تُعدّ محافظة ريمة من المحافظات اليمنية ذات العراقة المتميزة، وقد نبعت أهميتها من موقعها الجغرافي الحيوي.
فقد كانت تقع بين مملكتي سبأ وريدان قبل توحيدهما، مما جعلها مطمعاً دائماً للقوتين الرئيسيتين في المنطقة آنذاك.
لم يكن الدافع وراء هذا الطموح مقتصراً على الجمال الطبيعي ووفرة الخضرة التي تميز ريمة، بل شمل أيضاً أهميتها الاستراتيجية.
فقد كانت تمثل خطاً فاصلاً وموقعاً عسكرياً متقدماً على الهضبة اليمنية، قبل الانحدار إلى سهول تهامة الساحلية.
تاريخياً، يُشير لسان اليمن الهمداني إلى عمق الجذور البشرية في هذه المنطقة. فقد ذكر أن ريمة، وتحديداً موقع “شجبان”، كان أول موطن للإنسان اليمني، وينسب إليها “يشجب بن يعرب بن قحطان”.
مكانة ريمة في عصور ما قبل الإسلام مؤكدة بالاكتشافات الأثرية. أظهر نقش في جبل الدومر، يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، أن ريمة كانت ضمن دويلات الدولة القتبانية.
كما وثق النقش وجود قبيلة (عجبم) التابعة للإله (عم)، الإله الرسمي لقتبان، وذكر وجود معبدين مخصصين للإله نفسه في جبل الدومر، مما يؤكد النفوذ القتباني العميق والواسع في المنطقة.
اكتسبت ريمة أهمية عسكرية خاصة في التاريخ اللاحق. فقد اتخذها الجيش السبئي والريداني قاعدة للاستعداد والانطلاق لمواجهة الأحابيش الذين وصلوا إلى سواحل تهامة، مستغلين قربها من كل من صنعاء والحديدة.
وقد استُخدم موقعها كـ نقطة عسكرية حاسمة؛ حيث شكلت السيطرة عليها في فترات سابقة، من قِبل القتبانيين، حصاراً جنوبياً خطيراً على صنعاء، مما يبرز دورها كـ مفتاح جغرافي.
تزخر المحافظة بالعديد من المعالم الدينية والمعمارية القديمة. يُعد جامع الأعور في بني الضبيبي مثالاً بارزاً، إذ يُعد من أقدم مساجد اليمن. وقد عُثر فيه على نقش يذكر “غوث إل”، بالإضافة إلى نماذج من كتابة الجزم التي سبقت التنقيط، وكُتب المصحف كاملاً في أخشابه.
تنتشر في أرجاء ريمة مجموعة من الحصون والقلاع التي يعود أصل بعضها إلى ما قبل الإسلام، وتم تطويرها وتجديدها في العصر الإسلامي، لتعكس أهميتها الدفاعية المتواصلة.
من أبرز هذه المعاقل حصن قلعة المنتصر في السلفية، وحصن مسعود، وحصن اللمهيل في الجعفرية. هذه الحصون تتميز بتصاميمها الهندسية المتقنة، وتضم مدافن لحفظ الحبوب وصهاريج مطلية بمادة القِضاض لتخزين المياه.
إلى جانب الحصون، توجد مواقع أثرية مدنية مثل قرية الحريوة و”محل سبأ” (قرية الحب) التي أُقيمت على خرائب تعود لعصور ما قبل الإسلام. وفي جبل الدومر، تتواجد خرائب مدينة عجبم ومعابدها القديمة.
أما طبيعياً، فتنفرد ريمة بـ تضاريسها الخضراء الآسرة، حيث تُغطي المدرجات الزراعية سفوح الجبال. وتشتهر مديريتي الجعفرية وكسمة بجمالهما الطبيعي البكر.
تبرز معالم طبيعية متميزة، كجبل شرف في الحدية، وشلال ضاحية الركب الموسمي. كما تتمتع عزلة بني الجعد بمناظر فريدة حيث تتشكل الشلالات من الأمطار المتساقطة من الغيوم الملامسة لقمم الجبال.
ختاماً، إن ريمة، التي لم تُكتشف كل كنوزها بعد، تظل سجلاً حياً يمزج بين التاريخ العميق والموقع الاستراتيجي والجمال الطبيعي، مما يجعلها كنزاً وطنياً يستوجب الحماية ومزيداً من الدراسة والبحث العلمي.





















