“أميرة” وشقيقاها: أطفالٌ يراودهم حلم الاستقرار تحت سقف واحد

منزل الأسرة الذي انهار بسبب الأمطار
منزل الأسرة الذي انهار بسبب الأمطار
‏  6 دقائق للقراءة        1112    كلمة

تحاول “أميرة” تجنّب الاختلاط بمن حولها، تخفي نظراتها المنكسرة تحت ابتسامة عريضة، لتهرب من أي سؤال قد تجد نفسها عاجزةً عن الإجابة عنه، مبررةً تصرفاتها تلك بقولها ” ما اشتي أتكلم مع أحد لأني أخشى نظرات الشفقة التي أشعر أنها سهام ملتهبة تحرقني، كأنه ماليش حق حتى أحلم بأبسط شيء، وأكبر حلمي بيت يأوينا أنا وأخوتي”.

أميرة (اسم مستعار)، 19 عامًا، إلا أن شكلها يوحي بأن عمرها لا يتعدى 15 عامًا، حاولت كثيرًا معها حتى وافقت التحدث عن قصتها، على شرط اخفاء اسمها الحقيقي. ولكن كلما أبدت رغبتها في الكلام، ينتباها التردد عن البوح بتفاصيل حياتها وأشقائها، بعد أن فارق والدها الحياة في مديرية كسمة قبل ما يقارب عشرة أعوام.

بخجل وصوت مرتبك تقول “أميرة”: “انتهت حياتي وانا في عمر 9 سنوات حينها كنت ما زلت طفله في الصف الثالث الابتدائي. وكنت الاكبر بين أخوتي الاثنين حينها وصلنا خبر موت أبي الذي عانى كثيراً من مرض الكبد. مضت الأيام وأنا أعيش أنا وأخواتي وأمي (أمي تعاني من فقد السمع الصماء) تحت أسقف منزلنا المهترئ الذي كان على وشك الانهيار ولم يكن لدينا حل آخر سوى العيش فيه”.

كان المنزل قديمًا ومتهالكًا، فما إن يهطل المطر حتى تهرع “أميرة” ووالدتها، لوضع أوعية الماء أو بعض الأواني تحت أسقف الغرف التي يتسرب إليها الماء بغزارة، أما في فصل الشتاء فقد كانت أميرة وأسرتها تعاني من شدة البرد نتيجة تسرب الهواء البارد إلى داخل المنزل عبر الجدران المتهالكة القديمة. تضيف أميرة، واصفةً الأمر والألم يعتصرها “العيش بدون أب وجع لا يموت حتى نموت.. ومن الصعب مواجهه قساوة الحياة بدون أب وسند خصوصاً حين لم تجد مد يد العون فأبي توفى ونحنُ مازلنا أطفال مع أم صماء لا توجد بيدها حيله”.

بالرغم من ظروف الحياة الصعبة وعدم وجود معيل للأسرة إلا أن الأم حرصت على أن تواصل ابنتها أميرة الدارسة، في حين توقفا أشقائها الاثنين، محمد وماجد (أسماء مستعارة)، بعد أن أكملا المرحلة الابتدائية. وترجع “أميرة” قدرتها على مواصلة الدراسة إلى مساندة والدتها “لقد كانت أمي تذهب للعمل في البيوت لتستطيع أن توفر لنا حاجاتنا وعلى الرغم من ذلك لم تستطيع أن تلبي جميع مطالبنا”.

وتبرر تلك الصعوبات التي واجهت والدتها “نحنُ ثلاثة أبناء فكثير من الاحيان كنّا لا نجد ما نأكله في البيت فنذهب للأكل عند الجيران وعند بعض البيوت الموجودة في المنطقة وكثيراً ما ننام جياع”. وتردف “أما عن إكمال دراستي فكنت أحيانا لا أجد المال لشراء الكتب أو الدفاتر ولكني أنهيت دراستي بصعوبة بالغه بينما توقفا أخوتي عن الدراسة للعمل والصرف علينا”.

“منزل وأحلام مهدودة”

قبل ما يقارب عامين، كانت الأمطار غزيرة، فلم يحتمل المنزل القديم الذي تسكنه أميرة وأسرتها تلك الأمطار، بل تسببت في تساقط وتهدم معظم أجزاءه، تصف أميرة ذلك الموقف: “تهدم المنزل بسبب الامطار فزعنا كثيراً وبيكينا كثيرًا لم يكن هناك مكان نذهب إليه”. تضيف بحسرة “على الرغم من أن المنزل كان لا يصلح للعيش الآدمي لكنه يكفي أن يكون هناك مكان يأوينا وسقف يحمينا”.

