بينما كان المطر يهطل بغزارة، وأصوات الانهيارات الصخرية وانزلاقات المدرجات الزراعية تتداخل مع أصوات الصواعق الرعدية؛ كان محمد محمد أحمد ناجي، 18 عاما، برفقة والديه وشقيقته، في طريق العودة من قرية عنتورة في بني أحمد بالجعفرية، بعد أن أتم مراسيم خطوبته.
كان والده ذو الستين عامًا يمشي في المقدمة مع شقيقته أفراح ذات العشرين عاما، فيما “محمد” تأخر قليلا مع والدته. الساعة حينها تميل نحو السادسة مساء من يوم الخميس المنصرم، 6 أغسطس، وكانت الأمطار مستمرة بغزارة منذ الظهيرة، وهو الأمر الذي تسبب بحدوث انهيار صخري بالقرب من الطريق الذي يمرون فيها بقرية ذي عمران.
وقع الانهيار الأول فتراجع والد “محمد” قليلا ليرى أي طريق آخرى يختار، ولكن في تلك اللحظة حدث انهيار صخري آخر إلى داخل إحدى البرك المائية الواقعة أعلى الطريق، ما تسبب بانفجارها وتدفق المياه منها، مُشكّلة سيل ضخم من الماء الممزوج بالصخور والأتربة، جرف كل شيء أمامه، المدرجات الزراعية، الأشجار، الصخور، حتى والد “محمد” وشقيقته لم يسلما من ذلك.
يقول عبدالله حسن، 42 عامًا، أحد أبناء المنطقة، وقتها هرع الجميع إلى المكان، فكان محمد ووالدته قد تعرضها للإصابة، جرّاء الانهيار الذي حدث، في حين شقيقته ووالده لم يكن لهما أي أثر، فقد أخذهما السيل في طريقه باتجاه المجرى إلى الوادي.
يضيف في حديثه، لـ”ريمة بوست”، أن الجميع كان في ذهول وخوف، مترقبين أي انهيار آخر قد يحدث، خصوصا مع توارد الأخبار من القرى الأخرى في عزلة بني أحمد، عن حدوث انهيارات لمنازل عديدة، وانزلاقات صخرية، ووقوع ضحايا، وخروج عشرات الأسر من منازلها.
وسط المخاطر المحدقة ولساعات متواصلة بحث المواطنون عن جثتي الأب وابنته، فوجدوا أجزاء من جسد الأب ولكنهم لم يجدوا جثمان ابنته، إلا ظهر اليوم التالي، وهي شبه ممزقة، في منظر مؤسف جدا، يبرز حجم المأساة التي عاشوها جراء الأمطار، حد وصف الأهالي.
موت وحصار
فقد “محمد” والده وشقيقته، وفقد أناس آخرون أحبّائهم إثر انهيار عشرات المنازل والصخور وخزانات مياه، بفعل سيول الأمطار على معظم مناطق ريمة، سيما الجبين والجعفرية،يوم الخميس الأول من أغسطس-آب 2020م، غير أن الصعوبات التي رافقت ذلك كانت أكثر وقعا على مصير السكان، إذ عُزلت المناطق المنكوبة بفعل انقطاع الطرق، ما أعاق المنقذين من الوصول.
في حديثه لـ”ريمة بوست”، يقول عثمان الأحمدي، 38 عامًا، أحد العاملين الصحيين، إن الفرق التي ذهبت يوم الحادثة، لانقاذ المصابين وانتشال الضحايا الذين قضوا في انهيار منزل بجبل ريم، تعرض لانهيار صخري كاد أن يودي بحياته هو وزملائه حينها.
ويضيف، أن تدفق السيول في وادي علوجة منع وصول الفريق والمستلزمات الاسعافية التي يحملها إلى بني أحمد، وهو ما اضطرهم المجيء عبر طريق، الرباط بمديرية الجبين، والذي يمر عبر محافظة الحديدة، وسط تأهب لأي انهيارات صخرية، وهو ماجعل وصولهم متأخّراً الى المنطقة.
