انعدام الكوادر العلمية.. مشكلة تسرق مستقبل آلاف الطلاب بريمة

الصورة تعبيرية لمدرسة بني قشيب - تصوير يوسف الجبل
‏  7 دقائق للقراءة        1376    كلمة

بمعهد لتعليم اللغة الإنجليزية بأمانة العاصمة، التحق حمير يحيى، لدراسة اللغة الانجليزية وتقوية مستواه في المواد العلمية، استعدادًا للمرحلة الجامعية التي يتطلب أمر التسجيل فيها تجاوز اختبارات القبول، وهي اختبارات تعتمد على إلمام الطالب لما تلقاه في المدرسة، لكن حمير يرى أن مستواه متدنٍ بشكل كبير سيما في المواد العلمية، نتيجة افتقار مدرسته بريمة للكوادر المتخصصة.

 

يقول حمير، 19 عامًا، إنه يشعر بالكثير من الضغط النفسي خوفًا من أن يرسب في اختبارات القبول بكلية الهندسة، الذي يطمح في الالتحاق بها، خصوصًا أن مستواه متدني في المواد العملية، الرياضيات والكيمياء والفيزياء إضافة إلى اللغة الانجليزية، مبينًا أنه من لم يدرس هذه المواد في المدرسة ولم يكن هناك مدرسين متخصصين.

 

ويضيف في حديثه لـ”ريمة بوست”، أنه تكبد عناء السفر إلى صنعاء من أجل استغلال هذا العام في تقوية مستواه في المواد التي لم يدرسها في المدرسة، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، تحضيرًا لاختبارات القبول العام القادم، في حين اضطروا الكثير من زملائه لترك الدراسة والاتجاه لسوق العمل، تاركين التعليم الذي لم يعد ذو فائدة، حد تعبيره.

 

مخرجات تقطع طريق المستقبل

بينما سنحت الظروف الاقتصادية لحمير للسفر إلى صنعاء للدراسة وسد الفجوة المعرفية التي تسبب بها تدني العملية التعليمية وانعدام المدرسين المتخصصين؛ لا يزال يعاني الآلاف من خريجي وخريجات الثانوية العامة بمحافظة ريمة، من ضعف مخرجاتهم الدراسية، الأمر الذي لا يؤهلهم للالتحاق بالجامعات الحكومية، رغم رغبة الكثير منهم بذلك.

 

كانت الطالبة ن.ف، 17 عامًا، من محافظة ريمة، ترغب في الالتحاق بكلية طب الأسنان، وهو حلم يراودها منذ زمن، ولكن تدني نسبة معدل الثانوية العام الماضي، نتيجة عدم حصولها على التعليم وتدهور العملية الدراسية وانعدام التخصصات، دفعها إلى إعادة دراسة الصف الثالث الثانوي مرة أخرى هذا العام، على أمل أن تحصل على نسبة تمكنها من الالتحاق بكلية طب الأسنان.

 

لكن مع إعلان نتائج الثانوية خلال الأيام القليلة الماضية، تفاجأت (ن.ف) أنها لم تحصل على ما كانت تتوقعه، إذ حصلت على معدل نجاح لا يزيد عن معدل العام الماضي سوى ب 3%، ما سبب لها خيبة أمل وضغط نفسي شديد، لفقدانها الحلم والشغف الذي كانت تصبو إليه.

 

تقول ن.ف، إن جهودها وتعبها خلال دراستها ضاعت هباء، بعد دراسة المرحلة الثانوية، في ظل تدهور الدراسة وانعدام المدرسين المتخصصين وتراجع المستوى التعليمي في المدارس إلى حد يشجع الطلاب على ترك الدراسة باعتبارها مضيعة للوقت، لا أكثر، ولا تحقق أي امتيازات للطالب؛ بل تستهلك طاقته وجهوده، وتحول في النهاية دون قدرته على الالتحاق بالجامعة.

 

في ذات الشأن، يرى فايز الضبيبي، صحفي، أن التعليم في الأرياف – التي يسكنها أكثر من 70% من إجمالي عدد السكان في اليمن – يعيش في أسوأ مراحله، ما يهدد مستقبل ملايين الطلاب المثقلين بمخرجات تعليمية متدنية، تنعكس سلبًا على العملية التعليمية في الجامعات، كنتيجة حتمية لعدم وجود اهتمام بجودة التعليم الذي يحصل عليه الطلاب في المدارس الحكومية في الأرياف والمدن أيضًا.

 

“شرعنة للغش”

انعدام الكوادر المتخصصة دفع الطلاب للجوء للغش، خصوصًا في الاختبارات العامة، بحسب الطالبة ن.ف، إذ تؤكد: كنا نضطر للاعتماد على أنفسنا وما استطعنا فهمه، وفي اختبارات المرحلة الثانوية العامة، اعتمدنا على الغش فيما بين الطلاب أو من خلال اعتماد بعض أولياء الأمور على أساتذة في محافظات أو مناطق أخرى، يرسل لهم الاختبار ويرسلوا الحل.

