بعيدًا عن ضوضاء المدن، يُفضل الكثيرون من أبناء ريمة العاملين خارجها سواء في الداخل اليمني أو في دول المهجر، قضاء أيام العيد في محافظتهم الريفية الجميلة، لما يحمله العيد من بهجة ونكهة خاصة هناك، وما يتميز به من خصوصيات جمالية فريدة، كالعلاقات الاجتماعية المتماسكة والبيئة الريفية الهادئة وهوائها النقي.
في هذا الاستطلاع الذي قامت به منصة “ريمة بوست”، نتطرق إلى الخصوصية الفريدة التي يتميز بها قضاء فترة العيد في ريمة، ونتناول آراء العديد من أبناء المجتمع الريمي، لنعرض بأعينهم صورة العيد البهيجة هذا العام وأيامه المليئة بالتفاصيل السعيدة والعادات الاجتماعية العيدية التي ما زالت تمارس حتى الآن.
فرحة مبكرة
بمشاعر ممزوجة بالسعادة، يقول رمزي عبده، 27 عامًا، إن العيد بالنسبة له بدأ في أخر ليلة من رمضان، عند وصوله إلى ريمة، بعد أن قضى 16 عيدًا في المملكة العربية السعودية، على مدى ثمانية أعوام مضت، لم يشعر فيها بوجود العيد وتفاصيله التي يحبها حين يكون وسط منطقته وأسرته.
ويضيف في حديثة لـ”ريمة بوست” أن العيد في ريمة مختلف وله نكهة خاصة، ويتم استقباله بطريقة جميلة – كان يمارسها أيضًا – من خلال قيام الأطفال بالاحتفاء بقدومه عبر إشعال القناديل المضيئة على أسطح المنازل، في عادة تقام في مختلف مناطق ريمة وتسمى “المناير” أو “التنصير” في بعض المناطق.
ويتم صناعة القناديل “المناير” عبر خلط الرماد (بقايا الحطب المحترق) بمادة “القاز” (الكيروسين) أو بمادة الديزل. ليتم بعدها صناعة قطع دائرية مكوّرة صغيرة، ترص على حافة سطح المنزل بالتوالي ويتم إشعالها بالنار، لتكوّن مشهد ليلي جميل. وتمارس هذه الطقوس العيدية منذ زمن بعيد، غير أنها تراجعت مؤخرًا بسبب انعدام مادتي الكيروسين والديزل وارتفاع أسعارهما، وفقًا لـ رمزي.
ويأتي اسم “المناير” نسبة إلى إنارة المنازل من الخارج وبث البهجة في الجو العام احتفاءً بقدوم العيد أو المناسبات الفرائحية الأخرى، حيث تبدو القناديل المشتعلة في عين الناظر من بعيد كأنها أنجم متناثرة على الجبال والسهول فتجعل المنازل أكثر ألقًا وتلألأً.
روحانية العيد
عن تفاصيل أيام العيد البهيجة، يقول المواطن هاشم يحيى، 35 عامًا، إن صباح العيد الأول في ريمة له شعور مميز، يبعث الطمأنينة في النفس، خصوصًا حين يسمع المساجد تصدح بـ”الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..” وصدى تلك التكبيرات والتسبيحات يتردد ملئ الجبال والوديان، فتمنح الروح سعادة عميقة.
أما المواطن عبدالرزاق جرفان، 25 عامًا، فيشير إلى أن: العيد في ريمة مختلف، فنشعر أننا بالقرب من جميع الناس كما لو أن القرية كلها أسرة واحدة، حيث نخرج لصلاة العيد ونسلّم على الأصدقاء والأقارب والجيران بدفء ومحبة ونتبادل التهاني والسعادة تخالج أرواحنا، ونتشارك مع بعض قصص غيابنا بشكل مختصر ونعرف جديد كل واحد منّا.
