لم تساعد الظروف المادية “انتصار” ووالدها على البقاء والاستقرار في صنعاء من أجل الاستمرار في علاجها وتدريبها وتأهيلها في مركز الأطراف والعلاج الطبيعي، كونها تعاني من شلل في الجزء السفلي لجسدها نتيجة تضرر الحبل الشوكي، إثر سقوطها في منطقة جبلية خطرة أثناء ما كانت تجلب الأحطاب إلى المنزل، قبل ما يقارب 9 أعوام.
تقول “انتصار” 19 عامًا، (اسم مستعار)، إن الدكاترة نصحوها – حين كانت تتلقى العلاج في مصر – بضرورة تلقي العلاج الطبيعي وتمرين أطرافها السفلية بشكل يومي، من أجل استعادة حركتها التي فقدت بسبب حدوث تهشم في فقرات العمود الفقري وتعرض الحبل الشوكي لضغط بسيط، إذ لا تزال أطرافها تتلقى تغذية دموية، وهذا الأمر يبعث الأمل في أن تستعيد حركتها وتقف على رجليها يومًا ما.
وتضيف لـ “ريمة بوست”: “كنت بصنعاء أتلقى التمارين والعلاج بمركز الأطراف كل يوم وكنت أشعر بتحسن ولو بشكل بطيء. ولكن حين عدت إلى محافظة ريمة بسبب الظروف، كون والدي مزارع، لم أعد أتلقى التمارين والعلاج الطبيعي لأنه لا يوجد في مديريات ريمة حتى مركز واحد لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة.. ولا أدري ستتحسن حالتي أم لا”.
تقضي “انتصار” جل أيامها ملقاة على الفراش في زاوية الغرفة، إذ أنها تعيش في منطقة جبلية ذات تضاريس صعبة، وليس من السهل خروجها وتنقلها عدا عن حملها أحيانًا إلى سقف المنزل للتنفيس عن الملل والارهاق النفسي الذي يعتريها.. حيث ترى إن استقرار وعيش ذوي الاحتياجات الخاصة في محافظة ريمة أشبه بالعيش في قبر مفتوح، حد تعبيرها.
وتشير “انتصار” إلى أن معاناتها تتفاقم بمرور الأيام لأنها تعيش في بيئة تفتقر إلى أبسط الخدمات الصحية والتعليمية، ولا يوجد فيها خدمات الرعاية والتأهيل، وليس لها سوى والدها، من يقوم بعلاجها وتوفير الاحتياجات التي تتناسب مع إعاقتها، بالرغم من أنها تحمل بطاقة من صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، كانت قد استخرجتها من فرع الصندوق بصنعاء.
“نحن نعيش معاناة كبيرة ومحرومين من جميع مقومات الحياة، لا أحد يتلفت إلى معاناتنا في ريمة”
تجسد المعاناة التي تعيشها “انتصار” الصورة الأوضح للمعاناة الكبيرة التي يعيشها الآلاف من الأشخاص ذوي الإعاقة في مديريات ريمة، حيث يعيشون في بيئة جبلية صعبة لا تتناسب مع خصوصية أوضاعهم، كما يفتقرون إلى أبسط خدمات الرعاية الصحية والتعليمية والعينية، في ظل حرب مستعرة منذ ستة أعوام، أثرت تبعاتها على كل مقومات الحياة.
تعرض فكري ثابت، 33 عامًا، من الجعفرية، لحادث مروري وهو في طريقه للبحث عن فرصة عمل في صنعاء عام 2009م، وأصيب بكسور في ثلاث فقرات قطنية بالعمود الفقري وانقطاع في الحبل الشوكي، نتج عنه شلل دائم لنصفه السفلي، ما جعله طريح الفراش. يقول فكري: “نحن نعيش معاناة كبيرة ومحرومين من جميع مقومات الحياة، لا أحد يتلفت إلى معاناتنا في ريمة”.
ويضيف: “طلعت لي تقرحات في الظهر وكنت خائف لا تنتشر أكثر. وحين نزل صندوق رعاية المعاقين إلى المديرية، طلبت فراش طبي من أجل التقرّحات لا تنتشر في جسدي لكنهم قالوا ليس متوفر لديهم ولم يعطوني. لذلك داومت على استخدام مراهم والحمد لله اختفت التقرحات، لكنها عاودت الظهور هذه الأيام مع الجو الحار”.