 

الأمر ذاته بدا واضحًا خلال السنوات الأخيرة، وفق الصحفي الضبيبي، ما يكشف حجم المأساة التي تعانيها العملية التعليمية في اليمن لا سيما في المناطق الريفية ومن ضمنها محافظة ريمة. لكن الأسوأ من ذلك حد تعبيره، تماهي إدارات المدارس واللجان الاختبارية مع عمليات الغش، وشرعنتها بمبررات، أبرزها “تعقيدات الوضع الحالي وأهمية مساندة الطلاب لأنهم لم يدرس جيدا ولم يحصل على حقه في دراسة المواد العلمية”.

 

ويشير الضبيبي في تصريحه لـ”ريمة بوست”، إلى أن التعاون مع الطلاب والطالبات من خلال تشجيعهم على الغش خلال الامتحانات لا يحل مشكلة انعدام الكوادر العلمية في المدارس، بل ينتج أجيالا من الطلاب المفتقرين لأبسط المعارف والمعلومات التي تؤهلهم لمواصلة التعليم الجامعي؛ بل وتدفع الكثير منهم للعزوف عن الدراسة.

 

ويؤكد الضبيبي، أن المتابع لنتائج الثانوية العامة هذا العام 2022 والأعوام الستة الماضية، سيدرك التأثير الكبير الذي خلفته الحرب على التعليم الحكومي، حيث تصدرت المدارس الخاصة ونسبة ضئيلة من المدارس الحكومية للمتفوقين بأمانة العاصمة، قوائم أوائل الجمهورية، كما لو أن العملية التعليمية قائمة فقط المدارس الخاصة سواء بأمانة العاصمة أو في المدن الأخرى.

 

مدارس بلا كوادر علمية

في السياق ذاته، يقول غالب قاسم، مدير مدرسة الفتح بالجعفرية، إن بالرغم من عدد طلاب مرحلة الثانوية في المدرسة، البالغين أكثر من 150 طالبًا وطالبة، إلا أنهم يفتقرون للتخصصات العلمية منذ ما يقارب خمسة أعوام، نتيجة نقل مكتب التربية للمعلمين الذين كانوا من محافظة تعز، دون وضع حلول وبدائل أخرى، عدا عن متطوعين لم يستطيعوا تغطية الاحتياج، وهو ما يؤكده أيضًا، نشوان معوضه نائب مدير التربية والتعليم بريمة.

 

يستدرك معوضه في تصريحه لـ”ريمة بوست”، أن عملية نقل المعلمين رغم احتياجهم بريمة، قام بها مكتب التربية خلال فترة إدارة الدكتور عبدالله القليصي التي انتهت عام 2017م، إذ تم نقل ما يوازي ألفي معلم ومعلمة من أصحاب التخصصات العلمية العاملين في مدارس المحافظة.

 

بالمقابل لا يخفي غالب قاسم، أن انقطاع الرواتب الحكومية منذ أكثر من 6 أعوام، كان له أثر سلبي أيضًا على الكوادر العلمية، موضحًا أن عدم وجود كوادر علمية من أبناء ريمة، يعود إلى قلة اهتمام الشباب وعزوفهم عن مواصلة التعليم الثانوي والجامعي، وهي ظاهرة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة في ظل انعدام التخصصات العلمية وشعور الطلاب بعدم جدوى التعليم على حياتهم.

 

ويشير قاسم في حديثه لـ”ريمة بوست” إلى أنه ونتيجة لتلك الظروف، فإن الطالب حتى إذا واصل دراسته فلا يحصل على معدل يؤهله للالتحاق بالجامعة، إذا يحصلون على معدلات متدنية ما بين 60% و 70%، ما يدفع الجامعات لرفضهم، ليبقى طلاب الريف في معاناة مع التعليم، في ظل عجز الجهات المعنية عن تقديم أي حلول لهذه المشكلة.

حلول

يرى غالب قاسم، أنه لابد من وضع حلول ليحظى الطلاب بحقهم في التعليم ذو مخرجات تلبي احتياجاتهم، عبر اختيار طلاب من أبناء ريمة من قبل المجتمع المحلي خصوصًا فاعلي الخير والمغتربين، ودعمهم لدراسة التخصصات العلمية في جامعات في الحديدة وصنعاء، ليعودوا للعمل في المدارس وتغطية الاحتياج في المحافظة.

 

كما يمكن بحسب غالب قاسم، العمل على دمج بعض المدارس الثانوية المتقاربة للاستفادة من المدارس التي فيها كوادر تربوية علمية، لما يساعد في حصول الطلاب على دروس الرياضيات واللغة الانجليزية والكيمياء والأحياء والفيزياء، حتى باعتباره حلاً مؤقتًا بينما يتم وضع حلول دائمة.

 

وبينما يعاني القطاع التعليمي في محافظة ريمة – واليمن عمومًا – ويتدنى إلى مستويات تنذر بانهيار المنظومة التعليمية وتسرب 107 آلاف و979 طالبًا وطالبة موزعين على مختلف مدارس مديريات المحافظة، لا يزال الأمل يحدو الكثيرون لأن توضح حلول لمشاكل التعليم لا سيما صرف رواتب المعلمين، ما سيسهم في تلقي الطلاب لمخرجات تؤهلهم للدارسة الجامعية، وعودتهم لتغطية نقص الكوادر العلمية في المحافظة.

 

أعد التقرير بالشراكة بين “ريمة بوست” ومنصة “طالب يمني”