الشاعر ياسين البكالي لـ “ريمة بوست”: “أنا رجل يحاول أن يصبح شاعرًا فيفشل”

صورة الشاعر ياسين البكالي
‏  6 دقائق للقراءة        1138    كلمة

ياسين البكالي، واحد من أبرز شعراء اليمن في العصر الحالي، لا يمكنك أن تتحدث عن مسيرة الشعر اليمني دون أن تتوقف على مسيرته الشعرية، لما امتازت به قصائده من موسيقى خاصة تنساب في ألفاظ عذبة ومعانٍ جزِلة.

ولد الشاعر ياسين محمد البكالي في منطقة “بكال” بمديرية مزهر بمحافظة ريمة، وهناك نشأ وترعرع منذ طفولته، له من العمر 40عامًا، أب لأربعة أطفال (2 ذكور و 2 إناث)، عاش طفولة من الأوجاع والخيبات، واجه فيها شقاء المكان وصفعات الزمن، ولعل هذه الحياة الصعبة هي السبب الرئيسي في صقل موهبته الشعرية في سنٍّ مبكر، وكما يقال:” يولد الإبداع من رحم المعاناة”.

في هذا الحوار الذي أجرته منصة “ريمة بوست” سنتعرّف معًا عن قرب على الشاعر ياسين البكالي ونخوض  في تفاصيل جديدة لأول مرة يتحدث عنها.

حاوره/ نادر الشرفي

أهلًا وسهلًا أستاذ ياسين.. في مستهل حديثنا نود  –والقارئ أيضًاأن نتعرف عليك عن قرب، من هو ياسين البكالي؟

ياسين البكالي رجل مثخن بالوجع، يحاول أن يصبح شاعرًا فيفشل ولعل ذلك هو سبب شهرته العربية. ولدت في منطقة بكال التي حملت اسمها ولم تحمل عني شيء، كمسقط رأس مهجور يعيش خارج الاحتمالات. لدي تسع مجموعات شعرية ورواية، وأنا أب لولدين وبنتين. أناهز الأربعين فجيعة.

ما دمنا في بداية الحديث، نريد أن نعود معك إلى بدايتك في الشعر .. كيف اكتشفت لأول مرة الشاعر في داخلك؟

كان فقدان أمي وأنا في الثانوية هو الذي أثار فيَّ زوابع كثيرة شكلت ملامح القصيدة، ولعل انهماكي في القراءة منذ طفولتي قد صقل الموهبة لتشب عن الطوق.

كم عدد إصداراتك الشعرية؟

لي تسع مجموعات شعرية، هي : (همسات البزوغ، أحزان موسمية، مناسك غربة لم تكتمل بعد، رمق آيل للحياة، أحد ما يشتكي الآن منك، قبل أن يطفئ الماء قنديله، ليس في باله أن يعود، الآهل بالفقد، مخافة أن)، كما لدي أربع مجموعات أخرى تحت الطبع.

يُقال بأن الشاعر صوت بيئته” برأيك هل استطاع شعراء ريمة أن يكونون صوتها ويتبنَّون معاناتها وقضاياها المختلفة في أشعارهم؟

الشعراء هم انعكاس لمشهد الحياة بشكل عام، المشهد الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي وللبيئة الاجتماعية بكل عاداتها وتقاليدها وقيمها. والشعر هو التكريس لهذه المشاهد، فنحن لا نستطيع أن نفهم العصر الجاهلي إلا من خلال ما قرأناه عن الشعراء، وأبناء ريمة وشعراء ريمة استطاعوا أن يتبّنون بعض القضايا، لكن هناك فجوة بسيطة بالنسبة لشعراء ريمة على وجه التحديد، وهي أنهم ليسوا في محافظة ريمة، وبالتالي فإن جُل تركيزهم يصب على القضايا اليمنية بشكل عام على حساب إغفال قضايا محافظتهم الأم، وكما يقال أن الشاعر ابن بيئته، فلو كانوا شعراء ريمة في محافظتهم، ربما لتبّنوا القضايا البسيطة والقضايا اليومية التي تحدث في محافظة ريمة بصفتها ما زالت مجتمعًا ريفيًا، لكن لأننا نعيش خارج المحافظة فهناك بالتأكيد بعض القضايا التي قد تغيب عنا، لكن ما إن تظهر قضية من القضايا وتصل إلينا خاصة في عصر السوشيال ميديا إلا ونتفاعل معها ونتبناها ونكتب عنها.

أنا بالنسبة لي في مقابلتي مع قناة النيل ذكرت محافظة ريمة أكثر من ثماني عشرة مرة، وكذلك في مقابلتي مع المركز الثقافي الأمريكي، حيث أن ريمة هي بوتقة وقالب أساسي وأيقونة جمالٍ نتكلم عنه في أي شاردة أو واردة.