ولا يخفي “فكري” أن الصندوق قدم له كرسي متحرك، لكنه يقول “اعطوني كرسي متهالك أخاف أجلس عليه لأنه قد يزيد تأثيره سلبًا على عمودي الفقري المتهالك أيضًا”. وهو الأمر الذي ينفيه في ذات الوقت، ابراهيم شاحط، مدير فرع صندوق رعاية وتأهيل المعاقين بريمة، مؤكدًا أن الصندوق وزع كراسي متحركة جديدة.
ويعيش أكثر من 11 ألف و931معاق من ذوي الإعاقة، منهم 6191 ذكور و 5740 إناث، وفقًا لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين، ظروفًا صعبة في مناطق محافظة ريمة، في ظل جهود محدودة لفرع صندوق رعاية وتأهيل المعاقين (مؤسسة حكومية)، وغياب تام للمؤسسات والمنظمات والجمعيات التي تهتم برعاية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
إلى ذلك، يوضح “شاحط” أن الأطفال يمثّلون الشريحة الأوسع في نسبة ذوي الإعاقة بريمة، مؤكدًا أن غالبية الأطفال المسجلين لدى الصندوق هم من ذوي الاعاقات المزدوجة، الذين يعانون من ضمور في الدماغ، نتيجة أسباب كثيرة، أهمها، نقص الأوكسجين وقلة الرعاية لدى الطفل أثناء الولادة ومعاناة الأم خلال الولادة الطبيعية، إضافة إلى زواج الأقارب والأمراض الوراثية وتناول الأم بعض الأدوية أثناء الحمل دون استشارة طبيب.
انعدام الرعاية الصحية
لا تقتصر الصعوبات التي تعاني منها هذه الشريحة خلال السنوات الأخيرة في ريمة؛ على ضعف الدور الرسمي وعدم وجود مراكز رعاية وتأهيل وانقطاع الاعانات المادية “الضمان الاجتماعي” التي كان يتلقاها بعضهم، فحسب؛ بل في انعدام الخدمات الصحية والطبية، الأمر الذي يدفعهم للسفر غالبًا إلى مدينة الحديدة أو العاصمة صنعاء لتلقي العلاج، ما يفاقم حالاتهم المادية المتدنية، إضافة إلى مشاق السفر بحثًا عن رعاية صحية.
ما يقارب ساعتين وأحيانًا أكثر، الوقت الذي يحتاجه “ق.الريمي” لنقل ابنته “انتصار” على “نقّالة اسعاف” محمولة على الأكتاف في طرق جبلية خطرة، من أجل الوصول إلى طريق السيارة، وهو ما يشكّل عوائق عديدة، ويحول دون حصول ذوي الاحتياجات الخاصة على الخدمات الطبية إلا بعد معاناة، إضافة إلى أن ذلك يشكّل في الوقت ذاته عائقًا أمام وصول اللجان التابعة لفرع صندوق رعاية وتأهيل المعاقين بالمحافظة، بحسب ابراهيم شاحط.
ويضيف “شاحط” في حديثه لـ”ريمة بوست” أن المعاقين يذهبون للعلاج في مدينة الحديدة أو صنعاء، لأنه لا يتوفر في مديريات المحافظة مستشفيات ومراكز رعاية وتأهيل، مشيرًا إلى أنه “حتى لو تم بناء مستشفيات ومركز رعاية وتأهيل للمعاقين في مركز المحافظة، فإن تباعد المديريات عن بعضها البعض يعتبر عائق آخر ويحتاج الشخص إلى تكاليف باهظة أعلى من تلك التي ينفقها المعاق للعلاج أو للحصول على تأهيل ورعاية في المدينة”.
