بتوجس ممزوج بالأمل يتابع الأربعيني فيصل منصور، أحد أبناء محافظة ريمة، أخبار الهدنة الإنسانية بين أطراف النزاع، التي أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، دخولها حيّز التنفيذ مساء السبت 2 ابريل/نيسان. في الوقت ذاته، لا يخفي فيصل قلقه إزاء تأثيرات الحرب، أبرزها ارتفاع أسعار السلع الغذائية كظاهرة سنوية للسوق اليمنية ازدادت خلال فترة الحرب.
الحرمان من الاحتياجات
بعد جولة تسوّق قام بها خلال الأيام الأولى لشهر رمضان المبارك، اكتفى المواطن فيصل منصور بشراء المواد الغذائية الأساسية كالدقيق والسكر والأرز والتمر وبعض البقوليات، بسبب موجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أسواق محافظة ريمة اليمن بشكل عام.
يقول فيصل، وهو موظف حكومي، إن ارتفاع الأسعار حرمه من شراء معظم الاحتياجات، كما لم يقم بشراء كل المواد الغذائية الكافية لشهر رمضان، كعادته خلال الأعوام الماضية، سيما أنه يعتمد على دخل نجله في توفير احتياجات الأسرة، منذ توقف صرف الرواتب الحكومية نتيجة الصراع في البلد
“الأسعار تضاعفت ولم تعد هناك سلعة إلا وسعرها مرتفع عمّا كانت عليه سابقًا، الكيس الدقيق (50 كيلو) على سبيل المثال ارتفع سعره من 12 ألف خلال رمضان العام الماضي 2021 إلى 20 ألف ريال هذا العام 2022″، يُفيد فيصل في حديثه لـ”ريمة بوست”.
أسعار مرتفعة وصرف منخفض
بالرغم من موجات ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تشهدها اليمن سنويًا مع قدوم شهر رمضان إلا أن الأهالي في مختلف مناطق ريمة يروا أن ارتفاع الأسعار خلال رمضان هذا العام 2022، يمثّل الارتفاع الأكبر الذي تشهده الأسواق على مدى ثلاثة أعوام منصرمة.
عاد جلال محمد، 42 عاما، من بلاد الغربة إلى ريمة لقضاء شهر رمضان بين أفراد أسرته المكونة من ١٠ أفراد، لكنه تفاجأ بالارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية “كل عام أعود لقضاء شهر رمضان مع أسرتي وأشتري احتياجاتي بداية الشهر كي لا أذهب إلى السوق دائما، ولكن هذا العام وجدت كل شيء بأسعار مرتفعة، في حين أن سعر الصرف الأجنبي ما يزال ثابتًا كما كان عليه قبل عام”.
ويشير جلال في حديثه لـ”ريمة بوست”، إلى أنه كان يصرف ألف ريال سعودي بـ ١٦٠ ألف ريال يمني ويشتري معظم احتياجات شهر رمضان من المواد الغذائية، بينما الآن لم يوفر بنفس المبلغ نصف الاحتياجات، وهذا بسبب تضاعف الأسعار، خاصة أن بعض السلع ارتفعت بنسبة تزيد عن ٩٠% عمّا كانت عليه قبل أشهر.
جلال واحد من الكثير من الأهالي في ريمة الذين يعتمدون على الحوالات المالية التي يتلقونها بالعملة الصعبة من ذويهم وأقاربهم المغتربين خارج الوطن، إذ انعكس هذا الارتفاع في الأسعار وثبوت أسعار صرف العملات الأجنبية، على قدرتهم الشرائية، وشكّل عبئًا إضافيًا على المغتربين وأسرهم، في ظل تحديات مختلفة يعانيها المغترب في الخارج والمواطن اليمني في الداخل.
وارتفع سعر الدقيق الأبيض من 12 وخمسمئة ريال العام الماضي، إلى 23 ألف ريال هذا العام، فيما ارتفع سعر علبة الزيت عبوة (4 لتر) من 4 ألف ريال العام الماضي، إلى 7 آلاف ريال هذا العام، وهو ذات الأمر بالنسبة لقارورة الفيمتو التي ارتفع سعرها إلى 1500 ريال مقارنة بـ 1000 ريال العام الماضي، بحسب رصد مواطنين.
