“أيوب”.. زيجة تئد فكرة العنصرية

‏  6 دقائق للقراءة        1124    كلمة

بحفاوة معهودة يستقبل “أيوب عيّاش” زبائنه، ولا يمل من إثارة انتباههم بعبارته “برّد ألى قلبك برّد” الممزوجة بلهجته التهامية، وهو يُشرع في اخراج قوالب الثلج من ثلاجته القديمة المركونة في زاوية خلفية تقيه حرارة الشمس، كتخفيف على الأقل من حرارة الجو في مدينة بيت الفقيه، شرقي محافظة الحديدة.

“أيوب عيّاش”، 29 عامًا، شاب من فئة المهمشين “الأخدام” من منطقة “صنيف مهدي” المحاذية لمناطق تهامة. يقول، إنه قبل ما يقارب عامين، قرر الزواج، وكانت رغبته بالزواج من فتاة من فئة أخرى في المجتمع، أكثر ما يحزُّ في نفسه، ليكسر حاجز التمييز الذي يشعر به حيال الأمر، لكنه في ذات الموقف لا يخفي خشيته من أن يفصح عن رغبته فيلقى معارضة من قبل أهله أو رفضًا وعنصرية من قبل أي أسرة يتقدم للزواج منها، خصوصًا أن غالبية السكان اعتادوا على الزيجات من ذات الجنس، حد قوله.

يواصل في حديثه، لـ”ريمة بوست”: “بعدما ترددت كثيرا، رجعت كلّمت ابي وامي، كانوا في البداية رافضين بحُجة العادات والتقاليد، لكنهم مع اصراري وافقوا بس كانوا خائفين ما نلقى حد من اصحاب الجبل (إشارة إلى فئات غير مهمشة يقطنون مناطق جبلية) يقبل يزواجنا لأن احنا أخدام (وهو تعبير عنصري يطلق في بعض المناطق على المهمشين)”.

لم يكن أيوب، يعرف أسرة محددة، ليتمكن من التقدم للزواج منها، لكنه استعان بشخص آخر “وسيط” يسكن في مديرية الجعفرية وتربطه بوالده معرفة قديمة، أخبره أنه يرغب بالزواج، فكان رده _ بحسب أيوب_ أنه سيبحث له عن أسرة مناسبة ثم سيتواصل به حال الموافقة مبدئيًا.

ثلاثة أيام كانت فترة كافية للبحث عن شريكة حياة لـ “أيوب”، إذ تواصل به ذلك الشخص “الوسيط” وأخبره أن بإمكانه المجيء إليه مع أسرته أي وقت، ليذهبا معًا للتقدم للزواج رسميًا. أتى ذلك اليوم وذهبا، استقبلهم والد الفتاة بحفاوة وتواضع كبيرين، كان “أيوب” يتحاشى نظرات الضيوف، خوفًا من أن يسمع لفظة عنصرية أو يتعرض للتنمّر، كون أهالي تلك القرية من البيض في حين هو من السود، يستطرد “أيوب”.

والد الفتاة (م . ق)، 43 عامًا، كان حريصًا في حديثه مع “أيوب” على التطرق إلى أهمية الأخلاق والدين في حياة المجتمع بكل أشكاله، والمسؤولية التي على الرجل أن يتحمّلها إذا ما قرر تكوين أسرة دون النظر إلى لونه وجنسه لأن هذه فروقات طبيعية ولا تستدعي التمييز والتفرقة، مشيرًا أن “مافيش بين البشر أخدام وعبيد وأحرار، كلنا خُدّام لله وحده”، يقول أيوب نقلًا عن والد زوجته.

لم يمر سوى شهرين بعد الخطوبة، حتى احتفل “أيوب” بفرحة العمر التي ظل ينتظرها لسنوات، وهي فرحة يقول إنها مميزة، شعر فيها بتحقيق حلمه الذي كان يظنه مستحيلًا، ومنه أيقن أن الكثير من البيض ليسوا عنصريين بل متعايشين بشكل كبير، إنما الأفكار التي سببتها البيئة بشكل عام خلقت حاجزًا هُلاميًا بين الجنسين، حد تعبير أيوب ذاته.

بعد زواجه بأشهر، قرر أيوب الانتقال مع زوجته “مريم” (اسم مستعار)، ذات العشرين عامًا، إلى مدينة بيت الفقيه الحارة، حيث يعتبر الثلج بضاعة رائجة. يختم حديثه بارتياح يشير بأنه يعيش حياة مستقرة، إذ انصهرت كل الاختلافات حين أحب زوجته وأحبّته..”الحمدلله عايش حياتي مرتاح. وربي يحفظ لي زوجتي وطفلي اللي عادو ما قد ولد”.