إلى ذلك، تقول منظمة العفو الدولية في تقريرها حول ذوي الاعاقة في اليمن أثناء النزاع: “وقد تأثر قطاع الرعاية الصحية العامة والضمان الاجتماعي تأثراً شديداً بالحرب في اليمن وبالانهيار الاقتصادي، مما أدى إلى تقاعس متواصل عن ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ويعتمد كثير من هؤلاء الأشخاص على الصدقات أو يعيلون أنفسهم، وسقط بعضهم في هوة الفقر مما جعلهم عاجزين عن شراء المتطلبات الأساسية، مثل الأدوية أو حفَّاضات البالغين، بل واضطُر أحد الأشخاص من ذوي الإعاقة إلى التسوُّل على أحد الطرق السريعة”.
وبالرغم من أن اليمن من الدول الأطراف في “اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، ولديه قوانين تهدف إلى حماية الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنهم يعانون – حتى من قبل الحرب – من توفر أبسط الامكانيات ولا يحصلون على أبسط حقوقهم المشروعة. ويصل عددهم في اليمن إلى ما لا يقل عن أربعة ملايين ونصف المليون نسمة أي حوالي 15 بالمئة من عدد السكان، وفقاً لتقديرات “منظمة الصحة العالمية” غير أن خبراء رجحوا أن العدد أكثر من ذلك بالنظر إلى تأثيرات النزاع الجاري.
جهود محدودة ومعاقين ليسوا ضمن احصاءات الصندوق
أما عن جهود صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، وهو الجهة الوحيدة العاملة في ذات المجال ، فيقول “شاحط” مدير الفرع : إنه بالرغم من افتتاح الفرع عام 2015م في “ظل الحرب والعدوان”، إلا أنه عمل على تنفيذ العديد من الأنشطة التي تساعد في التخفيف من معاناة ذوي الإعاقة ، من خلال تقديم الخدمات العينية والصحية والتعليمية وبتعاون وصفه حد قولة:” بالكبير” من السلطة المحلية.
ويؤكد “شاحط” إلى أن خدمات الصندوق تنوّعت – على مدى ست مراحل – بين تقديم كراسي متحركة بأكثر من 600 كرسي بأحجام مختلفة، وعكازات وفرش طبية وسماعات السمع وعصي للكفيفين، إضافة إلى تقديم الخدمات التعليمية لما يقارب 200 شخص، مشيرًا أن خدمات الصندوق شملت مديريات، الجبين، بلاد الطعام، السلفية، الجعفرية.
ولا يخفي الرجل أن الصندوق ليس لديه احصائيات دقيقة حول ذوي الاعاقة في مديريتي كسمة ومزهر وبعض مناطق السلفية، معللا ذلك إلى: “انعدام التمويل لإجراء مسوحات ميدانية تستهدف الوصول إلى كل الحالات” خصوصاً إن صعوبة الوصول إلى المناطق في أعالي الجبال ، يجعل من الأمر أكثر تعقيداً وعدم القدرة لاجراؤة بجهد ذاتي من قبل الصندوق الذي يشير مديره ، إلى أن الفرع يعمل فقط بحسب الدعم الذي يقدمه المركز الرئيسي بصنعاء، إذ لا يتلقى دعم من أي جهات محلية أو دولية من أجل خدمة هذه الشريحة ، داعيًا الجميع – خصوصًا القطاع الخاص والمنظمات العاملة في مجال ذوي الاعاقة – للوقوف ومد يد العون للتخفيف من معاناتهم في محافظة تكتنفها صعوبات ومعوقات كثيرة.
وعلى الرغم أنه مؤخرا اعتمد فرع مستقل لصندوق رعاية المعاقين بالمحافظة النائية إلا أن المعنيون في فرع الصندوق يفسرون قلة الخدمات للمعاقين في مختلف مناطق البلاد وتضاؤل دورهم إلى غياب الشراكة الإنسانية بين الأخير كقطاع حكومي والمنظمات الغير حكومية العاملة في اليمن.
وكان قد عمل فرع الصندوق في وقت سابق على تنفيذ أنشطة طفيفة لجمهورة بالشراكة مع بعض مؤسسات المجتمع المدني المحلية إلا أنها لم تستمر ولم تتوسع بشكل يلبي خطة الصندوق المُعدة على إثر احتياجات المعاقين في واحدة من أحدث محافظات اليمن ذات الطبيعة الريفية والمُعلنة مطلع عام ٢٠٠٤ بقرار رئاسي كمحافظة مستقلة برقم ٢١.