“سرنا من محل إلى محل ومن مستوصف إلى مستشفى. وكلهم يقولوا مابش علاج مابش علاج.. جننونا”، بنبرة استياء من الحالة التي مر بها، يروي أحمد مثنى المخلافي، 75 عامًا، تفاصيل معاناته وتنقّله من مركز صحي إلى آخر، بحثًا عن مصل ضد التسمم، من أجل إنقاذ حياة ولده “سليمان”، 24 عامًا، الذي تعرض للدغة ثعبان يوم السبت 4 يوليو المنصرم 2020م، بعزلة المخلاف بمديرية مزهر.
كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرًا_ وهو التوقيت المفضل لدى أهالي الريف لتناول وجبة الغداء_ حين خرج سليمان أحمد مثنى، إلى جانب المنزل، لينادي والده أن وجبة الغذاء جاهزة وأنهم ينتظروه ليتناولوها معًا، وبينما كان واقفًا بجانب باب المنزل، رأى ثعبانًا يطل برأسه من إحدى فجوات الجدار القريب منه، وكأنه ينتظر اللحظة المناسبة لينفث سمومه في جسد شخص ما. وكعادة “سليمان” في ملاحقة الثعابين والأفاعي والإمساك بها لنزع السم منها، اقترب من الثعبان محاولاً الإمساك به، لكن الثعبان كان يعد العدة أيضًا لذلك الموقف، إذ انقض بسرعة خاطفة ولدغه في يده، نافثا السم فيها، حينها لم يكن أمامه سوى قتل الثعبان والتخلص منه.
هرع “أحمد” لإسعاف ولده إلى المركز الصحي في المنطقة لمعالجته، لكن العاملين فيه اعتذروا لعدم توفر مصلا ضد السموم، وطلبوا منه أخذه إلى مستشفى الثلايا بمديرية الجبين لعل المصل متوفر هناك، لكنه الأمل الذي سرعان ما تلاشى عند الوصول، حيث قال المستشفى أن المصل المضاد لسموم الثعابين غير متوفر، واكتفى بتقديم الإسعافات الأولية وبعض الإبر المهدئة للمصاب، بالإضافة إلى أمر ورقي بتحويله للعلاج في أحد مستشفيات مدينة باجل بمحافظة الحديدة.
كانت حالة “سليمان” الصحية تزداد سوءًا، ويحتاج إلى إسعاف بشكل عاجل، وهو الأمر الذي دفع سيارة الإسعاف الخاصة بمستشفى الثلايا للتحرك وإسعافه إلى أحد مستشفيات مدينة باجل، والذي يستغرق الوصول إليها ثلاث ساعات على الأقل. في الطريق كان الوقت يمر ببطء شديد، وكان السم يتفشى في جسده بسرعة أكبر، لتزيد آلامه ومعاناته، ويتفاقم وضعه الصحي، وما إن شارفت سيارة الإسعاف على الوصول لمدينة باجل، حتى فارق الحياة، بعد صراع مرير مع السم الذي انتصر في النهاية.
يومها أُعيدَ جثمانه للدفن في القرية، فيما الحزن في قلوب أهله لم يدفن بعد، إذ يردف والده بنبرة حزينة: “عاد احنا كنا ناويين نفرح به ونزوجه هذه السنة.. لكن الحمدلله قدر الله وما شاء فعل”. ويضيف، أنه كان يتوقع أن يجد المصل المضاد للتسمم في مستشفى الثلايا على الأقل، كونه مستشفى مركزي ويتلقى اهتمام من قبل الجهات الصحية، لكنه تفاجئ أنه لا يختلف عن المراكز الصحية التي تفتقر إلى الأدوية الضرورية.