“كل عام يمر هذا الشهر فيمتلئ قلبي شوقًا ولهفةً لقضاء أجمل ثلاثين يومًا، في بلادي الحبيبة اليمن ومحافظتي الجميلة ريمة، حيث له طعم ونكهة مختلفة، فهنا في الصين يمر عليّ دون أن أشعر بحلاوته وروحانيته، فلا يحلو إلا بصيامه قرب الأهل والأحباب وسط الجمال والطبيعية وهدوء الريف”.
بهذه العبارات التي تختزل مشاعر الغربة التي يعيشها منذ خمسة أعوام في الجمهورية الصينية، يباشر طارق عثمان المحجري،23 عامًا؛ الحديث عن حنينه الدافق والمتجدد لقضاء أيام شهر رمضان الكريم في محافظة ريمة، وسط دفء أهله ومحبيه وبيئته الريفية التي ولد وترعرع فيها، كغصنٍ يحنُّ إلى جذوره.
بملل ورتابة تمرّ لحظات وأيام طارق، ، خلال شهر رمضان هذا العام في مدينة شنغهاي، حيث يدرس بكالوريوس “هندسة اتصالات”، “يمر يومي الرمضاني في الصين مثله مثل أي باقي الأيام فأنا أصحى باكرًا أدرس وأعود لتأدية جميع مهامي اليومية بشكل معتاد عدا ساعات النوم غير الكافية بالنسبة لي كصائم”. يقول طارق.
يتابع لـ”ريمة بوست” عن تجربته التي ما زال يدوّن تفاصيلها: هنا بالنسبة لي لا وجود لروحانية رمضان وطقوسه ولصلاة التراويح والتسبيح ولحظات التهليل؛ حتى وإن وجدت بعض الطقوس الدينية في بعض الجوامع، أجد أن اختلافها أو عدمها يشعرني بقساوة الغربة أكثر.
غربة توقظ الحنين
دائمًا ما توقظ الغربة مشاعر الحنين في قلب الإنسان؛ حتى إلى أبسط التفاصيل والمواقف التي لم يكن لها أهمية في نفسه يومًا ما، كـ الصخب والازعاج الذي كان يصدره الأطفال الصغار في القرية حين يلعبون في صباحات أيام رمضان، وهو ما كان يثير تذمّر “طارق”، ليصحو من نومه لملاحقتهم قبل أن يفروا من أمامه هاربين.
لم يكن طارق هو الآخر يقضي نهار رمضان بهدوء تام، بل كانت ساعات العصر بالنسبة له ولغيره من أقرانه، فرصةً للذهاب إلى مناطق مجاورة بالقرب من منطقته بمديرية كسمة، لقطف ثمار التين الشوكي الذي ينضج بكثرة في شهر رمضان، فيعود إلى المنزل حاملاً الكثير منها، وانتظار وقت الإفطار لتناولها باردة وشهية.
الوجبات والمأكولات الرمضانية في ريمة جزء من الطقوس التي يشتاق لها “طارق”، حيث يسرد قائلاً: “أكثر ما أشتاق له هو البريك، وهي أكلة ريمية من المعجنات محشية باللحم والبيض، وكذلك اشتقت للشفوت واللحوح، الوجبة الأساسية للكثير من الناس في رمضان”
يواصل حديثه: “هناك الكثير من الوجبات الرمضانية وغيرها التي أفتقر لها وأشتهي لمذاقها بسبب عدم وجود المكونات الكافية لإعدادها”. لا سيما أن جائحة كورونا عقّدت عملية وصول البهارات اليمنية والسمن والعسل الريمي، التي كان يرسلها إليه أهله من اليمن باستمرار قبل الجائحة.
فسحة رمضانية
بالرغم من مشاعر الغربة التي تهيمن عليه أثناء قضاء شهر رمضان في الصين، إلا أن اللقاءات التي تجمعه بيمنيين آخرين مغتربين هناك، تعيد له بعض ما افتقده من الأجواء الرمضانية، حيث يعبّر أن أجمل الأيام هي تلك التي يتم فيها دعوته من قبل بعض المغتربين المقيمين مع عائلاتهم، للعشاء على مائدة يمنية، يجلس حولها العديد من الأصدقاء اليمنيين.
ويردف عن تلك اللحظات الجميلة: ما إن ننتهي من تناول وجبة العشاء، نتبادل الأحاديث ونصلي صلاة التراويح جماعة.. وقتها أشعر بالسعادة الكبيرة، وأشعر كما لو أني غادرت للحظات إلى وطني، فوجود المغتربين من نفس بلادي ومحافظتي خفف عني قساوة الاغتراب والبعد عن أهلي.
الصبر لتحقيق الأحلام
في ختام حديثه، لا يخفي طارق اشتياقه لأجواء شهر رمضان في ريمة بكل تفاصيلها، للطقوس الروحانية، للمجالس الرجالية التي تعلو بأصوات التسبيح والاستغفار، للمّة الأهل والأحباب على مائدة واحدة، ولمشاركة أصحابه وجبة الفطور في المسجد.
لكن ما يواسيه – حد تعبيره – هو الصبر من أجل تحقيق أحلامه التي يسعى إليها منذ سنوات، حيث يكاد ينتهي من دراسة البكالوريوس في هندسة الاتصالات، إضافة إلى طموحه الكبير في مواصلة الدراسة هناك للحصول على شهادة الماجستير قبل العودة إلى اليمن، مُعبرًا “لابد من العودة إلى حضن الوطن الكبير اليمن ومحافظتي ريمة بالتحديد”.