ذلك الموقف.. “كنّا نحاول أن نرسل مع هذا الشيخ بمرتبات لمدرسين في مدراس أخرى فكان يرفض ذلك وأن يتعاون معنا”.
رسالة أخيرة
وفي سياق حديثه يتمنى النوفاني أن يرى اليمن شامخا ومنتصرا وآمنا موحدا وأن يرى ريمة وقد تحقق الحلم بوصول الطرقات إلى كل القرى وأن يتطور التعليم بشكل أكبر، كما لا يبخل أن يضع رسالته لكل قارئ في ريمة.. “أقول لكل أبناء ريمة واصلوا ما بدأوه أباءكم وناضلوا من أجل استمرار التعليم وشق الطرقات إلى كل قرية لم يصلها الطريق، “تخيّلوا كيف كنّا نمشي بأرجلنا وعلى الحمير من بيت الفقيه والمنصورية والسخنة وكدفان وباب الأحد ومدينة الشرق ونحن نحلم بأنه سيأتي يوم والسيارة رأس عزان والجبين وجبل برد واليمانية ومسور وبني الضبيبي وبكال والحمدلله تحقق الحلم”.