12 دقائق للقراءة 2355 كلمة
مؤخرا انتشرت الكثير من الشائعات حول وجود دور سلبي للمنظمات الدولية العاملة في اليمن خلال سنوات الحرب، تتمثل في أنها لا تقدم مساعدات فعّالة من شأنها تخفيف تداعيات الأزمة الإنسانية التي يعاني منها المواطنين، وأن ما تقوم به من مشاريع في اليمن ماهي إلا غطاء لتنفيذ أجندات وسياسات خارجية لا تصب في مصلحة البلاد.
“ما يحتاجه الناس في اليمن هو انهاء القتال في جميع أنحاء البلاد” بهذه العبارة وصف المتحدث باسم الأمم المتحدة “ستيفان دوجاريك” حاجة السكان في اليمن في الوقت الحالي وذلك في مؤتمر صحفي عقده في مقر الأمم المتحدة بنيويورك في شهر يونيو الماضي بعد مضي سبع سنوات على الصراع في البلاد.
وبعد انقضاء السبعة أعوام من الحرب في اليمن، أصبحت كافة سبل العيش مهددة بالانهيار ومنها ما انهار فعلاً، قدمت المنظمات الدولية العديد من المساعدات الإغاثية ودعمت قطاعات مختلفة كالتعليم والصحة، لكن يبقى الحل الأمثل لجميع هذه الأزمات هو إيقاف الحرب وإطلاق مسار جاد نحو تحقيق عمليات السلام والتزام أطراف الصراع بوقف إطلاق النار.
وخلال هذه السنوات حاولت منظمات دولية التخفيف من آثار الازمة الإنسانية على السكان المحليين عبر الاستجابات الإنسانية المتعددة التي نفذتها، وفي هذا التقرير تم رصد عدد من المشاريع التي قامت بتنفيذها عدد من المنظمات الدولية خلال السنوات الأخيرة في اليمن، والتي قامت بدور إيجابي في مساعدة بعض ممن أثرت عليهم الصراعات، وبسبب المعلومات المضللة والمغلوطة التي نقلت للسكان عن دور المنظمات الدولية في الازمة اليمنية تعرضت المنظمات لانتقادات متكررة.
وفي تقييمها للوضع ترى الأمم المتحدة أن اليمن قد زادت فيها الأزمة الإنسانية تعقيدا اذ يواجه أكثر من نصف سكان البلاد انعدام الأمن الغذائي، وخمسة ملايين شخص على بُعد خطوة واحدة من المجاعة في بلد يتهاوى اقتصاده سريعا وهبطت العملة المحلية فيه الى مستويات متدنية خلال السنوات الأخيرة بشكل يؤدي الى اضعاف الأسر اليمنية في الحصول على حقها من احتياجاتها الأساسية.
وبسبب الحرب هناك ما يقرب من 80 في المائة من اليمنيين بحاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، و 10 ملايين شخص على حافة المجاعة ، وأكثر من 3 ملايين مشردين حاليا وغير قادرين على العودة إلى ديارهم.
و تحتل اليمن الآن المرتبة 178 على مؤشر التنمية البشرية – مقارنة بـ 153 ، قبل عام 2015 بحسب بيانات الأمم المتحدة.
الأمن الغذائي.. منعا للانهيار الوشيك
وتقول الأمم المتحدة ان 80% من السكان في اليمن يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدولية التابعة لها في بلد يشهد اسوأ ازمة إنسانية معاصرة في العالم.
وفي شهر مايو الماضي أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، زيادة حجم المساعدات في بؤر الجوع باليمن، للحيلولة دون وقوع مجاعة مدمرة.
جاء ذلك في بيان صادر عن مكتب برنامج الأغذية العالمي في اليمن قال فيه إنه يعمل على زيادة مستوى المساعدات الغذائية في أسوأ بؤر للجوع باليمن عبر تكثيف توزيعات السلع الأساسية.
استئناف البرنامج لتوزيع المعونات الغذائية الشهرية جاء بعد نحو عام على تقليصها وتوزيعها كل شهرين، غير أن الاستمرار على نفس المنوال في الحفاظ على هذه الاستجابة حتى نهاية العام غير مؤكد، وفق ما يقوله البرنامج نفسه.
