كعادته صباح كل جمعة، أخذ عمار هاتفه المحمول الجمعة المنصرمة 21 يناير، ليجري مكالمة هاتفية بوالديه الساكنين في محافظة ريمة؛ للاطمئنان عليهما، فالمكالمات هي الوسيلة الوحيدة التي تصله بهما، منذ أن بدأ العمل في صنعاء قبل ثلاثة أشهر، لكن فجأة لم يكن أحدًا يرد؛ بل يأتيه الرد التلقائي أن الهاتف مغلقًا أو خارج نطاق التغطية.
حاول عمّار محمد، 26 عامًا، معاودة الاتصال مرارًا وتكرارًا، فلم ينجح الأمر. وقتها قام بالاتصال مرة أخرى ولكن هذه المرّة على هاتف أحد أشقائه، ثم على هاتف زوجة شقيقه؛ كل الهواتف مغلقة ولا أحد يرد، بدأت التساؤلات تتسرب إلى عمار. حينها اختار الاتصال على أرقام بعض جيرانهم في القرية، فكان الجواب ذاته. “إن الرقم الذي تتصلون به قد يكون مغلقًا أو غير متوفر حاليًا”.
بدا انطفاء كل الهواتف دفعة واحدة أمرًا مقلقًا وباعثًا للشكوك والمخاوف بالنسبة لعمّار، الذي لم يكن يعلم بعد ما الذي حدث. ظل محتارًا وقلقًا في آن واحد، غير أن حديث أحد أصدقائه وإخباره بتعرض مبنى الاتصالات بالحديدة لقصف جوي من قبل التحالف السعودي، وخروج الاتصالات عن الخدمة؛ أزاح عن كاهله قدرًا كبيرًا من عبء تلك التساؤلات.
وتعرض مبنى الاتصالات في محافظة الحديدة لغارات جوية من قبل التحالف السعودي الإماراتي في وقت مبكر من صباح الجمعة، وفقًا لوسائل إعلامية، ، أدت الغارات إلى انقطاع خدمات الإنترنت في جميع المحافظات اليمنية، كما تسببت بخروج خدمات شركة يمن موبايل عن الخدمة في الحديدة وريمة.
سنترال مشترك
وتسبب الانقطاع المفاجئ لخدمات الاتصالات والإنترنت في وقت واحد بعزل الأهالي في ريمة عن أقاربهم وذويهم الساكنين في المناطق والمحافظات الأخرى، الأمر الذي أثار مخاوف الكثيرين، خصوصًا أن خدمات الاتصالات الهاتفية خرجت عن الخدمة بريمة والحديدة فقط، بينما بقية المحافظات لم يتوقف فيها سوى خدمات الإنترنت.
وعن علاقة توقف شبكة الاتصالات (يمن موبايل) في ريمة بالقصف الذي وقع في مدينة الحديدة، أوضح المهندس ياسر ثامر، مدير عام الاتصالات في ريمة، أن توقف محطات الموبايل في محافظة ريمة منذ مساء الجمعة وحتى مساء السبت، كان نتيجة تعرض سنترال الاتصالات بالحديدة للقصف الجوي من قبل “العدوان”.
وأضاف في تصريحه لـ”ريمة بوست”: “محطات الموبايل بريمة تعتمد على سنترال الحديدة، ولكن كمعالجة مؤقتة تم نقل حركة التراسل وتحويلها عبر سنترال صنعاء وتم تشغيل المحطات خلال 24 ساعة من توقفها”. مشيرًا إلى أن بالنسبة لتوقف خدمات الإنترنت فلم يقتصر على ريمة بل اليمن كلها.
اغتراب آخر
بعد ما يقارب 24 ساعة على انقطاعها، عادت خدمات شركة اتصالات يمن موبايل للعمل، لكن مشكلة انقطاع الإنترنت ظلّت قائمةً، الأمر الذي حال دون قدرة المغتربين خارج اليمن على التواصل بأهاليهم وأسرهم بريمة؛ حتى بعد الإعلان عن عودة خدمات الإنترنت للعمل في اليمن يوم أمس الثلاثاء 25 يناير، 2022م.
