في زاوية غرفة صغيرة، يقعد باسم علي ثابت (١٥ عاما) عاجزاً عن الحركة، وبعظامٍ هشة لا تستطيع تحمل جسده النحيل، متوجساً أمام شاشة التلفاز وما تبثه من أخبار انتشار فيروس كورونا المستجد في أغلب دول العالم. وقد كانت هشاشة العظام لدى بسام سبب إعاقته عن الحركة لقضاء أموره، كما سببت له عوزاً وعدم قدرة حتى على الحركات البسيطة ..مما جعله يزحف على جسده لقضاء الضروريات الملازمة للعيش لكنه يقول لنا : ” إن أصغر حركة يقوم بها قد تؤدي إلى انكسار أحد عظامه، لا سيما وأنه لا يمتلك كرسيا متحركا للتنقل داخل المنزل على الأقل، وذلك ما يجعله أكثر خوفاً من الفيروس الذي فتك بالأصحاء القادرين على الحركة”.
آثار نفسية تضاعف المأساة
يخبرنا باسم أنه يعتمد على الآخرين في تَنَـقُّـله وقضاء احتياجاته، مُتخوفاً من عدم وجود مَنْ سيساعده في حال انتشر الفيروس بقوله : ” إذا سمعِكْ أنه وصل اليمن باخلي أبي يحفر لي قبر يمكن ما عاد يلقى حد يدفني ولا ألقى وقت على شان يرجمني رجم لا بينه ” ( إذا سمعتُ أن الفيروس وصل إلى اليمن، سأعتمد على والدي بحفر قبر لي، لأنني ربما لن أجد أحداً يقوم بدفني، ولن أجدَ وقتاً من أجل إنزالي إلى داخله). ويكمل قائلا : إن معاناته ستزداد سوءً في حال انتشر الوباء، فهو طفل معاق لا يملك حتى عربة لنقله. ويذكر أنه سافر مع والده إلى صنعاء وارتاد مستشفى الثورة للعلاج، لكن حالته الصحية لم تتحسن سريعاً، وحالته المادية كانت سيئة مما جعله مضطراً للعودة إلى ريمة.. وعن الجانب النفسي لديه لا يخفي تخوفهُ الشديد من انتشار الفيروس وتأثيره عليه هو وأمثاله من ذوي الاعاقة، الذين يظلون لفترات طويلة عرضة لأي أخطار، بسبب عدم قدرتهم على اتخاذ أي قرارات لحماية انفسهم .
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد دعت في الـ26 من مارس/آذار 2020 إلى حماية حقوق ذوي الاعاقة خلال تفشي فيروس كورونا بقولها : ” إن 15% من سكان العالم يعيشون مع أحد أشكال الإعاقة. وقد يكون الأشخاص الأكبر سنا، أو الذين لديهم حالات صحية مزمنة، أو ذووا الإعاقة – التي تؤثر، مثلا، على قدرتهم التنفسية – معرضين بشكل خاص للإصابة الخطيرة بـ “كوفيد-19″، أو الموت جراءه”.. وأضافت :” إن الإعاقة في حد ذاتها لا تعرضهم لخطر الإصابة، ولكنهم في خطر بسبب التمييز والعوائق التي تحول دون حصولهم على المعلومات والخدمات الاجتماعية، والرعاية الصحية، والإدماج الإجتماعي، والتعليم”.
مُعاناة مُبكرة
يعيش اليمن في نزاع مسلح منذ ستة أعوام، أدى إلى انهيار توازنه الإقتصادي، ونظامه الصحي، وهما الأمران اللذان أديا إلى تضاعف مآسي ومعاناة ذوي الإعاقة في ريمة، خصوصاً مع افتقار المحافظة إلى مراكز لتأهيل المُعاقين وعدم وجود مساعدات صحية أو غذائية من قبل المنظمات الإنسانية العاملة ..حيث يقول مدير صندوق رعاية وتأهيل المعاقين بريمة إبراهيم شاحط: إن الصندوق نشأ في مطلع عام 2015م وتعود أسباب تأخر إنشائه لتجاهل الدولة حقوقَ المعاقين، مضيفاً أنه حتى مع وجود جمعيات أهلية مهتمة بالمعاقين، فقد لا تلعب الدور الأساسي الذي يقوم به الصندوق، كون نشاطها مقتصرٌ على المساعدات التي توزع أغلبها بشهر رمضان فقط .
