سبعة أعوام من المعاناة والمشاكل الأسرية، كانت الضريبة القسرية التي دفعتها “فتحية” (اسم مستعار) 32 عامًا، بعد زواجها من أحد شباب قريتها في ريمة، في سياق ما يعرف بـ”زواج الزقار” أو “الشغار” الذي ظل كخنجرٍ مغروس في خاصرة حياتها الزوجية حتى كادت تصل حد الانفصال أكثر من مرة.
كان عمر “فتحية”، 19 عامًا، حين اتفق والدها وشقيقها – دونما حتى أخذ رأيها – على تزويجها على أحد أبناء قريتها مقابل اقتران شقيقها بشقيقة عريسها، في سياق تقليدي يعرف محليًا بـ “زواج الزقار” أو “زواج البدل”، وبموجبه لا يتم دفع مهر وشرط، بل فتاة مقابل فتاة أخرى، وكل أسرة تتكفل ببعض احتياجات ابنتها.
لم ترفض الفتاة قرار أسرتها، لمعرفتها أنه لن يؤخذ برأيها في حال أبدت رفضها، فالقرار الأول والأخير بيد والدها وأشقائها، لكنها لم تكن على قناعة بما يتم، إذ تساورها المخاوف من أمر الزواج بشكل عام، وتحتاج إلى وقت أطول للتفكير، غير أنها لم تحصل على ذلك الوقت، بل تمت الزيجة بعد موعد قصير.
سعادة مرهونة
بعد شهور قليلة على زواجها وزواج شقيقها أيضًا، بدأت “فتحية” تشعر بالانسجام في حياتها الزوجية، غير أن ذلك لم يدم كثيرًا إثر مشاكل طرأت بين شقيقها وزوجته.. تقول: “كنت مرتاحة مع حياتي الجديدة، وأشعر أنها أفضل مما كنت أتخيل من مخاوف ومشاكل.. ولكن للأسف بقيت حياتنا الزوجية مرهونة بحياة أخي زوجته”.
تواصل في حديثا لـ”ريمة بوست”: “بعد شهور قليلة حدثت مشاكل بين أخي وزوجته، فعادت زوجته إلى أهلها الذي هم أهل زوجي.. حينها قامت والدة زوجي بطردي من المنزل، نكاية بالخلافات التي بين أخي وزوجته، بالرغم أنه لم تكن بيني وبين زوجي أية مشاكل”.
استمرت تلك المشاكل بالتراكم، فما أن تحدث مشاكل زوجية بين شقيق “فتحية” وزوجته حتى تتحمل محدثتنا وزوجها تبعاتها، ويكونا جزءًا من تلك الخلافات والمشاكل، رغم التوافق الذي كانا يعيشانه، لتصبح “فتحية” ضحية لتلك الاختلافات التي زادت حدتها مع تدخل الأسرتين في تفاصيل الحياة الزوجية لكلا الزوجين.
“ما أن يختلف أخي وزوجته التي أنجبت طفلين، حتى أتحمل أنا النتائج، فأصبح تحت تهديد أسرتي التي تريدني أترك منزل زوجي، عناداً بترك زوجة أخي للبيت ورجوعها بيت أهلها. في حين أسرة زوجي تقوم بإهانتي وطردي من المنزل مقابل عودة زوجة أخي إليهم. وتقوم بتحريض زوجي على تطليقي لأنني لم أنجب أطفال وبدافع رغبتهم في انفصال أخي وزوجته”. تضيف “فتحية”.
في إحدى المرات زادت حدة الخلافات وتركت الزوجتان منزل زوجيهما، وظلت “فتحية” لما يقارب عامين في منزل أهلها، رغم عدم وجود أي خلافات مع زوجها، غير أن الأسرتين كانتا تحرضان الأزواج على الطلاق كحلٍ لتلك الخلافات التي تنشأ بين الحين والأخر، ولكن زوج “فتحية” قابل الأمر بالرفض وغادر القرية وسافر للعمل في السعودية.