بالرغم من عودة خدمات الانترنت يوم أمس لمعظم المحافظات اليمنية، إلا أنها ما تزال متوقفةً في محافظة ريمة، ولم يعد سوى خدمات الانترنت السلكي (الهاتف الثابت)، التي يستخدمها عدد قليل من المواطنين في مراكز المديريات، فيما لا تزال خدمات الانترنت اللاسلكي 3G)) في خطوط يمن موبايل، التي يستخدمها غالبية السكان في مناطق ريمة؛ خارجة عن الخدمة.
يقول، يوسف صالح، 38 عامًا، مغترب في السعودية “انقطاع خدمات الإنترنت جعلنا نشعر بقيمته وأهميته بالنسبة لنا نحن المغتربين لأننا بعيدين عن أهالينا وأسرنا، وحده الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تساعدنا في التغلب على الغربة وتجعلنا نشعر بقربنا من أسرنا، لأننا نتواصل بهم دائما”.
ويضيف في حديثه لـ”ريمة بوست” أن بعد تعذر تواصله بأهله عبر البرامج التي تستخدم الانترنت، فقد اضطر للتواصل بهم عبر المكالمات الهاتفية الدولية، ما فاقم وضعه المادي بسبب الكلّفة المرتفعة لرسوم الاتصالات الدولية، لا سيما أنه معتاد على الاتصال بأسرته كل يوم.
وتعتبر برامج التواصل الاجتماعي (الواتساب – إيمو وغيرها من البرامج) التي تعتمد على الانترنت في استخدامها، هي الوسائل التي يستخدمها المغتربين وغيرهم من القاطنين خارج اليمن، كون الاتصالات عبر الإنترنت أقل ثمنًا وأكثر سهولة من الاتصالات الهاتفية الدولية مرتفعة الكُلفة.
في السياق ذاته، أوضح عبدالرحمن الزيادي، مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة يمن موبايل، عبر منشور على موقع التواصل “فيبسوك”، أن خدمات الانترنت مقطوعة عن أرياف محافظة الحديدة، ومحافظة ريمة، والمحويت، وبعض المناطق الريفية في حراز والحيمة؛ نتيجة للقصف العدواني الذي تعرض له السنترال المركزي بالحديدة.
وأشار إلى أنه يُجرى تطبيق حلول بديلة لإعادة خدمة الإنترنت، غير أنه لم يحدد توقيتًا معينًا لعودة خدمات الإنترنت في المحافظات والمناطق التي تطرق إليها، من ضمنها محافظة ريمة.
أضرار مختلفة
لم تقتصر آثار انقطاع شبكة الإنترنت على اليمن في حرمان السكان في ريمة واليمن عمومًا من حقهم في التواصل؛ بل أثرّت على أنشطة وسائل الإعلام المحلية والدولية إضافة إلى تأثيرها على أنشطة القطاع الخاص والمصارف والبنوك وغيرها من القطاعات التي تعتمد على الإنترنت في أعمالها.
لأهمية قطاع الاتصالات والإنترنت في الحياة الحالية؛ جددت المؤسسة العامة للاتصالات وشركة تليمن – في بلاغ صحفي – دعوتهما إلى ضرورة تحييد خدمات الاتصالات والإنترنت وحماية القطاع وتجنيب منشآته الاستهداف والقصف، مؤكدتا حرصهما الدائم على استمرارية تقديم خدمات الاتصالات والانترنت بحيادية ومهنية لكافة المواطنين في الجمهورية اليمنية.
وعلى مدى السنوات الماضية تعرض قطاع الاتصالات في ريمة لأضرار مختلفة، أخرها تعرض الشبكة اللاسلكية في جبل برد بكسمة لقصف جوي أدى إلى تدميرها في يناير 2019م، ما تسبب بتراجع مستوى الخدمات وحال دون وصول تغطية الشبكات اللاسلكية إلى العديد من المناطق في المحافظة.
رغم ذلك يبقى المواطن وحده من يدفع الثمن ويكابد ظروفًا استثنائية صعبة، يكون فيها غير قادر على الاتصال أو الاطمئنان على أقاربه وأحبّته ولو بالكلمة، كهذه الأيام العصيبة التي تمر ببطء شديد بسبب انقطاع خدمات الإنترنت اللاسلكي (3G) في خطوط يمن موبايل، حد وصف المغترب يوسف صالح، الذي يتساءل – ومعه الكثير أيضًا – عن موعد عودتها للعمل.