حينها لم تكن أميرة وأسرتها يملكون منزلاً يأويهم سوى منزل جدها والد أمها، وهو منزل قديم أيضًا ومعرضًا للانهيار – حد تعبيرها – وكان هو الحل الوحيد أمامهم، ولكن لم يستمر بقائهم فيه كثيرًا، فقد حدث ما توقعوه، إذ تسبب الأمطار في تهدم المنزل، تردف أميرة في حديثها “كانت الطامة الكبرى فلم نكن نعلم أين نذهب وأين نسكن ولا يوجد مكان يأوينا لا يوجد مكان يضمنا”.

في ذلك الظرف العصيب اضطرت الأسرة للسكن لدى إحدى الأسر المعروفة في المنطقة، وذلك بشكل مؤقت حتى يبحثون عن حل، وخلال تلك الفترة تقول أميرة حدث ما لم تتوقع: “تقدم أحد الرجال للزواج بأمي، أي بعد 8 سنوات من وفاة والدي. حينها كنت في السابعة عشر من عمري، فرحت خيرات لأنه سيكون لنا سند وهناك من يعيلنا وكنت أفكر لن تتركني أمي فأنا فتاة أين اذهب”.

تتابع حديثها: “أتذكر في ذلك الوقت قبل سنتين تحديداً. نظرت إلى وجه أمي حينما سمعت أن من يريد الزواج منها لا يُريدنا معها، وكنت على أمل أنها ستصرّ حتى على أخذي وبتقول سآخذ بنتي معي فهي فتاه شابه أين ستذهب”. وتستدرك متخيلةً ما حدث “لكن أمي نظرت لي بنظرة انكسار مليئة بالعجز لن أنسى تلك النظرة أبدا فشعرت أن الحياة توقفت أمامي”.

بعد أن تزوجت والدتهم، فكرا “محمد وماجد” شقيقا أميرة في مصير حياتهم، وبعد تردد كبير قررا أخذها والسفر بها إلى العاصمة صنعاء لتسكن مع شقيقتهم الأخرى (شقيقتهم من الأب) المتزوجة هناك، أما هما فسيقومان بتدبير أمورهم المعيشية. ظلت أميرة معها لما يقارب 3 أشهر، ولكنها لم تستطع المكوث لوقت أطول، إذ لم تشعر بأن شقيقتها متقبلةً لوجودها والعيش معها، فلم تكن تهتم لأمرهم أو تسأل عنهم منذ أن توفي والدهم، حد قولها.

ضياع وتشرد

وجدت أميرة نفسها وشقيقيها في وضع صعب ويريدون الاستقرار بحياتهم المعيشية، فقاما باستئجار غرفة واحدة يسكنون فيها معًا، إذ كان اخوتها يخرجان للعمل في أعمال حرة متقطعة لتوفير إيجار الغرفة وشراء احتياجاتهم المعيشية، تقول أميرة “مابش معي غير أخوتي اللي يحملوا همي رغم صغرهم. والله محد يسأل عن أحد ولا حد يقلنا ما تحتاجوا”.

على مدى شهور قليلة، كان محمد وماجد يخرجان للعمل كل يوم لكسب لقمة العيش رغم الصعوبات التي تواجههم، في حين تظل أميرة وحيدة تنتظر عودتهم، غير أن قلقهم الدائم عليها إضافة إلى عجزهم عن توفير كل الايجار والاحتياجات، دفعهم إلى ترك الغرفة، في حين كانت أميرة تظل في الغرفة بانتظارهم، ولكن قلقهم الدائم عليها إضافة إلى عجزهم عن توفير كل الايجار والاحتياجات، دفعهم لترك تلك الغرفة.

حيث تقول أميرة بانكسار “لخوفهم الدائم عليّ قرروا أن يضعوني عند بعض من معارفنا الأقارب لفترة إلى حين يستطيعوا توفير سكن لي وها انا أكمل سنه من الصبر والانتظار والآمل أن أجتمع أنا وأخوتي تحت سقف واحد أن تكون لي عائلة”. وتستطرد “من أجمل النعم أن تكون هناك عائله وسقف يحميك.. أحلم دائماً بمنزل صغير يجمعني مع أخوتي”.

وتختم حديثها موضحة سبب عدم انخراطها بالحديث مع من حولها قائلةً: “أتهرب دائماً من نظرة الشفقة الذي تحرقني والاستفسار عن وضعي وعن سبب عدم تواجدي عند أهلي ولكن ما زلت متأمله، أن اخوتي يقدروا يدبروا أنفسهم ويلقوا عمل مناسب عشان نستقر مع بعض. الحمدلله على كل حال”.

 

تحرير:ريمة بوست