ويرى جرفان، أن صلاة العيد في القرية، فرصة لقاء الكثير من الأصدقاء والجيران والأصحاب الذين فرّقت بينهم ظروف الحياة ومشاغلها، فكل واحد منهم سافر إلى محافظة أخرى أو دولة أخرى للعمل أو الدراسة، وغالبًا يعودون في الأعياد لتغدو هذه الشعيرة الدينية منطلقًا لتعزيز وتجديد روح العلاقات الاجتماعية.
صلة الأرحام
في السياق، يتحدث هاشم عن تفاصيل يوم العيد الجميلة: بعد الصلاة وتبادل التهاني، نعود إلى المنزل لتناول وجبة الإفطار، ومن ثم نذهب لزيارة الأقارب ونقدم “سلام العيد” أو ما يسمى في بعض المناطق بـ”عسب العيد” للقريبات في زيارات قصيرة لصلة الأرحام، نجلس فيها لتناول الزبيب ومكسرات العيد وشرب القهوة أو العصائر.
أما عن “سلام العيد” (عسب العيد) فيرى رمزي، أن تقديم “سلام العيد” للقريبات النساء والأطفال أيضًا، ليس هو الغرض الأول من الزيارة، إنما يعتبر ذلك مبلغ رمزي؛ والهدف من الزيارة هو صلة الأرحام وتشارك اللحظات العيدية السعيدة مع كل الأهل لإبقاء جسر الود والمحبة باقيًا وموصولاً في كل المناسبات.
فيما لا يخفي هاشم، أن مشهد ازدحام الناس وتلاقيهم في الطرقات الجبلية، وكل واحد منهم في طريقه لزيارة أقرباءه وقريباته، يبدو مشهدًا رائعًا، يوحي بقيمة العلاقات الأسرية وإن كانت حتى صلة القرابة ليست من الدرجات القريبة، فضلاً عن العلاقات الاجتماعية الأخرى والتي تتمثل في قيام الكثير من الناس بزيارة كبار السن والمساكين الذين لا أحد يعولهم والمعايدة عليهم وتقديم الهدايا لهم.
حديقة مفتوحة
غالبًا ترتبط مشاعر الكثير من الناس في تميّز طقوس العيد في ريمة عن غيره من خلال وجود الطبيعة الخضراء الخلابة، حيث يستمتعون بمناظر تسر الأرواح، بحسب رمزي، الذي يرى أن هطول أمطار نهاية في أواخر شهر رمضان في بعض مناطق ريمة، جعل الطبيعة خضراء والعيد أجمل، ما منحه جرعة من الراحة النفسية، وأضاف للعيد خصوصية فريدة.
في حين يصف عبدالرزاق جرفان “قضاء أيام العيد وسط أسرتك وفي منطقتك الجبلية، في بيئة طبيعية خضراء هوائها نقي، هذا بحد ذاته يشعرنا أننا في حديقة مفتوحة وكل منظر أمامنا يستحق أن نجلس فيه ونأخذ قسطًا من الراحة النفسية”.
أما أنس أحمد، 37 عامًا، فيشير إلى أن الأمطار واخضرار الجبال من أهم الأسباب التي تدفع الناس لا سيما الساكنين خارج ريمة؛ إلى العودة لقضاء فترة العيد هناك والاستمتاع بالأجواء الطبيعية وزيارة المناطق الجميلة، كالأودية الخضراء والشلالات المائية وغيرها من المناطق التي تعتبر وجهة لقضاء أوقات سعيدة.
لكن الأمر الأهم- بحسب أنس – أن هناك مناطق طبيعية كثيرة مناسبة لتكون وجهات سياحية حتى للمواطنين القادمين من محافظات أخرى كالحديدة وصنعاء، غير أنها للأسف تفتقر إلى المقومات السياحية المتمثلة في الفنادق والمتنزهات والمطاعم وغيرها، ما يدفع العديد من الأسر إلى المجيء إلى ريمة للسياحة لمدة يوم واحد والمغادرة في ذات الوقت.