وفي أبريل ومايو من هذا العام، بعد تأكيد التمويل الجديد، بدأ برنامج الأغذية العالمي في زيادة المساعدة لنحو ستة ملايين شخص في تسع محافظات هي: حجة، الجوف، عمران، الحديدة، صعدة، ريمة، ذمار، المحويت وتعز، حيث تشهد أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي “الطارئ” استنادا إلى تقييماتها على مقياس التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائيIPC4 ، واعتبارا من يونيو، سيتلقى هؤلاء الأشخاص الحصة الكاملة مرة أخرى كل شهر.
ويدعم برنامج الأغذية العالمية ما مجموعه 12.9 مليون شخص بالمساعدات الغذائية في اليمن، ويعطي الأولوية للمناطق التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي ويقدم الدعم السريع للأسر النازحة بسبب النزاع، كمحافظة مأرب.
وبحسب الأمم المتحدة فقد قدم المانحون في هذا العام حتى الآن ما يقرب من 947 مليون دولار لجهود برنامج الأغذية العالمي لدرء المجاعة في اليمن “.
حيث يقدم البرنامج مساعدات غذائية لنحو 13 مليون شخص وذلك من خلال عمليات توزيع مباشرة للمواد الغذائية أو من خلال تزويدهم بالقسائم التي يمكنهم استخدامها في متاجر التجزئة ، وتحصل كل أسرة مكونة من ستة أفراد على حصة شهرية من دقيق القمح والبقوليات والزيت النباتي والسكر والملح.
واستجابةً لارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد والمعتدل والشديد بين الأطفال، يقدم البرنامج دعماً غذائيا لحوالي 1.1 مليون شخص من النساء الحوامل والمرضعات والأطفال دون سن الخامسة.
وبالرغم من توفير المساعدات الإنسانية، هناك 16 مليون شخص ينامون جوعى كل يوم ورغم المساعدات الإنسانية يعاني 16.2 مليون يمني انعدام الأمن الغذائي. وأصبح هناك أماكن في اليمن تعاني من ظروف شبيهة بالمجاعة لأول مرة منذ عامين في حجة وعمران والجوف ومن المتوقع أن تتضاعف ثلاث مرات تقريبًا في النصف الأول من عام 2021 (16500 إلى 47000 شخص) بحسب المنظمة الدولية.
النزوح.. أزمة إنسانية مضاعفة
مع دخول الحرب عامها السابع ، أدت الصراعات الأخيرة إلى نزوح العائلات للمرة الثالثة أو حتى الرابعة وتضاعف مشكلة انعدام الامن الغذائي بشدة لدى الاسر النازحة ،حيث خلفت الحرب حتى الان اكثر من ثلاثة مليون ونصف نازحا داخليا وأدت الحرب الأخيرة على محافظة مأرب بين قوات الشرعية وجماعة انصار الله الحوثيين الى نزوح 22 الف شخص منذ فبراير الماضي.
وأدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية – ما يصل إلى 200 في المائة عن مستويات ما قبل الحرب – إلى جعل الغذاء باهظ الثمن بالنسبة للملايين. وفوق كل ذلك، تجتاح موجة ثانية قاتلة من جائحة كوفيد-19 جميع أنحاء اليمن، ونظام الرعاية الصحية غير قادر على التعامل معها.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “انه بموجب نظام تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، نتولى قيادة عمليات توفير الحماية والمأوى والمواد غير الغذائية ونوفر المساعدات النقدية للنازحين داخلياً لمساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الملحة كالغذاء والدواء، والمأوى في حالات الطوارئ، والفرشات والبطانيات وحصائر النوم وأدوات المطبخ ومصابيح الطاقة الشمسية وغيرها لمساعدة النازحين والفئات الأكثر ضعفاً وقد وصلت مساعداتنا إلى الأشخاص المحتاجين في المحافظات الـ 20 المتأثرة من الصراع”.
وفي وقت سابق أمنت المفوضية مساعدات في مجال الإيجار للنازحين بقيمة 200 دولار أميركي لـ 9,200 عائلة ضعيفة تواجه خطر الطرد وقد تم تحديدها من قبل الموظفين الميدانيين التابعين للمفوضية من خلال الزيارات المنزلية أو من قبل الموظفين في المراكز المجتمعية.