ديوانك الأخير صدر باسمالآهِلُ بالفقدِ“. ما الذي تريد أن تقوله من خلال هذا الاسم؟

نحن في وطن يفقد كل وسائل الحياة إلى أن أصبح محاطًا بالفقد المتعددة بدءًا بفقد لقمة العيش وصولًا لفقد الهوية.

نلمس الحزن والخيبة في أغلب أشعارك. هل ما تكتبه يعبِّر فعلًا عما تعيشه أم أن الأمر ليس أكثر من دفقة هاجس؟

الحزن يتمحور في كينونات اليمني كلازمةٍ وجوديةٍ فرضتها طبيعة الصراع الذي تحفل به البيئة اليمنية المليئة بالانكسارات.

كيف ترى واقع الشعر في المشهد اليمني؟

واقع مكتظ بالأسى ومع ذلك فإنه ما زال ينجب فحولًا شعرية مبدعة.

سجلت محافظة ريمة في السنوات الأخيرة حضورًا أدبيًا وثقافيًا لافتًا على الساحة الوطنية. برأيك ما سبب هذا الظهور القوي الآن؟

سبب هذا الظهور القوي هو محاولة ريمة للخروج من بوتقة الدائرة التي فُرضت عليها بشكل كبير، ومحاولة تحقيق الذات الجمعية التي ظلت مكدسة لعدة عقودٍ من الزمن في ريمة بصفتها محافظة كانت تعيش خارج سرب المحافظات الأخرى، كما تعيش حالة من الهامشية بالنسبة للخدمات ومختلف احتياجات الحياة، فكان الثقافة والأدب بشكلٍ عام هما الرافد الأساسي لهذا العمل الإبداعي والخروج من حيز الدائرة كتعبيرٍ مجتعميّ عن محافظة ريمة ككل، وينعكس هذا التعبير من خلال الأدب بصفته لغة العرب بشكلٍ عام في الشعر وفي الرواية، وهنا لا أنسى الروائي والمؤرخ الكبير الأستاذ منير طلال، كما لا أنسى الأستاذ حيدر علي ناجي مؤرخ اليمن ومؤرخ ريمة على وجه التحديد، وكثير من الشخصيات التي لا تسعفني الذاكرة الآن لذكرها.

أيهما برأيك أكثر قبولًا وتأثيرًا على القارئ، الشعر أم الكتابة النثرية؟

بالطبع الشعر، فالشعر بإيقاعاته وصوره وجرسه الموسيقي أقوى وأحفظ في التأثير والذاكرة.

بدأنا نلاحظ نمو الشعر الحر بشكل كبير وفي المقابل هناك انحسار في تواجد القصيدة الكلاسيكية. كيف تفسر هذا الأمر؟

الشعر لغة الروح التي لا ينضب مَعْينها، ولا قيد للشعر إلا التكرار الممل للصور والأخيلة، “لذا فإن انحسار القصائد الكلاسيكية في الوقت الحاضر أمر طبيعي، وذلك لأن الإبداع لا بد أن يعبر ويتوافق مع حال الزمان والمكان ومتغيراتهما.”

كيف أثرت الحرب على الشعر في اليمن؟

الأزمة اليمنية شكلت منعطفًا ذهنيًا للأدب اليمني، وعكست حالةً من التشظي في أبعاده المختلفة.

ما الذي أضافته محافظة ريمة للشعر اليمني؟

محافظة ريمة أضافت الكثير إلى الأدب اليمني بشكلٍ عام، فكما نعرف أن هناك شعراء كثر من أبناء ريمة يمثلون الساحة الثقافية اليمنية بشكل كبير، بل وأنهم قامات شعرية كبيرة، أمثال أحمد المعرسي، مهدي الحيدري، زين العابدين الضبيبي، محمد إسماعيل الأبارة ومحمد الجرادي، هؤلاء قامات لها بصمةٌ كبيرة في المشهد الثقافي اليمني وخاصةً في هذا الوضع الاستثنائي الذي نعيشه.

ختامًا أتمنى أن تشاركنا شيئًا قاله الشاعر ياسين في محافظة ريمة.

قلت كثيرًا في ريمة، وأشارككم هذه القصيدة:

اتْركْ فمَ المعنى يـُفجّرْ بسْمة ْ

فعلى السحابِ هنا تُصلي ريمةْ

وهنا كتابٌ من تراتيل الهوى

تلقاهُ في الوادي وأعلى القمةْ

وهنا انكسارُ الصبح يبدو واضحاً

في وجه بُشرى وابتسامةِ نعمةْ

هذي بلادي واحترقتُ بداخلي

من حُسنها وانا أحاول رسْمَهْ

هذي بلادي ، قهرُ كل يتيمةٍ

يبدو عليها رغمَ تلك البسمةْ

أرضٌ تعيد الحُلم للقلبِ الذي

في اليأس ظلَّ وفي مآسي جمّةْ