ويفتقر ذوو الاعاقة في مناطق ريمة إلى احتياجات بسيطة تساعدهم في التغلب على الظروف وحماية أنفسهم في حال انتشر كوفيد19 في مناطقهم. وعلى الرغم من كثافة المنظمات العاملة في النشاط الانساني إلا أنها ظلت بعيدة عن هذه الفئة بحسب مدير الصندوق الذي يقول: “إن المعاقين يحتاجون إلى أكثر من 500 كرسي متحرك ، إضافة إلى 1000 سماعة طبية لمعاقين سمعياً بينهم 300 طفلاً.. ويؤكد شاحط أن جهوده تعثرت في كل مرة يحاول فيها عرض واقع واحتياجات المعاقين على المنظمات العاملة في البلاد، عدا بعض الدعم المحدود والأنشطة التدريبية التي قدمتها مؤسسة ريمة للتنمية والاستجابة الإنسانية، متمثلة في نشاط تدريبي لبعض المعاقين وللكادر الوظيفي الخاص بصندوق رعاية وتأهيل المعاقين.
ويقول الناشط الحقوقي عبدالله الأحمدي : ” لابد من استجابة سريعة من قبل المنظمات العاملة في البلاد لدعم وتمكين ذوي الإعاقة من حماية أنفسهم في أي ظرف، خصوصاً في مناطق ريمة التي تتصف بتعقيدات تنموية منذُ إنشاءها، وذلك لأن عدد المعاقين في المحافظة بلغ اكثر من 11900 في عام 2014 بحسب إحصاءات صندوق رعاية وتأهيل المُعاقين، الذين يُرجح أنَّ العدد يصل الى أكثر من 15000 شخص من ذوي الإعاقة “.
وعن زيادة عدد المعاقين يقول مدير الصندوق بريمة : “إن ذلك يعود إلى عدم توفر مراكز للعلاج الطبيعي بالمحافظة، والتي تسهم في إعادة تأهيل المصابين بجلطات وإعاقات جزئية، إضافة إلى عدم وجود كادر طبي قادر على تشخيص الإعاقة لدى الأطفال ومعالجتهم مبكرا، خصوصا الرضع منهم، مما أدى إلى مفاقمة حالاتهم الصحية، وقد يحد من القدرة على علاجهم مستقبلا لا سيما في حال انتشر الفيروس المستجد، وتركزت اهتمامات السلطات الصحية حول المصابين بالوباء “.
مُعاقون بلا قاعدة بيانات ..وضرورة لمعلومات منقذة للحياة
يتسبب عدم وجود قاعدة بيانات شاملة للمعاقين على مستوى مديريات ريمة الست بعدم تقدير احتياجات المعاقين، خصوصاً أثناء الإستجابة والتوعية من فيروس كورونا،ليضاعف من حرمان المعاقين من الخدمات الاجتماعية والصحية ويجعلهم في عزلة من الخدمات والحقوق .
وكانت ‘هيومن رايتس ووتش”دعت إلى ضمان عدم حرمان الأشخاص ذوي الإعاقة من المعلومات المُنقذة للحياة، بقولها : إنه يجب أن تتضمن استراتيجيات التواصل ترجمة بلغة الإشارة للتصريحات المتلفزة، والمواقع الإلكترونية التي يسهل الاطلاع عليها من قبل الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة، والخدمات الهاتفية ذات الخيارات النصية للأشخاص الصم أو ذوي صعوبات السمع. يجب أن يستخدم التواصل لغة واضحة لزيادة الفهم.
وعجز صندوق رعاية وتأهيل المُعاقين في ريمة عن تقديم خدماته لأسباب متعلقة بتردي الوضع الإقتصادي الذي لم يساعد في إنشاء مدرسة خاصة بهم نتيجة نقص الإمكانيات المالية، ففي مجال التعليم قدم الصندوق في العام 2016م مساعدات دراسية مالية لـ 100 طالب وطالبة بواقع 50 دولار لكل شخص من ذوي الاعاقة، غير أن هذه المساعدات لم تستمر إلا لفصل دراسي واحد بحسب مدير الصندوق إبراهيم شاحط، الذي يضيف أن 350 معاق ومعاقة يدرسون بالمدارس، بمديريات بلاد الطعام والجبين والجعفرية، وقد تقدموا بوثائقهم للصندوق لأجل حصولهم على المساعدات الدراسية، قبل قرار تعليق الدراسة بسبب كورونا، وذلك بعد إيقاف المركز الرئيسي للصندوق بصنعاء ارسال المساعدات الدراسية بسبب تراجع ايرادات الصندوق إلى أقل من 10%، وعدم تدخل المنظمات الدولية أو الجهات المانحة لدعم الصندوق، مؤكداً أن عدم وجود قاعدة بيانات شاملة يرجع إلى عدم وجود مبالغ مالية للجان المسح الميداني، تسيّر عملهم وتضمن احتياجاتهم الضرورية كوسائل النقل وبدلات التغذية.