وعلى الرغم من نقص التمويل والوضع الأمني المتقلب تقدم المفوضية مساعدات نقدية لآلاف العائلات النازحة في مأرب لتغطية نفقات الغذاء والملابس والاحتياجات الطبية وغيرها كما قامت بتوزيع الخيام ومواد الإغاثة الأساسية على العائلات التي فقدت كل شيء لدى الفرار من القتال.
وأشارت المنظمة الدولية للهجرة في فبراير الماضي إلى أن أكثر من 3000 شخص تلقوا “مجموعة المساعدات الطارئة” وهي صندوق يحتوي على حصص غذائية وملابس وأجهزة إنارة، من خلال آلية الاستجابة السريعة كما قالت إن كل عائلة وعددها 500، تلقت تحويلا نقديا طارئا لمرة واحدة من قبل المنظمة.
وقد أنشأت المنظمة الدولية للهجرة في العام الماضي مكتبا لها في مأرب لدعم المجتمع الذي يعاني بسبب حالة النزوح الداخلي الكبيرة، وتؤكد المنظمة أنها تواصل العمل مع الشركاء لتلبية المطالب الضرورية للمدنيين مع التصعيد الحالي وتأثيره على المجتمعات اليمنية الضعيفة.
التعليم .. مزيد من الانهيار
في بيان لها، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” من احتمال ارتفاع عدد الأطفال الذين يواجهون خطر الحرمان من التعليم في اليمن إلى 6 ملايين طفل، حيث أن أكثر من مليوني طفل في سن الدراسة أصبحوا الآن خارج المدارس فعلياً بسبب تبعات الحرب.
وتسببت الحرب أيضاً في توقف 2500 مدرسة عن العمل إما لاستخدامها كثكنات عسكرية من قبل أطراف الصراع أو خروجها عن الخدمة أثناء القتال أو تحولها إلى مساكن للنازحين، وفقاً لما جاء في بيان مشترك عن اليونسكو واليونيسف وصندوق ” التعليم لا يمكن أن ينتظر” والشراكة العالمية من أجل التعليم في أكتوبر 2020.
وأعلنت منظمة اليونسكو في يوليو 2020 عن مشاريع تتمحور حول التعليم البديل وفرص تعويضية تستهدف الأطفال خارج المدارس في إطار جهود الحد من التأثيرات الكارثية للأزمة.
وقدمت حكومة اليابان مطلع العام الجاري 4 ملايين دولا أمريكي لليونيسف ستخصص لتعزيز فرص ما لا يقل عن 135000 طفل في اليمن للوصول إلى تعليم ذي جودة على مدى ثلاث سنوات ، كما ستسهم المنحة في دعم قرابة 3000معلم ومعلمة لتمكينهم من تقديم تعليم جيد.
يقول ممثل اليونيسف في اليمن فيليب دواميل “يحتاج أطفال اليمن أكثر من أي وقت مضى إلى مساعدة عاجلة . فتعليم الأطفال في اليمن على حافة الهاوية ، كما أن الأطفال غير الملتحقين بالمدارس معرضون بشكل متزايد لخطر العنف وسوء المعاملة والاستغلال”.
وأردف دواميل بالقول ” تعتبر هذه المساهمة من شعب وحكومة اليابان ذات أهمية بالغة لضمان عدم تفويت الأطفال تعليمهم ليصبحوا مواطنين منتجين في المستقبل وهو ما تحتاجه اليمن فعلاً”.
ومنذ العام 206، تبرعت الحكومة اليابانية بأكثر من 39 مليون دولار لدعم تعليم الأطفال في اليمن . وتأتي المساهمة الأخيرة هذه بمثابة دفعة كبيرة للجهود التي تبذلها اليونيسف وشركاؤها من أجل دعم وتحسين تعليم الأطفال في جميع أنحاء البلاد .
كورونا .. حرب من نوع آخر
في ظل الازمة الإنسانية التي تعيشها اليمن سجلت السلطات المحلية أوائل الإصابات بوباء كوفيد19 في شهر ابريل من العام الماضي 2020، وبحسب تقرير أصدرته وزارة الصحة أن اجمالي عدد حالات الإصابة بالفايروس قد وصلت حتى الان الى 6936 إصابة بينما بلغت اعداد الوفيات بالفايروس الى 1365 حالة وفاة.
وفي مواجهة ذلك تسلمت اليمن أواخر شهر مارس المنصرم 360 الف جرعة من لقاح “استرازينيكا” لحماية العاملين الصحيين وغيرهم من الفئات السكانية ذات الأولوية والمعرضين لخطر الإصابة بكوفيد-19 ووقايتهم من الفيروس.