تسببت السيول والأمطار الغزيرة الخميس المنصرم 6 أغسطس، 2020م، بوفاة 17 شخصا، ثمانية منهم من أسرة المواطن مهدي غالب الخطابي
وعن الدور الحكومي، وجّه محافظ ريمة الحباري، نداء في وقت سابق إلى قيادة الدولة والحكومة في صنعاء لتوفير الامكانيات الضرورية لفتح الطرق الاسفلتية المتضررة من الأمطار وتدفق السيول سيما وأن المحافظة تفتقر إلى تلك الامكانيات لرفع تلك الأضرار.
وقد تسببت السيول والأمطار الغزيرة الخميس المنصرم 6 أغسطس، 2020م، بوفاة 17 شخصا، ثمانية منهم من أسرة المواطن مهدي غالب الخطابي، وإصابة 7 آخرين، في عزلتي بدج وبني الخطاب بمديرية الجبين، فيما لا يزال هناك طفلة مفقودة حتى الآن. وفي عزلة بني أحمد وبني جديع بالجعفرية، توفي 12 شخصا وأصيب آخرين، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقا لمصدر بمكتب الصحة بالمحافظة.
متضررون بلا مأوى
وقد اضطر بعض أهالي عزلة بني أحمد بالجعفرية وعزلتي بني خطاب وبدج بالجبين، لمغادرة منازلهم والسكن في المدارس، تاركين ممتلكاتهم المدمرة بحثاً عن طوق نجاة، فيما ظل آخرون عالقون في أماكنهم بعد أن سقطت أجزاء من منازلهم فعجزوا عن الخروج أو النجاة، لولا تدخل جيرانهم لإنقاذهم.
يقول طارق البدجي، 29 عامًا، أحد أفراد لجنة حصر المتضررين بعزلة بدج، إن أسر عديدة تركت منازلها بسبب انهيارها بشكل جزئي أو تحسبًا لسقوطها، لا سيما القديمة منها أو الواقعة في مناطق قريبة من مجاري تدفق مياة الامطار، وقد لجأت تلك الأسر للإقامة في منازل أقارب ومجاورين.
ويشير البدجي، أن المتضررين لم يحصلوا حتى الآن على مساعدات ايوائية، إذ ما تزال السلطات المحلية تعمل على حصر الأضرار والمتضررين إثر ما حدث.
في حين أكد مصدر في السلطة المحلية بالجعفرية، لـ”ريمة بوست”، أن إجمالي المنازل المتضررة بالمديرية، بشقيها الكلي والجزئي، بلغت حوالي 200 منزل حتى الآن، مشيرًا أن هذه الاحصائيات أولية، ولا يزال العمل جاريا لاستكمال عملية الحصر. فيما انهار 25 منزلا بشكل كلي، وتضرر 50 منزلا بشكل جزئي في عزلة بدج وحدها، وفقًا للجنة حصر الأضرار المكلفة من السلطة المحلية بالمنطقة.
بالمقابل دعا محافظ ريمة في تصريح صحفي سابق إلى، ” تشكيل لجنة من الجهات المعنية لحصر الأضرار التي لحقت بالمنشآت والمباني الخاصة والعامة فضلا عن حجم الأضرار بالاراضي والمدرجات الزراعية”.
“خيرنا فينا”.. حملة إغاثية
في السياق ذاته، أطلق مجموعة من الناشطين والشباب بريمة، حملة تبرعات بعنوان “خيرنا فينا”، لإغاثة أهالي المناطق المنكوبة والمتضررين من الأمطار والسيول بالمحافظة.
وقال عمار العمري، 30 عامًا، رئيس الحملة، إن الحملة تهدف إلى جمع التبرعات والمساهمات من المواطنين القادرين والمغتربين والتجار لصالح إغاثة ضحايا السيول والامطار.
وأضاف، أن هذه الحملة تأتي في إطار الجهود التي يقدمها الشباب لمساعدة الأهالي في المناطق المنكوبة وقد خصصت حسابا بنكيا لدعم الحملة لدى بنك الكريمي، رقم “121179213”، وذلك لاستقبال التبرعات والمساهمات المجتمعية.
ودعا العمري، المواطنين والتجار والمغتربين، إلى التبرع والتفاعل مع هذه الحملة لتقديم المواد الإغاثية والمساعدات النقدية لإخوانهم المتضررين في عموم مناطق ريمة، بما يكفل تجاوزهم الأوضاع الصعبة التي خلّفتها السيول والأمطار، في ظل عجز الجهات المعنية عن القيام بدورها، وتجاهل منظمات المجتمع المدني لمعاناة المواطنين.