تحريض أسري
عند عودته من السعودية، حاول إعادة زوجته “فتحية” لأنه ليس بينه وبينها أي خلافات وأنها تركت المنزل بأمر من أسرتها، لكنه قوبل برفض أسرتها التي تربط مصير “فتحية” بمصير زوجة شقيقها التي هي الأخرى ما تزال معلقة في بيت أهلها بسبب تراكم الخلافات وتدخل أسرتها في كل حياتها.
كردة فعل على رفض الأسرة إرجاعها، قام زوج “فتحية” بعد تحريض من أسرته وأشقائه، بالزواج من امرأة أخرى، وهو ما لم يكن متوقع، إذ تستطرد: “لم أتوقع أن يتزوج بامرأة أخرى ويجعلني معلقة في بيتنا، بسبب تحريض أشقائه على الزواج عنادًا لأهلي. شعرت أن أسرتي وأسرة زوجي دمروا حياتنا ومزقوا انسجامنا. وكنت أنا الضحية”.
كان انفصال “فتحية” وزوجها، هو الحل الأنسب الذي تراه الأسرتان وتسعيان إلى تحقيقه، بعد أن رأوا أن شقيقها وزوجته قد فشلوا في حياتهم الزوجية، غير أن زوجها ما زال مصرًا على إرجاعها إلى جانب زوجته الثانية، بينما هي كانت تكابد المعاناة بصمت.
لم الشمل
بعد تلك المعاناة والأوجاع التي عاشتها “فتحية” تدخل بعض الوسطاء لوضع حل للمشاكل بين الأسرتين، ولم شمل “فتحية” وزوجها، وشقيقها وزوجته وأطفاله، واتفقوا على قيام كل شخص منهم، بدفع مهر من جديد، وإعادة كل زوجة إلى زوجها، وعدم الربط بين حياة الزوجتين والتدخل في حياتهما الزوجية.
عادت “فتحية” إلى منزل زوجها، رغم عدم قبولها بزوجته الأخرى، وقامت بترميم ما دمّرته المشاكل والخلافات في علاقتها الزوجية، لعل ما أفسد في غيابها تصلحه في حضورها.. “رجعت رغم شعوري بالانكسار لأن زوجي ما زال متزوج بأخرى.. وعادت علاقتنا ببعض تدريجيا وعاد التفاهم والانسجام بيننا”.
لم تمضِ سوى شهور قليلة حتى اتخذ الزوج قرار العيش مع زوجته الأولى “فتحية” والانفصال عن زوجته الثانية التي كانت ضحية أخرى، حيث تزوجها كتحدٍ وعناد لأسرة زوجته الأولى، تحت ضغط شقيقه الأكبر الذي تكفل بالمهر يومها وبتكاليف الزواج، حد تبريره لـ “فتحية”.
لا تخفي “فتحية” أنها تجنبًا لنشوء مشاكل أسرية أخرى نتيجة الأعراف المجتمعية لزواج “الزقار” قررت هي وزوجها السفر إلى صنعاء والاستقرار والسكن هناك.. “بسبب المآسي التي عشتها وخوفا من المشاكل والخلافات التي قد تحدث بين أسرتينا، سافرت أنا وزوجي إلى صنعاء، وسكنّا في منزل إيجار”.
وعن تجربة خاضت تفاصيلها بألم تعتبر “فتحية” زواج “الزقار” مصدرًا للمشاكل الأسرية وانفصال الأزواج، كما تختم حديثها: “مرت ما يقارب 13 عام منذ زواجنا، وكانت السبع السنوات الأولى هي أسوأ فترة في حياتي، وبسبب زواج الزقار، عانينا وتكبدنا المشاكل التي أتعبتني نفسيا وكادت أن تمزق شمل أسرتي وأسرة أخي وأطفاله”.