الوعي في مواجهة العنصرية

أيوب ليس حالة استثنائية، بل واحد من الكثير من الزيجات التي كسرت حاجز العنصرية في ريمة، خلال العشرة الأعوام الأخيرة، سواء داخل المحافظة أو إلى بعض مديريات الحديدة، إذ تغلب وعي الكثير من السكان على الأفكار التمييزية التي وضعها المجتمع في الماضي خوفًا من الاختلاف، وفقًا لـ “علي مرسم”، محامي.

في حين يشير، أيمن عبده، 33 عامًا، ناشط مدني، إن أكثر ما ساعد في كسر حاجز التمييز العنصري تجاه فئة المهمشين “الأخدام” هو الاختلاط والتعارف الذي جاء نتيجة لوجود طرقات بين المناطق المختلفة، ونشوء أسواق عدّة يمارس فيها الجميع أعمالهم، وهو ما أسهم في تعايشهم وتبادل ثقافاتهم وأعرافهم.

ويضيف عبده في حديثه لـ “ريمة بوست”: “كانت العنصرية ضد المهمشين تقوم في السابق على أساس اللون والنسب، ويرى لهم بنظرة دونية كونهم من الطبقات الأدنى في المجتمع، وذلك بسبب العادات والتقاليد والجهل الكبير في أوساطنا”.

ويستدرك: “لكن مع ارتفاع نسبة الوعي في السنوات الماضية وانتشار التعليم، عرفنا أن الناس سواسية في الدين، وتضاءلت النظرة العنصرية تجاههم”.

بالمقابل أوضحت، إيمان صالح، أخصائية اجتماعية، إن التمييز بين فئات المجتمع، ليس إلا فكرة متداولة بين الناس تربوا ونشأوا عليها. وأضافت: “بمجرد أن يكبر الشخص ويتشكّل لديه الوعي بمفاهيم الحياة الصحيحة التي يستقيها من الدين الإسلامي والقانون والدستور، يصبح أكثر احترامًا للإنسان بعيدًا عن أي فروقات، ليتجسد التعايش في كل مناحي الحياة”.

بين التهميش والتمييز

وبالرغم من ثقافة التعايش التي يتبناها المجتمع الريمي تجاه المهمشين، إلا أن بعضهم، وفقًا للمحامي علي مرسم، ما زالوا يتعرضون لعنصرية ملحوظة، يبررها: “بالحياة العشوائية التي يعيشونها، وسط تقصير غير مبرر تجاههم، كونهم بحاجة إلى برامج إنسانية عدّة، تساهم في تحسين واقعهم ودمجهم في المجتمع”، حد قوله.

محمد الشرعبي، شخصية اجتماعية، يقول، إن الكثير من أبناء المجتمع بريمة لديهم قناعة بتزويج بناتهم على أشخاص من فئة المهمشين، شريطة أن لا يكونوا من تلك الفئة التي تسكن بالقرب من الأسواق في مساكن من صفيح، وتعيش حياة عشوائية، وتمارس مهن يعتقدها المجتمع “وضيعة” مثل تصليح الأحذية (اسكافيين)، وتنظيف السيارات، والتسول.

وكشفت دراسة أعدّتها اليونيسف في يناير 2015م، شملت 9200 أسرة (51406 شخصًا)، عن مستويات عالية من الفقر في أوساط المهمشين مقترنة بمستويات منخفضة من القراءة والكتابة، وأشارت إلى أن “أسر المهمشين تعاني ظروف معيشية سيئة للغاية والوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية بشكل عام منخفض جدًا”.

وتوضح الدراسة، أن واحد فقط من بين كل خمسة أشخاص بعمر 15 عامًا أو أكثر يمكنه القراءة أو الكتابة و 2 من كل أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و 17 عامًا يلتحقون بالمدراس، على الرغم من أن المتوسط يقارب ضعف هذا الرقم.

تنص المادة (41) من الدستور اليمني على أن “المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة”، وهو تأكيدًا على التعايش والمساواة بين المواطنين اليمنيين، كما تعتبر الجمهورية اليمنية من الدول التي صادقت على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وملزمة بتنفيذ إجراءاتها، ليحظى الجميع بحياة كريمة تحفظ لهم كرامتهم وتحقق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.