وقدم اللقاح الخاص بمكافحة فيروس كوفيد-19 في اليمن عن طريق منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف و الائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة (CEPI)، والتحالف العالمي من أجل اللقاحات (غافي).
وبحسب منظمة الصحة العالمية فانه قد وصلت اللقاحات البالغ عددها 360,000 جرعة إلى جانب 13,000 صندوق لحفظ اللقاحات و 1,300,000 من المحاقن واللازمة لبدء حملة التطعيم بشكل آمن وفعال وتمثل هذه الدفعة الأولى جزءًا من 1,9 مليون جرعة ستحصل عليها اليمن مبدئيا خلال العام 2021.
وقبل ذلك في 17 من نفس الشهر قدمت منظمة الصحة العالمية 700 أسطوانة اكسجين لدعم المرافق الصحية في اليمن التي تعاني من نقص الاكسجين.
وقدمت منظمة الصحة العالمية في أواخر مايو من نفس العام 16 طنا من الادوية والمحاليل الطبية وأدوات السلامة والحماية من الفايروس للمحافظات اليمنية التي تقع تحت سيطرة الشرعية
وفي صنعاء التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله الحوثيين وصلت في أواخر مايو من العام الماضي 2020 (15 طنا) مستلزمات طبية وعلاجية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في إطار جهود المجتمع الدولي في محاربة الوباء في اليمن.
وفي شهر يونيو حزيران الماضي وافق البنك الدولي على تقديم 20 مليون دولار كمنحة مالية جديدة لدعم حملة التطعيم ضد فيروس كورونا في اليمن. وبهذا ارتفعت مساهمات البنك الدولي لمكافحة الفيروس في اليمن الى 47 مليون دولار.
وقال أدهم عبد المنعم ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن إن عشرة آلاف جرعة لقاح وصلت إلى مطار صنعاء يوم الاثنين ووضعت في مخازن تبريد بحسب وكالة رويترز.
وأضاف: “إن أفراد الطاقم الطبي فقط هم من سيتلقون التطعيم في هذه المرحلة التي ستبدأ الأسبوع المقبل في وزارة الصحة بصنعاء “تحت سيطرة وإدارة منظمة الصحة العالمية”.
وقالت منظمة الصحة العالمية في بيان لها على موقعها الإلكتروني “انها تواصل مع شركائها دعم الجهات النظيرة الصحية والوطنية، في ظل الموارد المحدودة المتاحة، على افتراض أنَّ المرض ينتقل بالفعل على مستوى المجتمع في جميع أنحاء البلد. وجارٍ الآن تعبئة موارد إضافية، في سياق النقص العالمي الشديد في الإمدادات والمعدات الأساسية اللازمة للاستجابة لمرض كوفيد19.
ولزيادة فاعلية الدور الإيجابي للمنظمات الدولية من الضروري متابعة ردود الفعل المحلية حيال المشاريع التي تنفذها في اليمن لتستطيع اخذها بعين الاعتبار عند تنفيذ مشاريع قادمة وتصحح المعلومات المغلوطة التي يتم تناقلها عن دورها الانساني في الازمة اليمنية، كما تتحمل اطراف الصراع في اليمن مسؤولية وقف الحرب والتوصل الى حل ينهي مأساة الاف اليمنيين الذين يعانون بسبب استمرارها .
وهنا نؤكد على أهمية قيام منظمات المجتمع المدني والعمل الانساني بالتركيز و الاخذ بعين الاعتبار تطبيق مبادئ العمل الإنساني وأهمها الاستقلالية وعدم التحيز والمسؤولية الإنسانية. وأيضاً تضمين المجتمعات المحلية في تصميم وتقييم البرامج الإنسانية ومواجهة الفساد في تنفيذ المشاريع ليكون دورها إيجابي بالكامل.
ومع استمرار الصراع لا يزال مئات الآلاف من النازحين والمتضررين من آثار هذ الصراع في انتظار المساعدات من المنظمات الدولية أو الجهات الحكومية للتخفيف عنهم ولو بجزء يسير من تبعات الحرب التي أحالت مئات الآلاف من اليمنيين إلى خطر المجاعة والفقد الكلي للخدمات الأساسية.