انعدام المشتقات النفطية ووصول سفن جديدة
ليس ارتفاع أسعار المواد الغذائية الهم الوحيد الذي يكابده المواطن في ريمة، بل تجاوز ذلك إلى ارتفاع أسعار وسائل النقل ووسائل المواصلات داخل المحافظة وخارجها، ليصل الارتفاع إلى أكثر من ١٠٠% في مختلف وسائل المواصلات، وهي صعوبات تضاف إلى تحديات البيئة الجبلية الوعرة وانعدام الطرقات في معظم المناطق، بحسب المواطن صالح البكيري.
ويضيف البكيري، 46 عامًا، أن سعر الراكب من مديرية الجبين إلى صنعاء ارتفع إلى 20 ألف ريال خلال الشهرين الأخيرين، مقارنة بعشرة آلاف ريال للفترة ذاتها العام الماضي، في حين يشير مواطنون إلى وصول أسعار الراكب من الجبين إلى مدينة الحديدة، 5 آلاف ريال، مقارنة بمتوسط 2500 ريال، خلال الفترة الماضية.
يُرجع محمد المنتصر، مدير مكتب الصناعة والتجارة بريمة، موجة الارتفاع الأخيرة في أسعار المواد الغذائية بالمحافظة واليمن عمومًا، إلى أزمة انعدام المشتقات النفطية نتيجة الحصار الذي يفرضه “العدوان” على ميناء الحديدة ومنعه دخول النفط، مشيرًا إلى أن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية يعود لسبب ثاني أيضًا، وهو ارتفاع أسعارها في الأسواق العالمية.
ويوضح بخصوص الرقابة على الأسواق “يقوم المكتب بالنزول الميداني للرقابة على الأسواق وضبط الأسعار وفق قائمة الأسعار الصادرة عن وزارة الصناعة والتجارة، ولكننا أيضًا كمكتب حكومي نواجه صعوبة في عملية النزول بسبب عدم توفر المشتقات النفطية”.
في السياق ذاته، وبحسب المتحدث الرسمي لشركة النفط اليمنية عصام المتوكل وصلت خلال الأسبوع الحالي ثلاث سفن إلى ميناء الحديدة وهي :سفينة البنزين” قيصر” بعد احتجازها لمدة 32 يوماً من قبل التحالف، وسفينة الديزل الإسعافية “ديتونا” والتي تحمل كمية 29,934, وسفينة المازوت “سيلاندر سافير” بعد احتجازها لمدة 88 يوماً من قبل التحالف السعودي الإمارتي.
آمال الناس في الهدنة
بالرغم من إعلان الأمم المتحدة مساء السبت المنصرم، هدنة إنسانية لوقف الحرب في اليمن لمدة شهرين للتخفيف من معاناة الشعب وإدخال الوقود وفتح مطار صنعاء الدولي، إلا أنها لم تنعكس على الواقع لتخفف من معاناة المواطنين بالفعل من خلال انخفاض الأسعار وتوفر الاحتياجات الأساسية، بحسب حديث المواطن فيصل منصور.
ولا يخفي الرجل وغيره من المواطنين الذين قابلناهم، التعبير عن أملهم وارتياحهم من إعلان الهدنة وإيقاف الحرب، لعلها تكون الخطوات الأولى التي تساعد في تحسين أوضاع المواطن الاقتصادية وصرف الرواتب الحكومية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية.
في الوقت ذاته، يرى الصحافي اليمني نجم الدين قاسم ، إن إعلان الهدنة الإنسانية في اليمن كان أمرًا مُلحًا يهم كل اليمنيين الذين أنهكتهم الحرب وآثارها، وانعكست سلبًا على احتياجاتهم المعيشية وحالت دون حصولهم على حقوقهم في الحصول على الغذاء والعيش بكرامة، سواء في محافظة ريمة أو غيرها من المحافظات.
ويردف، أن عدم تنفيذ بنود الهدنة بشكل كامل على الأرض حتى الآن، لم يحدث لها أي أثر على حياة المواطن المعيشية وكل ما يتعلق بمصالحه واحتياجاته، مستدركًا: “في حالة تم تنفيذ بنود الهدنة خصوصًا ما يرتبط بحياة الناس كإدخال سفن المشتقات النفطية وفتح الطرقات المغلقة؛ بالتأكيد ستنخفض الأسعار وسيستفيد المواطن ولو بالحد الأدنى من وجودها”.