بينما تزدحم الأسواق بالناس المتسوقين لشراء احتياجات شهر رمضان المبارك يقضي المعلم الأربعيني مختار المسوري أوقاتًا صعبة في عمله الشاق في حمل الأحجار المستخدمة في العمارة التي يزيد وزنها – أحيانًا – عن 60 كيلو جرام وهي المهنة التي لم يعتد على ممارستها يومًا ما، غير أن الحرب وانقطاع الرواتب أجبراه على ذلك.
يعمل المسوري معلمًا في مدرسة علي بن أبي طالب في منطقة مسور بمديرية مزهر محافظة ريمة؛ منذُ أكثر من 15 عامًا، لكن ظروفه المعيشية المتعسرة إثر تعليق صرف رواتب الموظفين الحكوميين من قبل حكومة صنعاء، بعد نقل البنك المركزي إلى عدن في 19سبتمبر /أيلول 2016 من قبل الحكومة المُعترف بها دوليًا؛ جعلتهُ يمتهن أعمالاً شاقة بالأجر اليومي لتوفير القوت الضروري ليُعيل زوجته وأطفالهما الأربعة الذين يسكنون في منزل صغير وقديم ورثه مختار من والده، وهو الأمر الذي ضاعف مسؤولياته في توفير غذاء ودواء، إذ لا يتردد الرجل في القيام بأي أعمالٍ توفر له ولو جزءًا يسيرًا من احتياجات أسرته.
التحق مختار بالقطاع التعليمي كمدرس عام 2005 وبقي يمارس عمله التربوي بشكل مُنتظم ومتفانٍ في تدريس الطلاب بصورة يومية، حينها كان التفرغ الذهني في التحضير والتدريس للحصص الدراسية أمرٌ مفرغٌ منه مع توفر راتب شهري يضمن استقرار المعيشة والايفاء بمتطلبات الحياة، لكنهُ فجأة وجد نفسه بلا راتب يصارع قساوة الظروف. يضيف الرجل: “قبل انقطاع الراتب كانت حياتي متيسرة والحمدلله، ولكن بعد انقطاع الراتب أصبحت عيشتي مُتعبة ولا يوجد لدي مصدر آخر. ولا يوجد معنا شيء غير بيت الوالد التي نسكنها وهي ورثنا الوحيد بعد وفاته”.
“الدم يطلع من جلد ظهري”
على عكس الأمر الذي قد يصدم أغلب الناس أن واحدًا من المعلمين الذين تتلمذ على يدهم مئات الطلبة على مدى عقد ونصف من الزمان أصبح عاملاً بالأجر اليومي، لا يرى المسوري من ذلك إلا أمرًا اضطراريًا يعتز به خصوصًا بعد أن توسعت مسؤولياته إلى إعالة والدته وأسرة شقيقه الذي ظل في المعتقل لعامين مع شقيقه الآخر قبل أن يفرج عنهم في 2017م، حيث تكفل مختار بإعالة أسرة شقيقه إلى جانب زوجته وأطفالهما الأربعة.
صعوبات العمل المنهكة لطاقة “مختار” الجسدية والصحية بعد حمل الأحجار في أغلب صباحته التي لم تشرق عليها شمس الراتب، كانت أشد وطأة عليه في بداية الأمر أثناء عمله لدى بعض الأهالي في مهنة نقل الأحجار على ظهره، يقول ببؤس: ” تعبت من حمل الأحجار لأني مش متعود على ذلك، كنت أحمل الحجار على ظهري في النهار، ولا يأتي المساء إلا وقد والدم يطلع(يخرج) من جلد ظهري الذي فيه خدوش وجروح، ورغم ذلك تحملت وصبرت حتى تعودت على ذلك”.
ويكمل محدثنا بعزةٍ وأنفةٍ أن عمله بالأجر اليومي أهون بكثير من مد يده لأي سُحت أو مال حرام “فضّلت أن أعمل عاملا بالأجر اليومي وأعيش أنا ومن أعولهم على لقمة حلال خيرا من أن أمد يدي للحرام مثل السرق والنصب والتقطع (جرائم الحرابة) وغير ذلك، فقد فضّلت أن أبقى في بلادي وأنا حرا عزيز خيرا من أذهب أو أسافر او أكون عالة على الآخرين”.
مهنة للعيش وأخرى للواجب
الانشغال بالعمل الحر لتيسير متطلبات الحياة لم يثنِ المعلم “مختار المسوري” عن أداء مهامه كمدرس في مدرسة علي بن أبي طالب بعزلة مسور، حيث يحرص الرجل على المؤامة بين كونه رجل تربوي يعمل في قطاع التعليم وكونه باحث عن مصاريف المعيشة، فبينما يستلم المعلمون المتواجدون في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا رواتبهم بشكل منتظم شهريًا، لا يتقاضى مختار وزملاؤه في مناطق سيطرة المجلس السياسي رواتبهم منذُ أكتوبر/تشرين أول 2016، باستثناء أنصاف رواتب تصرف خلال أشهر قليلة من هذه الفترة، إضافة لبعض السلال الغذائية وحوافز شهرية من منظمة اليونيسف، بواقع خمسين دولار غير أنها هي الأخرى لا تصرف بشكل منتظم.
يقُسّم المسوري الأسبوع بين ثلاثة أيام في مهنة التدريس بالمدرسة وبقية الأيام في العمل لدى أبناء منطقته في أعمال شاقة متعددة أبرزها حمل الأحجار، وبالرغم من المتاعب والمخاطر التي يكابدها أثناء العمل إلا أنه لا يتقاضى سوى 3 آلاف ريال يمني في اليوم الواحد (5$) وهو مبلغ لا يغطي احتياجاته كاملة، لكن عوز المعيشة يرغمه على ذلك. بكل أمل يختم حديثه قائلاً: “الحمدلله اننا مستورين. حتى إذا لم يغطي احتياجاتنا فماذا سنعمل ما معنا إلا ان نصبر حتى يفرجها الله من عنده”.. وينهي المعلم مختار حديثه بالشعور بالفخر والاعتزاز حين يأكل من عرق جبينه، رغم الصعوبات التي يعيشها، مستذكرا، فضل والده عليه، قائلا “رحم الله من علمني ورباني على العطاء بلا حدود”.
حُرم مختار هو وقرابة 200 ألف معلمٍ ومعلمةٍ من الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة حكومة صنعاء؛ من مرتباتهم منذ ما يزيد عن أربع سنوات، بعد أن قامت الحكومة المعترف بها دوليًا بنقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى عدن، ما تسبب بتوقف الرواتب نتيجة انعدام السيولة في البنك المركزي بحسب تبريرات حكومة صنعاء، وفي الوقت ذاته غضت الحكومة المعترف بها دوليًا الطرف عن صرف مرتبات المعلمين وغيرهم من الموظفين وظل هذا الملف الإنساني عالقًا دون حلول منذ أكثر من أربع سنوات.