يبدو الألم جليًا في عينيها وهي تسند كفّيها على فخذيها كلما عدّلت من جلستها أو تحركت يمينًا ويسره، ونحن نتحدث معها. تروي “أ.ض”، 37 عامًا، إمرأة من مديرية الجبين، تفاصيل قصتها مع المرض والظروف التي يعيشها طفليها: “بدأت مُعاناتي عندما بدأت أشعر ببعض الآلآم في الظهر ومع اهمال الأمر ومرور الوقت لم أعد استطيع التحرك إلا بصعوبة. لكن المفاجئ ان الدكتور أخبرنا انه يجب اجراء عملية للعمود الفقري وإلا لن استطيع الحركة”.
كانت ضرورة الاستعجال بعلاجها أمرا مفاجئا لها ولزوجها الذي يعول خمسة أطفال، بينما هو يعمل حارسًا لأحد المكاتب الحكومية بالمديرية، مقابل 15 ألف ريال شهريًا (ما يقارب 25 دولارا)، إذ أن حالته المادية لا تساعده أحيانًا بدفع إيجار المنزل، فضلا عن تحمّل تكاليف العلاج العالية، وهو الأمر الذي أصبح غصة في حلق الزوجة التي تكتم آلامها بصمت.
ازدادت حالتها الصحية سوءًا، فاضطر الزوج إلى استدانة مبالغ مالية كبيرة، وأجريت العملية لعمودها الفقري، وكُتب لها النجاح. تقول: “الحمد الله نجحت العملية ولكن أنا بحاجة لمواصلة العلاج لمدى الحياة، والعلاج الذي استخدمه مكلّف”.
وتستدرك، أن الديون شكّلت عبئًا يثقل كاهل الأسرة، بالإضافة إلى ضرورة توفير الأدوية التي تحتاجها… “لم نستطيع أن نسدد الديون إلى هذي اللحظة ولكن ما أرهق زوجي وأشعره بالعجز هو كيف سيستطيع تحمل تكاليف العلاج الدائم؟”. هذا العبء دفع أطفالها إلى ترك الدراسة، والذهاب إلى سوق العمل لمشاركة أبيهم المسؤولية التي أنهكته.
بشعور بالأسى على مستقبل أطفالها، تشير ألام، أنه بالرغم من حب طفلها الأكبر “حيدر” ذو الثالثة عشر، للمدرسة وذكائه في التحصيل الدراسي، إلا أنه تركها بعد أن تم طرده من قِبل مدير المدرسة، نتيجة عدم إلتزامه بلبس الزي المدرسي، في حين كان الوضع المادي سبب ذلك.
تأثر “حيدر”، وبدأ البحث عن فرصة عمل في ريمة، ولكنه لم يجد، فاضطر للسفر إلى محافظة أخرى، للبحث عن عمل يستطيع من خلاله مساعدة والده في توفير متطلبات الحياة وشراء الأدوية لوالدته. أما طفلها الأصغر “محمد” ذو الثانية عشر، فقد اختار ذات الطريق التي سلكها شقيقه، إذ يصحو صباح كل يوم للذهاب للعمل في إحدى البوافي بالجبين، وليس إلى المدرسة. كما تقول الأم.
وبينما هي تتحدث تنساب من عينيها دمعة تقول كل ما يمكن أن تقوله أمٌ خشية على أطفالها الصغار الذين يصارعون ظروف الحياة بأجسادهم النحيلة.. حيث تقول إن ألمها الجسدي أخف بكثير مما تشعر به من ألم نفسي وخوف وقلق على صغارها الذين تشعر أنها فقدتهم، خصوصًا حين يعود “محمد” من العمل بارهاق شديد يمنعه عن الكلام كونه يتعرض لأضرار جسدية فهو لا يتحمل أعباء العمل.
وتواصل.. أما “حيدر”، ففي كل مكالمة يسألها عن حالها وصحتها، تستوقفه باكية، وتطلب منه أن يعود فهو ما زال صغيرها الذي تخاف عليه. وبالرغم من إطمئنانه الدائم لها بأنه بخير، فهي لا تصدقه لأنها تعلم أنه يعاني ويكابد الكثير من الألم والتعب، مؤكدة أن قلب الأم يشعر جيدًا بطفلها.
تؤكد ألام أنها ليست راضية عن عمل أطفالها، وأنا تشعر بالوجع حيال ذلك، لولا أن الظروف القاسية لم تترك لهم ولها خيار آخر، بل أجبرتهم للتخلي عن طفولتهم مقابل توفير أدوية للحفاظ على صحة أمهم المتعبة وتوفير احتياجات الحياة. وبينما كانت تتحدث، لم يستطع”م.ع”، زوجها الخمسيني السكوت، إذ شاركنا الحديث عما يخالجه حيال أطفاله الذين تحملوا المسؤولية مبكرًا.. حيث يؤكد أنه ليس راضيا لأطفاله بالمعاناة، لكن الظروف القاهرة كانت فوق طاقته، وشعوره بالعجز قاسٍ جداً حينما لم يستطيع توفير تكاليف العملية فضلاً عن توفير العلاج الذي تحتاجه زوجته مدى الحياة.
ويستردك، أنه رغم عدم رضاه عن عمل أطفاله إلا أنه يفخر بهم، لأنهم وحدهم من قاسموه الحمل الثقيل ولولاهم ما كان يعلم كيف سيتخطى الوضع الصعب الذي فيه.
وكانت قد قالت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة يونيسف في وقت سابق: إن هناك ملايين الأطفال يعملون لمساعدة أسرهم بطرق لا تنطوي على ضرر أو استغلال. ومع ذلك، تشير تقديرات المنظمة إلى أن هناك حوالي 150 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و14 عاماً في البلدان النامية، وحوالي 16 في المائة من جميع الأطفال في هذه الفئة العمرية، ينخرطون في عمالة الأطفال. وتقدر منظمة العمل الدولية أن هناك نحو 215 مليون طفل دون سن 18 عاماً يعملون ويعمل كثير منهم بدوام كامل، في جميع أنحاء العالم، ودفعت الحرب في اليمن أطفال البلاد للعمل لتوفير احتياجات أسرهم التي ترزح تحت دائرة الفقر.