أسبوعيًا وأحيانًا أقل، يذهب سعد حسن، 45 عامًا، إلى محافظة الحديدة، غربي اليمن، قادمًا من محافظة ريمة المجاورة لها، بحمولة سيارة كاملة من الورود، لبيعها هناك، بعد شرائها من سكان قريته، الذين يعتمدون على زراعة الورود وبيعه كمصدر دخل في معيشتهم.
ليس “سعد” وحده من يعمل في هذا المهنة، حيث الكثير من أبناء قريته، والقرى المجاورة لها في عزلة بني واقد، بمديرية الجعفرية، يذهبون لبيع منتجاتهم من تلك الأزهار، والرياحين إلى أسواق محافظة الحديدة، التي تحتضن أسواق كبيرة لهذه المنتجات التي تستخدم في تصنيع المواد والخلطات العطرية.
موطن الريحان
تشتهر محافظة ريمة الجبلية الخضراء الواقعة على بعد نحو 200 كيلو مترًا، عن العاصمة صنعاء، بزراعة مختلف أنواع الأزهار، والرياحين، والورود الطبيعية، أهمها ما تُسمى بـ”الرنده”، ثم يليها عديد أنواع أخرى منها: “النرجس، الأوزاب، الخنفر، الكاذي، الشذاب، الريحان، الوالة، الياسمين، الزنبق، والفل” وغيرها.
وترفد ريمة الأسواق اليمنية بالعشرات من أنواع الرياحين والنباتات العطرية، إذ أن عزلة “بني واقد” وحدها تسيّر خلال الأسبوع الواحد، ما يقدّر بثماني سيارات محملةً بكميات كبيرة من هذه النباتات، إلى الأسواق في مناطق عدة تتبع محافظة الحديدة. وفق مصادر محلية لـ منصة “ريمة بوست”.
وبحسب المصادر، فإن سعر الحزمة الواحدة (بحجم قبضة اليد) من زهور ما يطلق عليها تسمية زهرة “الرنده” يتراوح ما بين 100 إلى 200 ريالاً، وهي أسعار متفاوتة تحددها الأسواق وفقًا لمستوى العرض والطلب وحجم الإنتاج.
مع اعتماد غالبية سكان محافظة ريمة على الزراعة كمهنة رئيسية، لا يمكن للسائر في أرجائها مواصلة خطواته، دون أن يشدّه منظر ألوان زهور “المشاقر” (توليفة من الزهور والأعشاب العطرية الطبيعية ذات الرائحة الجميلة). فتجعل من زائرها يُفتن بذلك السحر العابق من أول زيارة.
وتعدُّ “المشاقر” في اليمن جزءًا من حوالي 1200 نوعًا من النباتات العطرية التي تنمو في المناطق المدارية في عدد من مناطق البلاد التي تشتهر بمناخ زراعي ملائم للعديد من النباتات الزراعية طوال العام.
استخدامات متنوعة
تستخدم الرياحين أو ما يسمى بالحبق في ريمة، في صناعة العطور والبخور و”الأخضرين” وهو خليط عطري تستخدمه كثير من النساء لإضفاء روائح عطرية مميزة،” كما تستخدم النساء في معظم مناطق اليمن الرياحين وغيرها من “المشاقر” للزينة لا سيما في الأفراح والأعياد، وأيام الجمعة.
وتكتسب النباتات العطرية “المشاقر” مكانةً رفيعة في حياة المرأة اليمنية بشكل عام، لما لها من ارتباط بالموروث الشعبي والطقوس الفرائحية المختلفة، حيث تتزين المرأة المرتدية للزي التقليدي بوضع ما يسمى بالمشقر على أذنها، وهو ذات الأمر بالنسبة للرجال خصوصًا كبار السن الذين يقومون بوضع حزمٍ منها على رؤوسهم.
في السياق ذاته، يشير المؤلف والشاعر مطهر الأرياني، في كتابه “المعجم اليمني” إلى أن “المشاقر” موروث شعبي وبغاية الأهمية عند اليمنيين منذُ القدم، إذ يتخذها الناس جميعًا للتزيين رجالاً ونساءً في العديد من المناسبات. إلى جانب استخدامها في صناعة العطور.
وتمثّل “المشاقر” بأنواعها ملكة النباتات العطرية الطبيعية في الموروث الشعبي اليمني، وهو تقليد للقوة والجمال، حيث تخصص لها النساء الأواني في شرفات المنازل خاصة في المدن، وذلك لتبث السعادة برائحتها التي تبعث على السرور و”تطرد الأرواح الشريرة”. بحسب الذاكرة الشعبية.
دخل واعتماد معيشي
تتخذ الكثير من الأسر الريفية في محافظة ريمة وبعض المحافظات الأخرى، من زراعة نبات الريحان والورود المتنوعة “المشاقر” كمصدر رئيسي للدخل المادي، يساهم على كل حال في تحسين أوضاعهم المعيشية، من خلال زراعتها والاعتناء بها، وبيعها في عدد من الأسواق.
المزارع محمد الواقدي، 40 عامًا، يعتمد في مصدر دخله على زراعة الرياحين وبيعها بشكل مستمر،..، يؤكد في حديثه، أن العائد الذي كان يجنيه من بيع الرياحين يتراوح ما بين 15 – 20 ألف ريال أسبوعيًا، وهو مصدر دخل وحيد يوفر من خلاله الاحتياجات الأساسية لأسرته المكونة من ستة أفراد.
لكن لا يخفي “محمد” أن زراعة وبيع النباتات العطرية كان سابقًا يعود عليه بدخل لا بأس به أسبوعيًا، مشيرًا، إلى دخله المادي تراجع في ظل الأوضاع التي أوجدتها الحرب، حيث لم يعد يحصل حاليًا من زراعة الورود سوى 5 آلاف في الأسبوع الواحد، مقارنةً بأكثر من 15 ألف ريال في السنوات الماضية.
وبالرغم من تراجع مستوى الدخل المادي، يرى المزارع علي غالب، 70عامًا، الذي عمل طوال حياته في زراعة الورد، أن هذه النباتات العطرية التي تزدهر ريمة بزراعتها كنزًا ثمينًا يجب على المواطنين الحفاظ عليه من خلال زراعتها، موضحًا أنها مهنة جيدة وقد اعتمد على دخلها في تكوين أسرته منذ سنين.